مقالات
قمر بن سالم - تونس
ليس الرقص تحريكا للجسد فقط و بطريقة عشوائية لا.لا..لا.فقد نظلم الرقص بمثل هذا التفكير..انه أرقى ما يعتري الإنسان في لحظات فرحه ..في لحظات جنونه...في لحظات حزنه..في لحظات كبته..في لحظات انفلاته..و في كل لحظات انفعالاته المختلفة...لأن الرقص فعل "نبيل"..لا لشيء فقط لأنه لا يؤذي أحدا و لا يزعج فردا ..انه يرقص لنفسه و لذاته ..يتحرك معبرا عن الأحاسيس المختلفة..أصدق اللحظات ..لحظة انطلاقك في الرقص..لأنك حينها تتحدث مع ذاتك..تخاطبها..تعاتبها..تغازلها..تداعبها.تشكرها..تسألها..تستخرج طاقاتك منها..فلا تستغربون أن أقول لكم أن الكثير من كتاباتي و أفكاري و أشعاري كتبتها أثناء الرقص..أرقص ..فأتذكر..فأسبح..فأكتب ..و أنا لم أكمل رقصي بعد أجد الأفكار تكتب لوحدها بعد أن أكون قد...(رقصت)..إذ ينطلق الإنسان في الفعل من جديد..
الإنسان في لحظات خلوته و سماعه للموسيقى تجده يحرك رأسه أو حاجبيه أو ساقه و هو جالس دون أن يشعر..إذا هو يحب الرقص...الكل يحب الرقص..و الجميع يريد أن يرقص..أحب المسرح..أمارسه..و لم تخل مسرحية من مسرحياتي دون"رقصة"..لا يكون المسرح مسرحا دون أن يكون فيه نوع من أنواع الرقص حتى و لو لدقائق..لأنه جزء من ذات الممثل على الركح....لا يمكن لعرس أن يتم دون "رقص"..و لا نجاح دون "رقص"..و لا حفل دون "رقص"...كل الشعوب ترقص ..و لكل وطن رقصه..يعبر عن تاريخ بلد أو منطقة...أعرف أن الرقص "الفولكلوري" لإحدى بلدان المغرب العربي يعبر فيه عن طريقة ما في "الصيد" إذا يدور فيه ضارب الطبل في حركة "نصفية" تعبر عن رمي الشباك في البحر...و ترقص بجانبه الراقصة في حركة لولبية بساقيها تعبر فيها عن طريقة دهس الزيتون لاستخراج الزيت...هل هناك أروع من تعبير الرقصات عن حضاراتها..
لا يمكن للرقص أن يعلم..فالرقص نابع من الذات...انه فطري و حتى ان لم يكن فطريا فان منطلقه "الذات" لا المعلم..إن لم تكن تريد الرقص فلا حاجة لك لمعلم يلقنك" فن الرقص"...و إن لم يكن جسدك خفيفا- ولست أقصد بالخفة هنا السمنة و الضعف بل خفة الأداء حتى لو كنت مكتنزا- فان لم تكن كذلك فدعك من ذلك...و لكن يجب عليك أن ترقص...أتعلم لماذا...لأن الرقص لغة تخاطب و تعامل تتعامل فيها مع ذاتك فتلملم جرحها و تنسيها ألمها..و تعلمها أيضا لغة أخرى ألا وهي لغة الابتسام و معنى حب الحياة...الرقص عبارة عن مصالحة الذات للذات مع الحياة....أغمض عينيك و ارقص..سترى العالم غير هذا العالم..و كم ستبدو أشياء تافهة في نظرك و كانت هامة في ما مضى.. و كم لأشياء ستصبح هامة بعد أن كانت- ربما-"تافهة"...و الأهم في خضم هذه "الأرجوحة" هي ذاتك و نفسك التي تحتاجك فراقصها ...نعم راقصها لتكتشف جمالها و حبها و لاطفها نعم لاطفها لتشبع من عطفها و حنانها و دفئها و عانقها..عانقها لتستنشق عبيرها و عطورها بين ثناياها...