ومع تقديري لهذه الحماسة التي أظهرتها الكثيرات من الراغبات في العمل من المنزل، إلا أنني لا أدعي امتلاك الحل السحري للجميع، فما يصلح لي ربما لا يصلح لغيري، وما يمكن لغيري القيام به قد أعجز عنه، ومع ذلك هناك الكثير من المجالات المفتوحة على مصراعيها للعمل عن بعد، وما على كل راغبة في العمل سوى انتقاء ما يناسبها، ويلائم ظروفها وإمكاناتها، ويوظف مهاراتها وخبراتها.
فبدايتي كانت أثناء دراستي الجامعية، واستمرت بعد تخرجي، من خلال العمل كصحفية تحت التمرين في عدد من الصحف والمجلات العربية والإسلامية؛ كنت أجري الحوارات والتحقيقات، وأكتب تقارير وأرسلها عبر البريد، أو أسلمها لمقر الجريدة أو أحد الوسطاء، وكنت أحاول فيها دائما اختيار مجالات الكتابة التي لا تحتاج للانتقال الفوري لموقع الحدث، أو التي تتطلب تحركات كثيرة، ومعظمها كان يتم بالتليفون، أو بالمقابلات المرتبة أو غير المرتبة.
فأحيانا يفرض الحدث نفسه أثناء ركوب القطار، أو السير في الطريق، أو زيارة بعض الأصدقاء، أو الأقارب، أو حتى بين الجيران، لأبدأ في إجراء تحقيق أو كتابة تقرير عن ظاهرة ما أو حدث معين.
التوعية بالكتابة
وهذا فيه الرد على من يعتقد أن ممارس الصحافة والكتابة يجب أن يكون شخصا لا يهدأ ولا يسكن، يدور حول الأحداث في مواقعها، ولا يمكن العمل في هذا المجال من خلال المنزل، فالتجربة أثبتت أن العمل الصحفي له العديد من المجالات، منها: ما يتطلب الحركة الدءوب، ومنها ما لا يتطلب إلا إعمال الفكر خاصة إذا تعلق بترجمات أو عروض ومراجعات لكتب أو دراسات أو تقارير دولية...
تدريس وتحفيظ
ذكرني مجال التدريب بمهنة أخرى كنت أمارسها أثناء دراستي بشكل متفرق، وهي التدريس للأطفال في المراحل الابتدائية، فأحيانا كانت تلجأ لي بعض الأمهات لمساعدة أطفالها على الارتقاء بمستواهم الدراسي، أو تحسين مهارات الكتابة أو القراءة لديهم، فتبعث لي بأطفالها في بيتي، بل إن إحدى السيدات الأميات كانت تأتيني لأعلمها مبادئ القراءة والكتابة، وفي الحقيقة كنت أجد متعة كبيرة في ممارسة هذه الأعمال.
كمبيوتر وترجمة
بقيت في هذا المجال سنوات، ولكني لم أشأ الاستمرار فيه، فعدت مرة أخرى للترجمة والكتابة الصحفية وإعداد الأبحاث والدراسات؛ استجابة لنوازع التخصص التي ظلت تلح علي لسنوات، وفي نفس الوقت لم تضيع سنوات دراسة الكمبيوتر هباء؛ حيث أفادتني التقنيات الحديثة هذه المرة في عملي خير فائدة، فانطلقت في مجال الإعلام الإلكتروني الذي لاءم كثيرا رغبتي في العمل من خلال البيت، ولعب الإنترنت دوره في تيسير تواصلي مع العديد من الجهات التي استفدت منها في الحصول على تدريبات إلكترونية ومصادر تعليمية، ومكنتني من التعرف على كثير من الزميلات اللاتي يعمل بنفس الأسلوب سواء في مجال الترجمة أو الدراسات أو الكتابة الصحفية التقليدية.
هذه مجرد أمثلة لأعمال يمكن أن تتم من خلال البيت، وكما ذكرت سابقا أؤكد على أن اختيار مجال العمل يختلف من شخص لآخر، فالمفترض أن يختار الشخص ما يناسبه ويلائم طبيعة شخصيته وميوله واتجاهاته، ويوافق خبراته ومهاراته الشخصية وظروفه العائلية، وغيرها من الاعتبارات محل الاهتمام، وفي مرات قادمة بإذن الله سأذكر تجارب واقعية أخرى لشخصيات نجحن في العمل عن بعد.