مقالات
الدكتورة / فاطمة عناقرة - الأردن
وبالمناسبة أنا لست متمردة ولا أحب ذلك, ولا ادعوا إلى التمرد, أو الخروج عن القوانين والأنظمة الاجتماعية, وإنما كل ما أريده وصف الواقع بدقة وصدق, ودون تنميق أو بهرجة أو زيف أو تزويق.
فالمجتمعات وعلى مر العصور نظرت إلى المرأة بنظرات مختلفة فمنهم من سلبها إرادتها, ومنهم من باعها واشترى بها, ومنهم من وأدها, ومنهم من اعتبرها رجس من عمل الشيطان, ومنهم من اعتبرها للمتعة فقط, إلى أن جاء الإسلام ودخلت المرأة في عصر ذهبي جديد, ومنحها الإسلام كامل حقوقها غير منقوصة وساوى بينها وبين الرجل في الحقوق والواجبات, وأتاح لها فرصة التفاعل الاجتماعي في الحياة العامة, والتعامل مع الظروف الحياتية بعدالة.
و لكن المرأة لم تقف مكتوفة الأدي, فناضلت كثيرا ولزمن طويل, لتنال حقوقها ومكتسباتها, واستطاعت أن تشارك الرجل في الحياة العامة وبمختلف جوانبها, وأن تحقق بعض المكاسب على مختلف الأصعدة, ومواكبة التطور العلمي والتكنولوجيا, والانفتاح الحضاري, وحصلت على أعلى الشهادات العلمية, وتبوأت بعض المواقع القيادية. ولا ننكر أننا غمرتنا الفرحة والسعادة عندما تقلدت المرأة مناصب سياسية ودبلوماسية وإدارية وعلى المستوى الرفيع, لما تمتلكه من قدرات وكفاءات عالية قد تضاهي كفاءة الرجل وأحيانا تتفوق عليه.
لكننا نتألم كثيرا عندما نشاهد ونعيش التناقضات على أرض الواقع بين ما حققته المرأة من بهرجة وتزويق أمام الرأي العام وبين الممارسة الفعلية لحقوقها الشخصية, فهي نظريا فرضت وجودها, وأثبتت جدارتها, وتحملت مسؤولية أكبر من طاقتها, حيث أنها في كثير من الأحيان تقوم بدورها وبدور الرجل معا, لكنها تتفاجىء عند ممارستها لحقوقها الشرعية والشخصية, تواجه معارضات وتصطدم بمعيقات كثيرة, وكأنها تعيش بمجتمع متناقض, يتحدث بشيء ويطبق شيئا أخر. فعلى سبيل المثال لا الحصر, معظم النساء يذهب ميراثهن أدراج الرياح, حيث تتنازل عنه للرجل إما بالتخجيل أو الإكراه, مع أنها قد تكون بحاجة ماسة لنصيبها والذي شرعه لها الله سبحانه وتعالى, وليس هبة أو منّة من أحد.
والأغرب من ذلك أنه في كثير من العائلات عندما تقدم الفتاة على اختيار شريك حياتها والذي يخص حياتها وحدها, وباعتقادي أنها هي الأقدر على تحديد من يناسبها ومن الذي ستسعد معه, وخاصة إذا كانت ناضجة وواعية ولديها القدرة على تحديد ماذا تريد, لكنها وللأسف تكتشف أنّها آخر من يسأل ويتخذ رأيه بعد أن يمر القرار ضمن برتوكولات عائلية ومراسيم أسرية ليصادق عليه جميع أفراد الأسرة وبعد أن يكون القرار قد اتخذ, تستشار الفتاة, وكأن الأمر يعني الآخرين أكثر منها, أو هم الأكثر خوفا على مستقبلها, والأكثر معرفة بمصلحتها. فأي عدل هذا وأي حرية وأي حق؟؟؟؟؟ أليس هذا من الظلم والإجحاف والاستخفاف في قدرات المرأة وعقلها وتفكيرها, لكي تبقى دائما تحت الوصاية, وليس لها رأي, أو سلطة اتخاذ القرار, وتأخذ دائما موقع نائب الفاعل أو المفعول به, ولم تجرأ على المواجهة, أو المجابهة وفعل الفعل, ولا يحق لها الدفاع عن حقوقها أو المطالبة بها, وإن فعلت ذلك تنعت بالخارجة عن القانون الاجتماعي, أو المتمردة على العادات والتقاليد.
ألا يضع هذا المرأة داخل أسوار مبهرجة ولامعة من الخارج وصدئة من الداخل, فكيف لها أن تتكيف مع كل هذه المتناقضات, وكيف بها أن تنهض, وينهض المجتمع معها وهي لا زالت أسيرة الأنماط الاجتماعية العصرية الحديثة في أطرها الخارجية النظرية, وتقليدية جاهلية بفلسفتها ونظمها الداخلية الواقعية مما أدى إلى إيقاع المرأة العصرية في حيص بيص, وسبب لها معضلة كبيرة في حياتها وشوه أمامها مظاهر الحياة وضيعيها بين حانا ومانا....