لبنى كيسي
أنا إنسانة عاشقة ومولوعة بالأدب العربي، ونقدي ليس قدحا في الشعر العربي أو اللغة... فلم يكن النقص في عبقرية الشعراء العرب أو لسانهم، بل في البيئة التاريخية و السياقات الاجتماعية والسياسية التي لم تكن تسمح بنمو أدب واقعي شامل كالذي نضج في الغرب. ومع ذلك، نجد أن الشعراء العرب، بطريقتهم، زرعوا بذورًا نقدية وفكرية مهمة، ولكنهم لم يمتلكوا الأدوات والسياقات التي جعلت الأدب الغربي أكثر واقعية وتأثيرًا في البنية المجتمعية والسياسية.لذلك حينما نعالح موضوعا أسمى، نستدل بالأغلبية التي تصنع القاعدة.
فالشعر باعتباره الجنس الأدبي السائد في الثقافة العربية حتى القرن 19، كان التركيز في عمومه على الشكل أكثر من المضمون، وهذا أدى في كثير من الأحيان إلى تغليب الزخرفة على الواقع.
بالمقابل، الواقعية الغربية مثلا ضحّت أحيانًا بالشكل الأدبي في سبيل توثيق الواقع بصدق، بينما لدى العرب القدامى كان الشعر غالبًا وسيلة للتفاخر، الحكمة، المدح، الهجاء، أو الزهد، وليس أداةً لتشريح الواقع المعيشي بدقّة وعمق.
في الغرب، أصبحت الرواية والشعر وسيلة لتوثيق الواقع، فضح الفساد، الدفاع عن الفقراء، نقد البيروقراطية، وغيره، حيث ظهرت الواقعية الأدبية نتيجة تحولات كبرى: الثورة الصناعية، صعود الطبقة الوسطى، انهيار سلطة الكنيسة، ظهور الدولة الحديثة، وصحافة حرة.
أما في العالم العربي، فقد كان الشعراء يعملون غالبًا في ظل أنظمة سلطوية (خلفاء، سلاطين)، وكان التعبير مقيدًا بالمديح أو الزهد أو الهجاء، وأي نقد اجتماعي كان عليه أن يتخفى تحت الرمزية أو الحكمة بسبب الرقابة والقيود السياسية والدينية.
بينما في الغرب، رغم الرقابة، كانت هناك مساحات أكبر من حرية التعبير، بسبب انبثاق العلوم الانسانية الحديثة كعلم الاجتماع وعلم النفس ما أسهم في ازدهار أنماط التعبير الإصلاحي الواقعي وتاثيره على ذوق وثقافة المجتمع