" وكالة أخبار المرأة "
نُشر كتاب Masukomi: Sekuhara hakusho في فبراير/ شباط 2020 (التحرش الجنسي في وسائل الإعلام اليابانية: كتاب أبيض) وهو يتحدث بالتفصيل عن قصص النساء العاملات في الصحف وفي وسائل الإعلام والنشر، ويتكون هذا العمل، الذي يرجع الفضل في جمعه إلى النساء العاملات في شبكة الإعلام اليابانية (WiMN)، من سلسلة من المقابلات التي تناقش فيها النساء تجاربهن الشخصية مع التحرش الجنسي إضافة إلى جوانب أخرى من معاناتهن والمظالم التي تعرضن لها خلال مسيرتهن المهنية. يقدم الكتاب فرصة غير مسبوقة لسماع المتخصصات الناشطات في وسائل الإعلام يتطرقن إلى موضوع التحرش الجنسي ليس كصحفيات تعملن على تغطية قصة، بل كنساء تعرضت حياتهن للتهديد بشكل مباشر.
ليس هناك ما يدعو القلق
تتذكر هاياشي قصة مثيرة عندما بدأت عملها كمراسلة مع صحيفة أساهي. بينما كانت أول مراسلة في الصحيفة متخصصة في تغطية عمل الشرطة في محافظة نيغاتا، حينها وجدت صعوبة في جعل الضباط يأخذونها على محمل الجد، وعانت كثيراً لتتمكن من الحصول على السبق الصحفي الذي يتوقعه منها محرروها. في مواجهة ما لاقته من عدم تعاون مقصود، لجأت إلى طلب المساعدة. تقول ”لا زلت أذكر بوضوح ما يسمى بالنصيحة التي أسداها لي المشرف حيث نظر إليّ مباشرة وقال مندفعاً “ عليك أن تمسكي الرجل من خصيتيه”، فهو بشكل أساسي كان يطلب مني أن أفعل أي شيء من أجل تحسين علاقتي مع الشخص حتى أستطيع الحصول منه على المعلومات التي أريدها“.
في عام 2018، أصبحت هاياشي واحدة من الأعضاء المؤسسين لشبكة WiMN بعد قضية بارزة للتحرش الجنسي في أبريل/ نيسان من ذلك العام تورطت فيها صحافية من تلفزيون أساهي ونائب وزير المالية. أفادت المجلة الأسبوعية Shūkan Shinchō أن نائب الوزير يستخدم لغة غير لائقة ويتقرب من الصحافية بشكل غير مرغوب فيه، بما في ذلك طلب معانقتها ولمس ثدييها، مما تسبب في فضيحة أدت في النهاية إلى إقالته من منصبه.
أحد جوانب الحادثة التي أثارت استياء هاياشي كان موقف أسو تارو وزير المالية ونائب رئيس الوزراء. توضح هاياشي قائلةً ”في اجتماع للجنة الشؤون المالية بمجلس المستشارين، قال أسو إنه بما أن نائب الوزير قد أعرب عن أسفه على ما بدر منه، فلا حاجة لاتخاذ إجراءات تأديبية جدية ويكفي توجيه تحذير له فقط لأن التحرش الجنسي ليس جريمة“. تقول هاياشي أنها لم تستطع تحمل فكرة أن ثاني أكبر شخصية في حكومة بلادها تنظر إلى التحرش الجنسي على أنه مجرد هفوة صغيرة لا تستحق إثارة ضجة كبيرة. في نهاية المطاف، نجح غضب الرأي العام في إجبار الوزارة على فتح تحقيق في الحادث، لكن هاياشي أدركت وجود نمط مألوف ”كان التحقيق نفسه مليئًا بالمشاكل، دون مراعاة لحقوق الصحفية، بالإضافة إلى مطالبة الوزارة لها بالكشف عن هويتها كجزء من التحقيق“.
لماذا لا تتكلم المزيد من الضحايا
تم تأسيس WiMN في 1 مايو/ أيار 2018، وتضم حاليًا أكثر من 100 عضو. تنظم المجموعة أنشطة مختلفة، بما في ذلك مسيرات للتشجيع على سن تشريع أقوى يمنع التحرش الجنسي واجتماعات منتظمة لمجموعة الدراسات. اختار معظم الأعضاء عدم الكشف عن أسمائهم خشية أن تكون مشاركتهم في المجموعة مصدراً للمشاكل لهم في شركاتهم أو مع المصادر والعملاء. كما يغير الكتاب أسماء معظم الذين أجريت معهم مقابلات. في كلمتها، لاحظت تامورا آيا، الصحافية في وكالة أنباء كيودو التي عملت في لجنة التحرير، أن العديد من النساء اللاتي تمت مقابلتهن عانين من العبء النفسي الناجم عن الحديث عن تجاربهن المريرة، وبعضهن انقطع عن المراسلات قبل اكتمال المشروع أو وجدن ببساطة أن الحديث عن الماضي مؤلم للغاية على الرغم من رغبتهن في المشاركة.
وكان رد الفعل مختلفًا لدى البعض الآخر. تقول هاياشي أن الكثيرين في المجموعة عبروا عن أسفهم لعدم التحدث قبل الآن. ”كان هناك شعور بين العديد من الصديقات اللاتي تحدثت إليهن أنهن إن كن بادرن إلى الحديث في وقت مبكر، فربما كان هذا سيساعد الصحفيات اللاتي جئن من بعدهن ويحول دون مرورهن بنفس المعاناة“. في الوقت نفسه، تشدد على أهمية عدم إلقاء اللوم على الضحية، قائلة إن أكثر رد فعل غير حساس يمكن القيام به تجاه امرأة تعرضت للتحرش الجنسي هو انتقادها لأنها بقيت صامتة أو التلميح إلى أن عدم حديثها عن هذا الأمر يقلل بطريقة أو بأخرى من ذنب المتحرش. وهي تصر على أن المشكلة تكمن في الطريقة التي يجعل بها المجتمع النساء اللواتي يجرؤن على التحدث يعانين من عواقب أفعالهن الشجاعة. تصف العديد من النساء في الكتاب كيف تم نقلهن داخل شركاتهن أو تعرضن للمضايقات من قبل رؤسائهن بعد أن تجرأن على الشكوى من تعرضهن للتحرش الجنسي. حتى من دون هذه المخاوف، فإن الحديث عن التحرش الجنسي هو عمل صعب للغاية ينطوي لا محالة على استرجاع ذكريات مؤلمة.
تقول هاياشي أن مخاطر التعرض للتحرش الجنسي مرتفعة بشكل خاص بالنسبة للصحافيات، حيث تقول: ”يمكن أن تكون النساء هدفاً لملاحظات وأفعال غير لائقة، ليس فقط من قبل زملائهن في المكتب، ولكن أيضًا من قبل الأشخاص الذين يتم إجراء مقابلات معهم من أجل الحصول على سبق صحفي، لذا نريد من شركات الإعلام أن تفعل المزيد من أجل الدفاع عن صحافييها ضد هذا النوع من المعاملة غير المقبولة. ما لم تتخذ هذه الشركات موقفًا حازمًا، فستستمر النساء في التحمل أثناء أداء وظائفهن، وفي بعض الحالات، يعانين من صدمة نفسية يمكن أن تستمر طوال العمر. غالبًا ما تتواصل معنا النساء العاملات في مجال الصحافة للتحدث عن المعاملة الفظيعة التي يتعرضن لها، حتى بعد الحادث الذي وقع في وزارة المالية، لا يوجد لدى العديد من الشركات نظام لدعم الضحايا أو للتعامل مع حالات التحرش“.
ترك العمل في أساهي
عملت هاياشي في أساهي لأكثر من 30 عامًا، كونت خلالها سجلاً حافلاً على مدار مسيرة مهنية شهدت انتقالها ذهابًا وإيابًا بين المكتب الرئيسي في طوكيو والمكاتب الإقليمية في جميع أنحاء البلاد، ومنذ حوالي عام 2000، بدأت في التركيز على مشاكل العمالة، بما في ذلك حالات الوفاة بسبب العمل الزائد والمشاكل التي تواجه العاملين بدوام جزئي، حتى أنها عملت كرئيسة تحرير إقليمية لبعض الوقت، على الرغم من أنها قالت إنها لم تكن مدفوعة برغبة في التقدم الوظيفي تحديداً وكانت سعيدة بالقيام بعمل تعتقد أنه جدير بالاهتمام. في عام 2014، عندما أصبحت كاتبة كبيرة في المكتب الرئيسي في طوكيو، وهو موقف يسمح لها من حيث المبدأ بالعمل على أي قصة تريدها، وجدت نفسها فجأة تصطدم بجدار.
بالكاد تم الإبلاغ عن هذه الفضائح في وسائل الإعلام الرئيسية، وتقول هاياشي أنه لم يكن من السهل جعل النساء يوافقن على إجراء مقابلات. وكان الكثير منهن يخشين الكشف عن هوياتهن إذا تحدثن إلى وسائل الإعلام. توسلت هاياشي لرئيس القسم الذي كان رجلاً في ذلك الوقت كي يسمح لها بكتابة مقال على الأقل لإخبار القراء بأن مجموعة الدعم قد تلقت مكالمات مما يصل إلى 100 ضحية، لكنه رفض اقتراحها على أساس أن القصة لن يكون لها أساس بدون إجراء مقابلات، وهو سبب لم تقتنع به هاياشي مطلقاً كامرأة، ولم تتمكن هاياشي من ترتيب اجتماعات مع الضحايا وكتابة مقالها إلا بعد مرور عام ونصف، وذلك بعد أن تم رفع دعوى قضائية وتمت إحالة القضية برمتها إلى المحكمة”، وتساءلت قائلة “لو تمكنا من النشر في وقت سابق، لربما استطعنا تحذير الناس بشأن ما يجري، وهذه الفكرة تلح عليّ باستمرار”.
كانت آخر مهمة لها في صحيفة أساهي عبارة عن سلسلة عن الكوارث الطبيعية والجنس، ففي إحدى مقالاتها، كتبت عن أنه في أعقاب الكوارث الطبيعية، كانت النساء العازبات أو الأرامل أهدافًا متكررة للعنف الجنسي في مراكز الإجلاء، وهي حقيقة مخيفة تقول هاياشي إنها اضطرت إلى القتال بضراوة من أجل حمل الصحيفة على نشرها، واليوم تواصل عملها كصحافية مستقلة بينما تسعى للحصول على درجة الدكتوراه، وقد استندت أطروحة الماجستير التي كتبتها العام الماضي إلى مقابلات أجرتها مع خمس نساء تعرضن للتحرش الجنسي.
هل تتغير وسائل الإعلام اليابانية؟
من بين دفعة الخريجين الجدد المكونة من 50 شخصاً الذين انضموا إلى صحيفة أساهي إلى جانب هاياشي، كانت هناك 8 نساء فقط، تبقى 3 منهن فقط يمارسن عملهن في الصحيفة حتى اليوم، على الرغم من أن النساء يشكلن الآن نسبة أعلى من بين الموظفين الجدد في مجال الصحافة، فقد تحسنت النسبة قليلا خلال أكثر من عقد. في 1 أبريل/ نيسان من هذا العام، أصدرت صحيفة أساهي إعلانًا للمساواة بين الجنسين، مدفوعةً ببحث أظهر أن اليابان كانت في المركز 121 من بين 153 دولة في تصنيف الفجوة العالمية بين الجنسين، وهو أدنى موقع لها على الإطلاق. في عام 2020، شكلت المرأة أخيرًا نسبة 50% من بين الموظفين الجدد الذين تم تعيينهم في مجال الصحافة في هذا العام، ووفقًا لمقال نُشر في صحيفة أساهي في اليوم التالي، فقد مثلت النساء نسبة 19.8% من جميع العاملين في الشركة اعتبارًا من سبتمبر/ أيلول 2019، لكن نصيبهن من المناصب الإدارية كان 12% فقط، ويهدف إعلان المساواة إلى مضاعفة نسبة النساء المعينات في المناصب الإدارية بحلول عام 2030. لكن استبيانًا في الكتاب (مبني على البيانات التي تم تحديثها في نهاية سبتمبر/ أيلول 2019) يوضح أن الصحف والوكالات الصحفية والمحطات التلفزيونية لا تزال تعاني من مشاكل كثيرة من نفس النوعية عندما يتعلق الأمر بتوظيف وترقية الموظفات.
(نُشر النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية، بناءً على مقابلة أجرتها إيتاكورا كيمي من nippon.com. صورة العنوان: هاياشي يوشيكو، صحفية مستقلة وعضو مؤسس في شبكة WiMN)