أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

الحركة النّسويّة: من الفلسفة إلى الطرب

عائشة عبدالله تريم - دبي  عندما وقع الاختيار على وزيرة المال الفرنسيّة “كريستين لاغارد” لتكون مديرة إدارة صندوق النّقد الدّوليّ، أجمعت الوسائل الإعلاميّة على القول “المرأة الأولى الّتي ترئس صندوق النّقد الدّولي”؛ وقد كان عليها في المقابلات العديدة الّتي أجريت معها عقب تسلّمها عملها، أن تجيب عن أسئلة تدور حول حياتها الزّوجيّة أكثر من تلك الأسئلة عن منصبها وما تنوي تحقيقه من خلال سلطتها الجديدة . وقد وصفتها إحدى المقالات “بالمطلّقة ذات الولدين”، وهو وصف لم أقرأ مثله بعد عن رجل في أيّ منصب حتّى الآن! وقد ردّت على سؤال عن جنسها كمديرة لصندوق النّقد الدّوليّ بقولها “أقول بأمانة إنّه يجب ألاّ يجتمع الكثير من أصحاب التيستيرون” (هرمون الذّكورة) “في مكان واحد”! فكيف يفترض في امرأة تتحدّر من بلاد الجمهوريّين أن تجيب؟  إنّ مواقف كهذه تذكّرنا بما تسمح لنا الحركة النّسويّة أن ننساه . فمازالت النّساء رغم وصولهن إلى أرقى المناصب مسكونات بأفكار تخضع قدراتهنّ للتّساؤل . لقد كانت حقوق المرأة للحظة من الزمن مطلباً مهمّاً، وكان الكفاح من أجلها أيضاً مهمًّاً، أمّا الحصول عليها فقد كان واجباً، ولكنّ تلك اللّحظة قد تبخّرت وتراجع إيقاع أهميتها، وحجبت الأولويّات غشاوة، وصار لكلمة “النّسويّة” أوجه عدّة وضلّت طريقها في عالم مزدحم بالحركات النّاشطة .  لقد صارت كلمة “النّسويّة” مرادفة لفكرة كراهيّة الرّجل، مع أنّها في الواقع ذات علاقة بالمرأة أكثر بكثير من علاقتها بالرّجل . لقد كانت الفكرة تعبرعن المساواة بما حقّق الرّجل من منجزات، وليس بالاستهانة بدور الرّجل . وقد أدّى هذا المفهوم الخطأ إلى موت العالم، ولم تعد أيّ امرأة راغبة في أن تُنسب إلى الحركة النّسويّة مخافة أن تتُّهم بمعاداة الرّجال!  وعندما سئلت مغنّية البوب الأمريكيّة بيونسيه نولز ما إذا كانت من أنصار الحركة النّسويّة أجابت “لا أرى أنّ المرأة في حاجة أن تفصح عن نفسها” وليس عجباً أن يأتي هذا الرد من مغنّية قدّمت إلى جمهورها قائمة طويلة من أناشيد تتحدث عن فتيات على رأس السّلطة مثل: “النّساء المستقلاّت”، “الخالدة”، “لو كنت ولداً”، “نساء عازبات”، و”قُدنَ العالم” . وهي متطوّعة وداعمة لمنظّمة “كير” الّتي تعمل على دعم النّساء حول العالم، وهذا ما يجعل خوفها من أن تنسب إلى الحركة النّسائيّة أكثر إرباكاً .  وإذا ما كان هناك من سبب لاختفاء هذه التّسمية من قاموس مفرداتنا، فيجب ألاّ يكون المضمون السّلبيّ، وإنّما لأنّه يجب ألاّ تتصدّى للأمر ثلّة من نساء يؤمنّ بحقوقهنّ . فكلّ امرأة، بل كلّ رجل، يجب أن ينتسب للحركة النّسويّة وعندها، فقط سيصبح العالم عالماً مطلقاً . لقد ناضلت النّساء عبر التّاريخ من أجل حقّ إثر حقّ، حقّهنّ في التّعليم، وحقّهنّ في أن ينظر بموضوع المساواة بينهن وبين الرجال بعيون القانون البصيرة . لقد ناضلن كي يعي العالم أنّ قضيّتهنّ قضيّة عالميّة، وأنّها ذات تأثير في نصف سكّان المعمورة!  إنّ المفكّرات من النّساء، والعاملات في الفلسفة، والنّاشطات من مثل: صفية زغلول، نبوية موسى، عائشة عبدالرحمن (بنت الشاطئ)، والغربيات مثل: سيمون دي بوفوار، سيلفيا بلاث و فيرجينيا وولف، كتبن باستفاضة في موضوع حقوق المرأة معتقدات أنّ المرأة وحدها يمكن بحقّ أن تجسّد نضالها من أجل جنسها . ويتناقص الآن عدد النّساء اللّواتي يعتنقن فكرة أنّهنّ حصلن على المساواة وأنّهن لم يعدن في حاجة إلى الحركة النّسويّة . نعم، قد تكون المساواة قد تحقّقت في بعض جهات العالم، بينما بقيت مناطق كثيرة أخرى في العالم، تعرّض النّساء والشّابّات الصّغيرات لكلّ أنواع العنف والظّلم لا لسبب غير جنسهنّ! ومن المفارقات ألا يخفى علينا نبأ تحطّم سقف زجاجيّ في بقعة من بقاع الأرض، بينما لا يصلنا نبأ حرمان فتاة من التّعلم وإجبارها على الزّواج في بقعة أخرى! اختلال في الموازين لا يمكن أن يستمرّ في مجتمع اليوم .  لقد صار للحركة النّسويّة اليوم دور آخر، فقد كيّفت نفسها وصارت أكثر قبولاً وأقّل جدّيّة . كما أصبح من الأيسر أن نهضم قضية ما تقدّم مصحوبة بشريط تسجيل مرئيّ مع نغمات موسيقية خاصة، من أن نصغي إلى محاضرة لأحد العلماء . وهذا ما يحصل في عالمنا اليوم! وإلى أن تتحقّق حقوق المرأة اليوم، لا بد أن يعاد تقديم فكرة الحركة النّسويّة بسلاسة . وإذا أردنا أن نتناول حقوق المرأة، فإنّ علينا أن نغيّر اسم الحركة النّسويّة، وإذا كان لجيل اليوم أن ينتج من جديد فليكن! ولكن علينا ألاّ نقللّ من شأن نضال النّساء المتفوّقات اللّواتي ناضلن من أجل حقوقنا . وإنّ أسماء مثل: غلوريا شتاينم وهدى شعراوي يجب ألاّ ننساها، لأنّنا لولاها لما عرفنا اليوم مغنية مثل بيونسيه.

عائشة عبدالله تريم - دبي 

عندما وقع الاختيار على وزيرة المال الفرنسيّة “كريستين لاغارد” لتكون مديرة إدارة صندوق النّقد الدّوليّ، أجمعت الوسائل الإعلاميّة على القول “المرأة الأولى الّتي ترئس صندوق النّقد الدّولي”؛ وقد كان عليها في المقابلات العديدة الّتي أجريت معها عقب تسلّمها عملها، أن تجيب عن أسئلة تدور حول حياتها الزّوجيّة أكثر من تلك الأسئلة عن منصبها وما تنوي تحقيقه من خلال سلطتها الجديدة . وقد وصفتها إحدى المقالات “بالمطلّقة ذات الولدين”، وهو وصف لم أقرأ مثله بعد عن رجل في أيّ منصب حتّى الآن! وقد ردّت على سؤال عن جنسها كمديرة لصندوق النّقد الدّوليّ بقولها “أقول بأمانة إنّه يجب ألاّ يجتمع الكثير من أصحاب التيستيرون” (هرمون الذّكورة) “في مكان واحد”! فكيف يفترض في امرأة تتحدّر من بلاد الجمهوريّين أن تجيب؟

إنّ مواقف كهذه تذكّرنا بما تسمح لنا الحركة النّسويّة أن ننساه . فمازالت النّساء رغم وصولهن إلى أرقى المناصب مسكونات بأفكار تخضع قدراتهنّ للتّساؤل . لقد كانت حقوق المرأة للحظة من الزمن مطلباً مهمّاً، وكان الكفاح من أجلها أيضاً مهمًّاً، أمّا الحصول عليها فقد كان واجباً، ولكنّ تلك اللّحظة قد تبخّرت وتراجع إيقاع أهميتها، وحجبت الأولويّات غشاوة، وصار لكلمة “النّسويّة” أوجه عدّة وضلّت طريقها في عالم مزدحم بالحركات النّاشطة .

لقد صارت كلمة “النّسويّة” مرادفة لفكرة كراهيّة الرّجل، مع أنّها في الواقع ذات علاقة بالمرأة أكثر بكثير من علاقتها بالرّجل . لقد كانت الفكرة تعبرعن المساواة بما حقّق الرّجل من منجزات، وليس بالاستهانة بدور الرّجل . وقد أدّى هذا المفهوم الخطأ إلى موت العالم، ولم تعد أيّ امرأة راغبة في أن تُنسب إلى الحركة النّسويّة مخافة أن تتُّهم بمعاداة الرّجال!

وعندما سئلت مغنّية البوب الأمريكيّة بيونسيه نولز ما إذا كانت من أنصار الحركة النّسويّة أجابت “لا أرى أنّ المرأة في حاجة أن تفصح عن نفسها” وليس عجباً أن يأتي هذا الرد من مغنّية قدّمت إلى جمهورها قائمة طويلة من أناشيد تتحدث عن فتيات على رأس السّلطة مثل: “النّساء المستقلاّت”، “الخالدة”، “لو كنت ولداً”، “نساء عازبات”، و”قُدنَ العالم” . وهي متطوّعة وداعمة لمنظّمة “كير” الّتي تعمل على دعم النّساء حول العالم، وهذا ما يجعل خوفها من أن تنسب إلى الحركة النّسائيّة أكثر إرباكاً .

وإذا ما كان هناك من سبب لاختفاء هذه التّسمية من قاموس مفرداتنا، فيجب ألاّ يكون المضمون السّلبيّ، وإنّما لأنّه يجب ألاّ تتصدّى للأمر ثلّة من نساء يؤمنّ بحقوقهنّ . فكلّ امرأة، بل كلّ رجل، يجب أن ينتسب للحركة النّسويّة وعندها، فقط سيصبح العالم عالماً مطلقاً .

لقد ناضلت النّساء عبر التّاريخ من أجل حقّ إثر حقّ، حقّهنّ في التّعليم، وحقّهنّ في أن ينظر بموضوع المساواة بينهن وبين الرجال بعيون القانون البصيرة . لقد ناضلن كي يعي العالم أنّ قضيّتهنّ قضيّة عالميّة، وأنّها ذات تأثير في نصف سكّان المعمورة!

إنّ المفكّرات من النّساء، والعاملات في الفلسفة، والنّاشطات من مثل: صفية زغلول، نبوية موسى، عائشة عبدالرحمن (بنت الشاطئ)، والغربيات مثل: سيمون دي بوفوار، سيلفيا بلاث و فيرجينيا وولف، كتبن باستفاضة في موضوع حقوق المرأة معتقدات أنّ المرأة وحدها يمكن بحقّ أن تجسّد نضالها من أجل جنسها . ويتناقص الآن عدد النّساء اللّواتي يعتنقن فكرة أنّهنّ حصلن على المساواة وأنّهن لم يعدن في حاجة إلى الحركة النّسويّة .

نعم، قد تكون المساواة قد تحقّقت في بعض جهات العالم، بينما بقيت مناطق كثيرة أخرى في العالم، تعرّض النّساء والشّابّات الصّغيرات لكلّ أنواع العنف والظّلم لا لسبب غير جنسهنّ! ومن المفارقات ألا يخفى علينا نبأ تحطّم سقف زجاجيّ في بقعة من بقاع الأرض، بينما لا يصلنا نبأ حرمان فتاة من التّعلم وإجبارها على الزّواج في بقعة أخرى! اختلال في الموازين لا يمكن أن يستمرّ في مجتمع اليوم .

لقد صار للحركة النّسويّة اليوم دور آخر، فقد كيّفت نفسها وصارت أكثر قبولاً وأقّل جدّيّة . كما أصبح من الأيسر أن نهضم قضية ما تقدّم مصحوبة بشريط تسجيل مرئيّ مع نغمات موسيقية خاصة، من أن نصغي إلى محاضرة لأحد العلماء . وهذا ما يحصل في عالمنا اليوم!

وإلى أن تتحقّق حقوق المرأة اليوم، لا بد أن يعاد تقديم فكرة الحركة النّسويّة بسلاسة . وإذا أردنا أن نتناول حقوق المرأة، فإنّ علينا أن نغيّر اسم الحركة النّسويّة، وإذا كان لجيل اليوم أن ينتج من جديد فليكن! ولكن علينا ألاّ نقللّ من شأن نضال النّساء المتفوّقات اللّواتي ناضلن من أجل حقوقنا . وإنّ أسماء مثل: غلوريا شتاينم وهدى شعراوي يجب ألاّ ننساها، لأنّنا لولاها لما عرفنا اليوم مغنية مثل بيونسيه.


تعليقات