حاورها : محمد كريزم - بيروت - خاص بـ " وكالة أخبار المرأة "
اليوم " وكالة أخبار المرأة " تنشر الجزء الثاني من الحوار ونستعرض فيه ما إذا كانت حقول الأدب العربي تدعم المرأة ، أم تهمشها وتضعها في مرتبة أقل من الرجل.
* ما عوامل نجاح الإقلاع والانطلاق في فضاء الأدب لخدمة قضايا المرأة؟
ولو تيسّر للمرأة أن تكتب تاريخ الزّمان والأحداث وتولّت بنفسها صياغة التّاريخ، ولم يكن ذلك حكرًا على الرّجل وحده، لكنّا قرأنا تاريخًا مختلفًا عن فاعلات ومؤثّرات وصانعات للأحداث.
وقد دخلت إلى عالم اللّغة بوجهها المكتوب، وحين وجدت الرّجل قد احتلّ الموقع وأحكم سيطرته على المكان، راحت مي زيادة تفتح أبواب المكان بأن أقامت صالونًا كانت سيادته مؤنّثة. وتجدر الإشارة إلى أنّنا بدأنا نشهد بعض التّغيّرات في العصر الأندلسيّ، حيث كان لولّادة بنت المستكفي مجلسًا مشهورًا في قرطبة يؤمّه الأعيان والشّعراء ليتحدّثوا في شؤون الشّعر والأدب بعد زوال الخلافة الأمويّة.
والواقع، وراء ذلك معاناة مع الذّات والآخر، وعلى المرأة أن تؤسّس قيمة إبداعيّة للأنوثة، تكون عبر كتابة تحمل سماتها وتقدّمها في النّصّ اللّغويّ، لا على أنّها تابعة أو خاضعة للرّجل، وإنّما بوصفها قيمة إبداعيّة. ولو أخذنا من التّاريخ صورة شهرزاد، لأدركنا أنّها جاءت في ألف ليلة وليلة على أنّها امرأة تحكي وتقصّ، وهذا يتضمّن صورة التّحدّي والصّراع من أجل بقاء الذّات وبقاء الجنس جسديًّا ومعنويًّا.
كما تحتاج اللّغة إلى امرأة تناضل من أجل أنوثة النّصّ وأنوثة قلم الكاتبة، يحتاج الأدب إلى وعي ثقافيّ جماعيّ يقدّر المرأة ويحترمها. فالكتابة النّسويّة سوف تحقّق حرّيّتها وانطلاقها كلّما تيقّنت المرأة من قوّتها.
* إلى أيّ حدّ يبدو الأدب والفكر وممارسته القائمة اليوم في العالم لغة عالميّة، وما هي التّخوم التي تفصل بين ما هو عالميّ وما هو عربيّ؟
من هذا المنطلق، فإنّ الكاتب مدعوّ إلى متابعة هذه الصّيرورة وإلى معايشتها وتأريخها أدبيًّا وشعريًّا، فلا يمكن أن نصوّر إنتاجًا أدبيًّا ما، من دون أن يكون متّصلًا اتّصالًا وثيقًا بالمسألة الثّقافيّة، ومن دون أن يكون على ارتباط بالمجتمع. وبفعل العولمة، وتحويل العالم إلى قرية كونيّة صغيرة، ما عاد الأدب منعزلًا في بيئة أو مجتمع، بل بات منفتحًا على كلّ الآداب العالميّة. وقد أدّت التّرجمة دورًا بارزًا في عمليّة نقل الآداب.
غير أنّ الأسئلة التي تطرح: ما هي درجة حضور الأدب العربيّ في المشهد الثّقافيّ العالميّ؟ وما نسبة قراءة الكتب العربيّة، وخصوصًا الرّوايات، المترجمة إلى اللّغات العالميّة، وبشكل خاصّ الإنكليزيّة والفرنسيّة؟
وكما ذكرت سابقًا، ففي ظلّ العولمة والتّداخل الثّقافيّ بين أنحاء العالم المختلفة، والتّطوّر الهائل في وسائل الاتّصال بين المجتمعات والدّول، إنّنا نشاهد زحفًا حضاريًّا أدّى إلى ترقّي كلّ اللّغات والثّقافات إلى مستوى بالغ الأهمّيّة. فعمليّة المثاقفة لا تعني تبادلًا ثقافيًّا حرًّا، بل هي نتاج عمليّة إخضاع تفرض حوارًا بين الحضارات يعترف بوجود التّفاوت بين الآداب. وهذا يتطلّب خروجها من حدودها القوميّة.
ولا ننكر أنّ الأدب المكتوب بالعربيّة في حالة تطوّر وارتقاء، مقارنة بآداب أخرى في لغات أخرى كثيرة، لكن هناك عدم تنسيق بين الجماعات الثّقافيّة، فالنّاشر لا يحرّك ساكنًا، وليس ثمّة سعي وراء النّشر أو المشاركة من فعاليّات عالميّة. وليس ثمّة مبادرات سوى من عدد قليل من المؤسّسات مثل مركز التّرجمة التّابع للجامعة الأميركيّة، وهو يهتمّ بعناوين بعينها.
وتظلّ العمليّة الإبداعيّة عمليّة تأسيسيّة تنطلق من الواقع، مهما كان نوعه، باعتباره مرجعيّة أساسيّة ومنطلقًا بديهيًّا، كما تستمرّ في نسج شبكاتها في الآفاق التي يستشرفها المبدع باعتباره النّاطق باسم الوعي الجماهيريّ في المجتمع الذي ينتمي إليه، وباعتباره حاملًا لرؤية أو رؤى، ومستندًا إلى مرجعيّة ثقافيّة ومخزون فكريّ. فالأديب، وكلّ آثاره وأعماله، ثمرة قوانين حتميّة عملت من القديم، وتعمل في الحاضر، وتظلّ تعمل في المستقبل. وعلى عاتقه تقع الكثير من المسؤوليّات، لأنّ الأدب انفتاح وليس انغلاقًا.
* كثيرًا ما نجد الشّعر العربيّ إمّا شعرًا غنائيًّا أو قصصيًّا قلّما نجد الشّعر المسرحيّ فلماذا؟
ويستطيع الكاتب من خلاله أن يوصل أفكاره ومغزى قصّته للنّاس من خلال أفعال شخصيّات المسرحيّة وتحرّكاتها على مرأى الجمهور.
إنّ الشّعر المسرحيّ يرتبط بالعالم الغربيّ ارتباطًا وثيقًا وقديمًا، على سبيل المثال مسرحيّة "السّيد" لكورناي و"أندروماك" لراسين و"هارناني" لفكتور هوغو. وقد ظهر هذا الشعر في العالم العربيّ عام 1847. ويُعَدّ مارون نقّاش رائد هذا الفنّ في مسرحيّته "البخيل" ثمّ "أبو الحسن المغفّل أو هارون الرّشيد" وآخرها "السّليط الحسود"، وقد غلب الشّعر في هذه المسرحيّات، أو الرّوايات كما كانت تدعى. وبعده ظهرت أسماء عديدة أبرزها أمير الشّعراء أحمد شوقي الذي تأثّر بالأدب الفرنسيّ، ومن أشهر مسرحيّاته "مجنون ليلى، عنترة، مصرع كليوبترا"... كما طال الشّعر الزّجليّ المسرح، على سبيل المثال مسرحيّة "المرأة الهائلة" للشّاعر يوسف كريم غنيمه، و"هند وجميل" للشّاعر خليل روكز، وسواهما.
لا يمكننا أن نُنكر أنّ الكثير من الشّعراء قد أخذوا على عاتقهم القضايا الوطنيّة والاجتماعيّة، وصارت القصيدة معهم لسان المجتمع، وحاول بعضهم الآخر فتح القصيدة على تقنيّة المسرح، لكنّ هذه اللّفتة ما تزال خجولة.
الواقع أنّ توجّه الشّاعر إلى الغنائيّة أو القصّة في الكتابة، يعود إلى أنّ القصيدة باتت خيارًا في يد الشّاعر، وصار المضمون هو الذي يحتّم اختيار الشّكل. فالشّعر الحديث أنزل القصيدة الحديثة من سماء الحنين الرّومنسيّ إلى أرض الحفاة والعراة والجائعين، من البلاغة إلى الاعتياديّة، من التّركيب المعقّد إلى البساطة، من اللّغة المجرّدة إلى اللّغة اليوميّة. فما عادت المضامين خياليّة أو رومنطيقيّة، وليست روائيّة، بل إنّ النّوع الأدبيّ الذي يحكم القصائد الجديدة بات خليطًا من قصص حُبِكَت بعضها ببعض بشكل سرديّ حكائيّ يوظّف فيه الشّاعر شخصيّاته، وينوّع في قصصه، كما بتنا نلاحظ وجود هويّة مزدوجة للأنا بين الشّاعر والمتكلّم ضمن أطياف تعبر التّلفّظ أو تتملّكه في علاقات شديدة الالتباس، حيث أُنزلت الأنا من مكانة العنجهيّة إلى مستوى الشّوارع والتّسكّع.
* ما تفسيرك لاختفاء الأديبات والشّاعرات في سنّ متقدّمة من العمر؟
في الواقع، ما تزال النّظرة إلى المرأة بأنّها تخرج من ضلع الرّجل، من دون أن تكون مشاركة له في صنع الكون والبشر. وما لا يمكننا نكرانه أنّ الرّجال يخافون من ضياع السّلطة من بين أيديهم من خلال النّساء، ويصرّون على التّحكّم في مسار الحياة العامّة. بالتّالي، وإن حصلت المرأة على حقّ التّصويت والانتخاب، فإن المؤسّسات الدّينيّة تعرقل مسيرتها، ما يجعل خروجها عن القيود الاجتماعيّة، وتعبيرها عمّا يجيش في داخلها، مَنوطًا بشعور الخوف الذي يتحكّم بها.
صحيح أنّ المرأة العصريّة غيّرت هذه الصّورة النّمطيّة التي تتحكّم في المجتمع، إذ تستطيع أن تحدّد حياتها بنفسها من دون أن تفقد أنوثتها، إلّا أنّ هذا الأمر يظهر بنسب متفاوتة حسب المجتمعات. والأديبات والشّاعرات، وإن استمرّت كتاباتهنّ فترة معيّنة من الزّمن، إلّا أنّ هذه الرّغبة سرعان ما تزول وتتلاشى كتلاشي خيوط الشّمس في الأفق لأنّ المجتمع لا يفيها حقّها.
* هل حقول الأدب العربيّ عمومًا تدعم حقوق المرأة؟
وتجدر الإشارة إلى أنّ مصطلح المكاتبة يتضمّن التّحذير من تعلّم المرأة الكتابة. بالتّالي القلم مذكّر لا من حيث الصّيغة اللّغويّة فحسب، وإنّما من حيث الصّنعة الثّقافيّة والوظيفة الحضاريّة.
في الواقع، يعتبر الأدب النّسائيّ عربيًّا ظاهرة حديثة، بانت ملامحها خلال القرن العشرين، ويعدّ من بين المصطلحات الإشكاليّة المثيرة للجدل. فمجموعة من الكاتبات يرفضن توصيف إبداعاتهنّ في الشّعر والسّرد بالأدب النّسويّ، معتقدات بأنّه ينطوي على محاولة لتحجيم حضورهنّ الإبداعيّ على السّاحة الأدبيّة.
والواقع أنّ هذه النّظرة لم تتغيّر إلّا مع اشتداد الدّعوة الإصلاحيّة منذ أوائل القرن العشرين لتحرير المرأة، وقد شكّل الأدب النّسائيّ إضافة نوعيّة مهمّة للإنسانيّة كافّة، إذ أضفى نوعًا من التّوازن في الرّؤية إلى العالم. والأدب بشكل عامّ، والعربيّ منه بشكل خاصّ، لم يقمع المرأة، وإن بقيت إطلالتها خجولة عبر العصور. والصّور التي ظهرت فيها المرأة هي صورة الأمّ طبعًا، التي طالما يناديها الشّاعر العربيّ في قهوتها، أو في هزّات سريرها، أو في حنوّها على الفتى، من دون أن تصبح: أمّه هو، والمتّصلة بدمه هو.
ومن الصّور أيضًا، صورة المرأة – الرّمز التي تحتلّ أجمل الصّور والقيم (الأرض – الخصب – التّجدّد). وفي قصائد الحبّ ما تزال المرأة صورة تعكس تمثّلات الوعي الذّكوريّ. ونتحقق منها في صورة شهرزاد، التي سرت في أدبيّات أوروبيّة وإنكليزيّة وفرنسيّة، ثمّ في الأدبيّات العربيّة، والتي تفيد أنّ شهرزاد في "ألف ليلة وليلة" بطلة "نسويّة" عربيّة، وهي تأكيدات ترى إلى المرأة في دهائها.
* كلمة أخيرة للمرأة العربيّة عبر فضاء "وكالة أخبار المرأة".
وما أودّ أن أقوله إلى المرأة إنّ الرّجل، وإن كان حقًّا واضع اللّغة الوحيد، فهو لم ينشئ اللّغة ضدّ المرأة. والعربيّة ليست مذكّرة، وإن كان بعض تكويناتها يحتاج إلى تبيّن ومساءلة، بدليل أنّها خصّت المرأة بأدوات خاصّة بالرّجل وأخرى بالنّساء.