مكارم إبراهيم - العراق
يختلف مفهوم التحرر عند المراة باختلاف عوامل كثيرة متداخلة مع بعضها. مثل العوامل الجغرافية أي الاقليم الجغرافي الذي تعيش فيه المرأة والعوامل السياسية كالقوانين ونوعية السلطة الحاكمة ونوعية النظام السياسي ونوعية الديمقراطية اذا كانت موجودة وحقيقية وبالاخص حرية التعبيرونوعية الاعلام ومن يمتلك وسائل الاعلام الاثرياء الفاسدون والسلطة ام افراد مستقلون . وكذلك عامل القضاء ان كان مستقل عن السلطة ام القضاء مرتبط بالسلطة . وهل الدولة علمانية ام دينية هل المجتمع مدني يعتمد على مؤسسات مدنية مستقلة عن السلطة الحاكمة.كذلك يعتمد مفهوم التحرر لدى المرأة بالبنية الاجتماعية لتلك الدولة وطبيعة العلاقات الاجتماعية وسلوك الافراد والاعراف والتقاليد والوعي والفكر السائد وكذلك يرتبط بالعوامل الاقتصادية والمادية وعلاقات الانتاج في تلك الدولة وبنوعية التربية الاسرية التي تربت عليها المراة في اسرتها وايضا بالعوامل الدينية في المجتمعات الدينية وبالعوامل الفكرية كالتحصيل العلمي ونوعية الدراسة التي حصلت عليها المراة . ويرتبط مفهوم التحرر بشخصية المراة ايضا.
ولاننسى ايضا العوامل المناخية والتضاريس الجغرافية وربما يسأل احدهم وماعلاقة المناخ بمفهوم التحرر لدى المراة . نعم الطقس والتضاريس الجغرافية له علاقة في تحديد نوعية الحياة وسلوكية الافراد ونوعية الملابس التي يرتديها الافراد كالمناطق الجبلية,السهلية, الصحراوية, والمناطق المطلة على البحر, المناطق المتجمدة القطبية.
بمعنى أدق أن لكل امراة مفهومها الخاص للتحرر تختلف فيه حتى عن اختها في نفس الاسرة وذلك باختلاف الخلفية الفكرية التعليمية وحتى الاقتصادية بينهن. وهذا يعني انه ستكون هناك اختلافات كثيرة في سلوكية النساء وطبيعة المبادئ التي تؤمن بها كل منهن على حدة. ولهذا يمكن القول بان مفهوم التحرر لكل امراة لايمكن تجريده من سياقه العام وخلفيته المعقدة وهذا بالتالي يفرض علينا احترام هذه الاختلافات في السلوك والمبادئ مهما تناقضات مع مانؤمن به نحن الاخريات.
فمفهوم التحرر لدى المراة الدنماركية إختلف بابعاده وحيثياته من فترة زمنية الى اخرى وذلك باختلاف تلك العوامل. فمثلا طالبت المراة الدنماركية في عام 1850 حقها في الحصول على الدراسة وهذا كان بالنسبة لها قمة التحرر. ثم في عام 1887طالبت المراة الدنماركية المساواة الكاملة مع الرجل ومنها حق التصويت . ثم في عام 1960 تغيرت مطالب المراة في التحررفبدات تتناول مواضيع الجنس ,الطلاق والاجهاض ورعاية الطفل والعمل واعتبارها فرد مستقل .
وفي الواقع حتى يومنا هذا مازالت هناك جدالات كثيرة بين المبادئ والايديولوجيات حول التحررفي الجمعيات النسائية المختلفة.
فهناك جمعيات نسائية ترى أنه من حق المراة العمل في البغاء اذا كان الاختيار شخصي في حين هناك جمعيات نسائية تطالب بمنع ممارسة مهنة البغاء لانها تمثل صورة لاضطهاد المراة.
وفي المقابل هل تعتبر المراة انها متحررة اذا ارتدت ملابس فاضحة وانها اصبحت مساوية للرجل وحصلت على جميع حقوقها ؟
إن نوعية الملابس لاتحدد مدى حرية المراة بالمعنى المطلق بل تبقى الحرية نسبية بكل الاحوال فعلى سبيل المثال المراة السياسية رغم حصولها على منصب سياسي كان مقتصرا على الرجل الا انها ستظل مقيدة بنوعية الملابس فلايمكن ان ترتدي ملابس فاضحة مثلا او ذات عنق مفتوح جدا واذا فعلت تكتب عليها الصحف كما حدث مع المستشارة الالمانية أنجيلا مركيل . فقد كتبت عليها الصحف عندما كانت مرتدية قميص مفتوح بشكل يكشف عن صدرها.
فالاثرياء يشترون ملابس ذات ماركات معينة لايرتديها الفقير وحتى الاغنياء يختلفون فيما بينهم حيث يقسمون الى طبقات اجتماعية اكادمية مثقفة وطبقات غير اكاديمية وبالتالي لهذه الاختلافات الفكرية تاثير على نوعية الملابس والسلوك الاجتماعية للفرد .
اذا هناك عوامل غير مباشرة تفرض على المرء ارتداء زي معين. ولكن يمكن ان تكون هناك عوامل مباشرة تفرض على المرء زي معين مثل زي العمل. وكذلك هناك بعض البارات والديسكوات تفرض على الزيون زي معين للدخول ( للرجل طقم وربطة عنق, وللمراة بدلة قصية او طويلة وكعب عالي).
وبالنسبة لظاهرة التدخين والكحول تختلف اليوم عن عشر سنوات مضت فمثلا لاينظر الى المراة باحترام اذا كانت تدخن وهي تمشي في الشارع ويقال بانها غير قادرة على السيطرة على نفسها لتنتظر الى ان تصل للمكان الذي تتوجه اليه رغم ان الكثير منهن يدخن في الشارع لاسباب مختلفة فمنهن مثلا وهي تتجه للعمل وبسبب ضيق الوقت تريد تدخين السيجارة قبل ان تصل لمكان العمل في الوقت المحدد وكما هو معلوم فان في الكثير من الدول الاوربية يمنع التدخين في داخل الاماكن العامة كاماكن العمل والمطاعم وبعض البارات.
والتدخين اليوم في المجتمع الاوروبي يعتبر من الظواهر الاجتماعية السيئة ولهذا ينظر اليوم للمراة المدخنة على انها من الفئات الاجتماعية المتدنية و الغير اكاديمية ليست من النخبة .
سنجد منهن وهي فئة قليلة تتعامل مع مفهوم التحرر بنفس اليات المراة الاوروبية حيث تتطابق الكثير من العوامل التي تحملها في خلفيتها مع العوامل التي تحملها المراة الاوروبية في خلفيتها ولهذا ستكون هذه الفئة قليلة غالبا .
أما لو اخذنا المراة الشرقية في العالم الاسلامي او الشرقي فالموضوع سيختلف تماما لاختلاف العوامل التي ذكرناها سابقا.
فالتحرر ربما تجده المراة في قيادة السيارة ليكون بالنسبة لها اعلى درجات التحرر .او ان تعمل شرطية او ان تلبس البنطال او تكون سافرة او تستطيع السفر لوحدها او تمارس رياضة معينة او تكون مستقلة في عملها.
وهناك امراة اخرى اختارت ممارسة مهنة البغاء بارادتها دون ان يجبرها زوجها او حبيبها بهذا العمل فهل هي متحررة؟ حقيقة هناك عوامل غير مباشرة فرضت عليها هذا العمل ربما لم تنجح في الدراسة وشخصيتها تحب الحصول على الاموال السريعة بدون ان تعمل في التنظيف مثلا . ربما هي تتصوريكون الاعلام والدعايات قد اثر على وعيها بان هذا العمل له شهرة مميزة ويعطيها مكانة لدى الرجال. اذا بكل الاحوال هناك عوامل عديدة غير مباشرة فرضت عليها هذا الاختيار.