الحركة النسوية والفاعلية الشاملة

فتحي الشرماني - اليمن في مقالة سابقة عنوانها (المرأة والثقافة الذكورية) تحدثتُ عن ممارسات أنثوية كلامية أو فعلية ليس فيها إلا الإعاقة والتثبيط للجهد النسوي الذي يبحث عن الحقيقة المدفونة تحت رواسب الثقافة، وما يقع في جوهر هذه الحقيقة من قيم عليا ينبغي أن تسود فكراً وسلوكاً لكي تمنح المرأة منزلتها الحضارية الصحيحة. لكن بعض قرائي الأعزاء وخصوصاً قارئاتي العزيزات رأوا في إشارتي إلى أن المرأة قد تخطئ طريقها الحقوقي وتقع في حبائل الثقافة الذكورية فتصبح هي من يكرس المنطق الذكوري إلى جانب الرجل.. رأوا في هذا موقفاً ضد المرأة، ربما زعموا أن وراءه عقيدة ذكورية إقصائية،مع أن في هذا الزعم فهماً معاكساً تماماً لما أؤمن به.. إن كل ما أسعى إلى تأكيده في تناولاتي لقضية المرأة وحركتها المعاصرة أن المرأة وقيم العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق تواجه ترسانة ذكورية ضخمة كونتها الثقافة العربية عبر سنين طويلة، وهذه الترسانة لاتزال وستزال محروسة بقوانين عرفية وسعي ذكوري محموم للحفاظ على هذا الواقع، والذي زاد الأمر صعوبة والواقع قتامةً أن الخطاب الحداثي المعاصر ثقافياً كان أو سياسياً أو اجتماعياً أو أدبياً جاء على أنه الأمل في التغيير والانتصار لقضية المساواة، ولكن تبين أن التنظير يخالف التطبيق، ذلك أن الخطاب الحداثي لايزال يتحرك عملياً بوحي من تلك الثقافة الإلغائية، إذ إن المثقف العربي لا يرى غير نفسه وإن زعم وأكد أنه (حقوقي)، وهذه الحقيقة لست أنا من اكتشفها، بل هو الناقد العربي الكبير الدكتور عبدالله الغذامي المعروف بدراساته النوعية عن الحداثة والخطاب النسوي.  من هنا يتضح ضرورة أن تعي المرأة أن الواقع ملغوم، وأن السير يحتاج إلى حذر شديد حتى تسلم من هجمات إقصائية جديدة قد تقوم بها الثقافة الذكورية، وأعني بذلك أن المرأة لابد أن تتبنى خطاباً إقناعياً وحجاجياً يستند إلى الحقائق والبراهين حتى تصل إلى تغيير القناعات وإلزام الثقافة بإعادة النظر في كثير من المسلمات والقوانين العرفية، ولا ينفع في هذا الجانب أن تلجأ المرأة إلى خطاب متخم بالعُقد النفسية التي تجعل الكراهية هي اللغة الطاغية فتُحدث في المجتمع شرخاً يُغرق كل من على السفينة. أما على مستوى التطبيق فإن الفعل النسوي لابد أن يكون متوازناً ومدروساً بحيث لا يثير حفيظة الثقافة الراسخة فتدفع جنودها (الذكور) إلى شن غارات إقصائية ضد المرأة.. ومثلما أن على الفعل النسوي أن يواجه العنف ضد المرأة وسياسة التمييز ضدها فإن عليها كذلك أن تكون بنفس الفاعلية لخلق الوفاق المجتمعي داخل الأسرة، إذ لاينفع أن تظل الحركة النسوية بمعزل عن الهيمنة غير الطبيعية لبعض النساء ضد أزواجهن أو افتعال البعض منهن لمظاهر الشقاق والتناحر .. ويقول الواقع إن المستوى التعليمي إذا كان عالياً عند المرأة ومنخفضاً عند زوجها فإن فرص الاستعلاء تتوافر، وهذه مشكلة اجتماعية ينتج عنها انتشار ظاهرة الطلاق في صفوف النساء المتعلمات.  إن كاتب هذه السطور مؤمن أشد الإيمان بقضية المرأة المعاصرة؛ لأن التطور المنشود لا يمكن أن يتحقق إلا بوجود المرأة مشاركةً وقائدةً وموجهةً في ضوء مبدأ العدالة الاجتماعية الذي يضمن للمرأة أن تحصل على كامل حقوقها. لكنني أؤمن أيضاً بأن المسار الصحيح يكون بوجود الاتزان والفاعلية النسوية المتواجدة في مختلف مؤسسات المجتمع، بدءاً من الأسرة ثم مؤسسة المدرسة ثم المؤسسات الخدمية وانتهاءً بمؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية والمراكز السياسية، وهي فكرة لصيقة بآرائي التي أنشرها في صفحات (الجمهورية)، وبمقدور من يعتب عليَّ اليوم أن يعود إلى الأرشيف الإلكتروني لهذه الصحيفة المذكورة ليرى أن مقالاتي قبل أربع سنين تأخذ على عاتقها قضية المرأة وتنتصر للعدالة الاجتماعية مع إظهار الحرص على أن تتمسك المرأة بمبدأ الفاعلية متعددة الجوانب لتحرز التقدم المنشود.

فتحي الشرماني - اليمن

في مقالة سابقة عنوانها (المرأة والثقافة الذكورية) تحدثتُ عن ممارسات أنثوية كلامية أو فعلية ليس فيها إلا الإعاقة والتثبيط للجهد النسوي الذي يبحث عن الحقيقة المدفونة تحت رواسب الثقافة، وما يقع في جوهر هذه الحقيقة من قيم عليا ينبغي أن تسود فكراً وسلوكاً لكي تمنح المرأة منزلتها الحضارية الصحيحة.

لكن بعض قرائي الأعزاء وخصوصاً قارئاتي العزيزات رأوا في إشارتي إلى أن المرأة قد تخطئ طريقها الحقوقي وتقع في حبائل الثقافة الذكورية فتصبح هي من يكرس المنطق الذكوري إلى جانب الرجل.. رأوا في هذا موقفاً ضد المرأة، ربما زعموا أن وراءه عقيدة ذكورية إقصائية،مع أن في هذا الزعم فهماً معاكساً تماماً لما أؤمن به.. إن كل ما أسعى إلى تأكيده في تناولاتي لقضية المرأة وحركتها المعاصرة أن المرأة وقيم العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق تواجه ترسانة ذكورية ضخمة كونتها الثقافة العربية عبر سنين طويلة، وهذه الترسانة لاتزال وستزال محروسة بقوانين عرفية وسعي ذكوري محموم للحفاظ على هذا الواقع، والذي زاد الأمر صعوبة والواقع قتامةً أن الخطاب الحداثي المعاصر ثقافياً كان أو سياسياً أو اجتماعياً أو أدبياً جاء على أنه الأمل في التغيير والانتصار لقضية المساواة، ولكن تبين أن التنظير يخالف التطبيق، ذلك أن الخطاب الحداثي لايزال يتحرك عملياً بوحي من تلك الثقافة الإلغائية، إذ إن المثقف العربي لا يرى غير نفسه وإن زعم وأكد أنه (حقوقي)، وهذه الحقيقة لست أنا من اكتشفها، بل هو الناقد العربي الكبير الدكتور عبدالله الغذامي المعروف بدراساته النوعية عن الحداثة والخطاب النسوي.

من هنا يتضح ضرورة أن تعي المرأة أن الواقع ملغوم، وأن السير يحتاج إلى حذر شديد حتى تسلم من هجمات إقصائية جديدة قد تقوم بها الثقافة الذكورية، وأعني بذلك أن المرأة لابد أن تتبنى خطاباً إقناعياً وحجاجياً يستند إلى الحقائق والبراهين حتى تصل إلى تغيير القناعات وإلزام الثقافة بإعادة النظر في كثير من المسلمات والقوانين العرفية، ولا ينفع في هذا الجانب أن تلجأ المرأة إلى خطاب متخم بالعُقد النفسية التي تجعل الكراهية هي اللغة الطاغية فتُحدث في المجتمع شرخاً يُغرق كل من على السفينة.

أما على مستوى التطبيق فإن الفعل النسوي لابد أن يكون متوازناً ومدروساً بحيث لا يثير حفيظة الثقافة الراسخة فتدفع جنودها (الذكور) إلى شن غارات إقصائية ضد المرأة.. ومثلما أن على الفعل النسوي أن يواجه العنف ضد المرأة وسياسة التمييز ضدها فإن عليها كذلك أن تكون بنفس الفاعلية لخلق الوفاق المجتمعي داخل الأسرة، إذ لاينفع أن تظل الحركة النسوية بمعزل عن الهيمنة غير الطبيعية لبعض النساء ضد أزواجهن أو افتعال البعض منهن لمظاهر الشقاق والتناحر .. ويقول الواقع إن المستوى التعليمي إذا كان عالياً عند المرأة ومنخفضاً عند زوجها فإن فرص الاستعلاء تتوافر، وهذه مشكلة اجتماعية ينتج عنها انتشار ظاهرة الطلاق في صفوف النساء المتعلمات.

إن كاتب هذه السطور مؤمن أشد الإيمان بقضية المرأة المعاصرة؛ لأن التطور المنشود لا يمكن أن يتحقق إلا بوجود المرأة مشاركةً وقائدةً وموجهةً في ضوء مبدأ العدالة الاجتماعية الذي يضمن للمرأة أن تحصل على كامل حقوقها.

لكنني أؤمن أيضاً بأن المسار الصحيح يكون بوجود الاتزان والفاعلية النسوية المتواجدة في مختلف مؤسسات المجتمع، بدءاً من الأسرة ثم مؤسسة المدرسة ثم المؤسسات الخدمية وانتهاءً بمؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية والمراكز السياسية، وهي فكرة لصيقة بآرائي التي أنشرها في صفحات (الجمهورية)، وبمقدور من يعتب عليَّ اليوم أن يعود إلى الأرشيف الإلكتروني لهذه الصحيفة المذكورة ليرى أن مقالاتي قبل أربع سنين تأخذ على عاتقها قضية المرأة وتنتصر للعدالة الاجتماعية مع إظهار الحرص على أن تتمسك المرأة بمبدأ الفاعلية متعددة الجوانب لتحرز التقدم المنشود.

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-