بالكاد تجد النساء متسعا على الأرض ليضعن أجسادهن آخر النهار، ويتمددن بين أطفالهن بجلبية ومنديل على الرأس، وبنطال داخلي أيضا لأنها ليست لها أي خصوصية في مكان يعتبر عاما وليس خاصا، غطاء الرأس تصبحن وتمسين وهن ترتدينه فقد بات مثل يدهن ورأسهن، جزءا من جسدهن لا يفك أو يحل أبدا.
أما شعرهن فقد نسينه بعد أن نسين تسريحتهن وغرفتهن وبيتهن في الحرب، الحرب حرمتهن من خصوصيتهن ومن أمانهن ومن هويتهن وجعلتهن كالطاحونة.. النساء كحبوب القمح يتم هرسهن في الحرب.. وجعهن يراه العالم بعدد الشهيدات وعدد المصابات وعدد البيوت..!! لكنه لا يعرف عدد النساء المهجرات والنساء اللواتي فقدن غرفهن وبيوتهن وأغراضهن ومراياهن وذكرياتهن وأيامهن وأحلامهن..!!
لقد نسيت النساء أن شعرهن بحاجة للهواء والشمس وإلى مشط، وأن أجسادهن بحاجة إلى حمام ساخن ينسيهن بعضا من قسوة ما عشنه ولازلن، كل ما تفكر فيه النساء كيف تحمل أطفالها بأسنانها وتفر بهم من جحيم القذائف والصواريخ والنار الملتهبة، طيلة الوقت تلتصق بهم ويلتصقون بها.. نموت معا أو نحيا معا.. هذا لسان حالهم..!!
.. حمام المدارس هو عبارة عن طوابير طويلة طويلة جدا.. الأفضل ألا تفكر النساء فيها لأكثر من مرة في اليوم..!! الانتظار قاسي والمسافة طويلة والوضع مرهق.. الحمام ذو الرائحة الكريهة بات مطلبا لكن ماذا تفعل النساء المريضات وكبيرات السن والحوامل واللواتي يحتجن لرعاية خاصة..!!
تتساءل النساء عن حقوق المرأة وحقوق الإنسان.. يتساءلن عن الاتفاقيات الدولية وعن مجالس حقوق الإنسان، والجمعية العامة للأمم المتحدة وجمعيات المرأة الأممية..!! ويتساءلن عن القرارات الخاصة بحماية النساء وسط الحروب والنزاعات المسلحة..! هل النساء الفلسطينيات جزءا من المنظومة الحقوقية ؟!! هل هن بشر .!!
لأن بعضهن فقدن رؤوسهن فلم يعد هنالك معنى لتمشط الشعر..!!
ولأن بعضهن فقدن شعرهن واحترقن بفعل الصواريخ الإسرائيلية. !!
ولأنهن لم يعدن في بيوتهن الآمنة فلم يعد بإمكانهن البحث عن مرايا آمنة لأنهن في مكان مشاع ووسط عشرات ومئات المشردين مثلهن، وجوههن البائسة لا تجد متسعا ووقتا للتفكير في شعورهن الجافة..!!