أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

آمال عوّاد رضوان - فلسطين تَحْمِلُنا أَسمَاؤنَا إِلى أَعمَاقِ مَجهُولٍ يَتنَاسَل .. نَحْنُ؛  فِكرَةُ خَلْقٍ يَتَكوَّرُ في رَحمِ المُنَى! * نُعايِنُ ظِلالَ اللهِ تَكسُو بِحَارَ الحَواسِّ؛ تُربِكُنَا أَمواجُ الرَّهبةِ .. فَنَتقوَّس وبِتثَاقُلٍ مُهتَرئٍ بَينَ تَعاريجِ الحُزنِ وشَظايَا الفَرحِ نَتَّكِئُ علَى مَسَاندِ الصَّمتِ نَنْكأُ جُروحَاً تَغفُو لِنَنْشُرَ سَوادَ الأَلَمِ حَلِيباً يَتعَشَّقهُ مِدَادُ الحَنِين * تَتَرنَّحُ قَواربُ أَحلامِنَا خَدِرةً يَتنَاثَرُها جُوعُ عَواصفِ الوقتِ الكَافِر، وفي دَوَّاماتٍ مُفرَغةِ الحُروفِ وبِوَرعِ الضَّوءِ الخافتِ الخافقِ نَرسِمُنا قِصَصاً تَتلوَّى لَوعةً في قَفصِ البَراءَة * لِبُرهَةٍ؛ نُومِضُ بَسَماتٍ تَرتشِفُ دَمعاً يَترَشَّحُ حَيرةً حَيرَى من ثُقوبِ قَلبٍ يَتَفايضُ نُوراً، ولِوَهلَةٍ؛ تَنثَني هَالاتٌ من أَسفَارِ الأَيَّام تَتشَكَّلُ رَغوةَ تَساؤلٍ على جَبينِ الفُصُول وبِخلسَةٍ؛ نَلِجُ أَحشاءَ العَمرِ بِشَهوةٍ تَعزِفُنا أَنامِلُ نَيسَان أُكذُوبةً عَلى أَوتَارِ الذَّاكرةِ والنِّسيَانِ المُتَقَاطِعَة!    Cordes croisées Par :Amal Radwan ……Traduite par : Farah Souames Nos noms nous mènent aux profondeurs d’un inconnu propageant Nous……. L’idée d’une existence roulant au cœur de l’espoir * On lorgne les ombres divines couvrant les mers des sens Les vagues de l’effroi nous déconcertent…on s’incline D’une gêne usagée Entre courbes de tristesse et étincelles de liesse On se repose sur les supports du silence Vexant des blessures qui sommeillent Ressuscitant la noirceur de la douleur en lait Passionnant l’encre de la nostalgie * Les barques de nos rêves se balancent engourdies Dispersées par l’inanition des tempêtes de temps infidèles Dans des remous vides de caractères Et la piété d’une lumière faible et palpitante Se dessinent des contes et se tordent anxieuses A la barre d’innocence * L’espace d’un instant, On scintille des sourires feutres de larmes Infiltrant la perplexité A travers un cœur perce, débordant de lueur * L’espace d’un instant, Les auréoles des périples quotidiens s’inclinent Formant une écume de question au front des saisons Et usant de cacherie On glisse aux tripes de la vie d’une passion Jouée en Avril telle un mensonge Sur Les cordes croisées de la mémoire et l’oubli آمال عوّاد رضوان - فلسطين  جَعَلْتُ قَلْبَكَ عُلّيْقَةَ مُوسَى  تَشْتَعِلُ بِاخْضِرَارِ نَارِي وَلا تَترمَّدُ ! * أنَا عُصْفورَةُ نارٍ لكِنِّي .. لا أُحْرِقُ وَلا أُرْمِدُ وَما كُنْتُ أَنْفُخُ في رَمادٍ بَل ؛ أُلْهِبُ الصُّدورَ الْمُرَمَّدَةَ بِجِمَاري *  دَعِ الدَّمْعَةَ عَلى شِفاهِ الثَّلْجِ تَسحُّ .. تَنْشَطِرُ .. عَلَّ الثَّلْج يَذوبُ .. فَلِمَ تَنتَظِر؟ مَا تِلْكَ بدَمْعَةِ نَدَمٍ ، هِيَ قَطرةُ حَياةٍ دَعْها تََهْمي فَما ذاكَ بِانْكِسَار * أنا مَن احتملَ في مِنْقارهِ جَذْوَةَ نارِ الهَوى دَعْني أُدْفِئْكَ بِها أُجَفِّفُ طَواحينَكَ المُبْتلَّةَ بِحَرَارَتي * أجِيئُكَ أُخبِّئُ لكَ تَحْتَ جَناحَيَّ غِلالَ حُبِّي فَهيِّئْ .. سيِّدي .. أَجنِحةَ عِنَاقِنَا أَثِرْ أَريَاشَهَا بِنَسائِمي لِيأْخُذْنا هَفِيفُهَا إلَى دُوَارٍ لَذِيذ !  Moineau de feu   Par :Amal Radwan Traduite par : Farah Souames   J’ai fait de ton Cœur, un roncier de Moise Brulant à la verdeur de mon feu Sans se réduire en cendre * Je suis un moineau de feu Mais Ni brulant, ni cendreux Je ne soufflais à la cendre Mais Je brulais les âmes cendreuses de mes braises * Laisse une larme sur les  lèvres de glace Couler Fendre Fondant peut être la glace Qu’attends-tu ? Ce n’est nul une larme de regret C’est une goutte de vie Laisse-la se déverser Ce n’est nul une rupture * Moi Qui supporta sur mon bec, le tison des feux de la passion Laisse-moi te réchauffer Sécher tes moulins humides De ma chaleur * Je viens à toi  Cachant sous mes ailes les fruits de ma passion Dresse les ailes de nos étreintes Marque-les de mes brises Que leur bruissement Nous emmène Dans un tourbillon délicieux آمال عوّاد رضوان - فلسطين  لا زالَ يافعًا يانعًا، لا تعرفُ أجنحتُهُ الوهّاجة ذبولاً، رغْم أنّهُ محاصرٌ بينَ قضبانِ الاحتراق، في مِرجلٍ تُزوبعُ به متاهاتُ الدّروب، وذلك؛ لِما تميّز بهِ مِن عذوبةِ موْسقتِهِ وشجنِهِ! كمثلِ حاكورةٍ صغيرةٍ، ملآى بكلِّ أنواعِ الأشجارِ المثمرةِ وأشجارِ الزّينةِ بسياج صبّارِها؛  حاكورةٌ ترعرعتْ وسطَ غابةِ الاستبدادِ وأدغالِ الاحتلالِ وأحراشِ القهرِ! حاكورةٌ نما في أحواضِها الوجعُ، وفي أحضانِها التحدّي، فدُمّرَ كثيرٌ من أعشاشِها، وهُجّر كثيرٌ من أطيارِها دون أرياشِها، في منافي الشّتاتِ والضّياع والفراغ، بلا أرض ولا سماءٍ وبلا هويّة!  إنّهُ الشّعرُ الفلسطينيُّ في الدّاخل؛ راسخُ الجذورِ منذ الجيلِ الأوّلِ، وقد اتّجهَ مؤشّرُ بوصلتِهِ صوْبَ مكانةٍ مرموقةٍ في الشّعرِ العربيّ والعالميِّ!  الشّاعرُ الفلسطينيُّ في الدّاخلِ امتطى صهوةَ ثقافتِهِ وما ترجّلَ عنها، رغمَ الاختناقِ وضيقِ التّنفّس، بل شنّ وعيَهُ وأدواتِهِ اللّغويّةَ اللاّهبةَ ضدّ مذابح الغزو، وضدّ حصْرِهِ في قواقعِ الطّائفيّةِ والأقليّةِ العربيّةِ في دولةٍ يهوديّةٍ، فعايشَ البيئةَ الجديدةَ وواكبَها بالمواجهةِ، وتصدّى لمحْوِ ذاكرتِهِ التّراثيّةِ وتاريخِ حضارتِهِ!  الشّاعرُ الفلسطينيُّ تفاعَلَ معَ العالم الخارجيِّ، ولم يكن رهينَ شعرِ المقاومةِ، كما أطلقَ الأديبُ غسّان كنفاني، ورغمَ المآسي التي يكابدُها، ما تنازلَ عن ثوابتِ وكواشينِ حواكيرِهِ، ولم يقتصرْ شعرُهُ على النّدبِ والشّجبِ فحسْب، إنّما أثمرتِ الحواكيرُ الفلسطينيّةُ ما لذَّ وطابَ مِن شعرٍ شعبيٍّ وفصيحٍ بليغٍ، يتحدّثُ فيهِ عن الحنينِ والغربةِ والمقاومةِ والتّحدّي، والحُبِّ والعِشقِ وجَمالِيات الحياةِ والمشاعرِ الإنسانيّةِ، وتعميقِ الحياةِ وتجميلِ الوجودِ وبناءِ المستقبل، من خلالِ مساحاتٍ فكريّةٍ شاسعةٍ، وانتماءاتٍ ثقافيّةٍ مختلفةٍ وبشتّى الرّؤى.  الشّاعرُ الفلسطينيُّ إنسانٌ اعترَكتْهُ الظّروفُ فعايشَ القهرَ، وتدرّبَ كيفَ يعتلي سُحُبَ الخيالِ والتّصوّر، ليُحلّقَ بأجنحةِ التّصويرِ والإبداعِ، كي يخلقَ عالمًا أجملَ مِن الحقيقة، لذا تفاعلَ معَ البيئةِ والحياةِ وظروفِها وتفاصيلِها اليوميّة بمنتهى الحساسيّةِ الإبداعيّة، وكانَ لشعرِ المقاومةِ أن يتصدّرَ المشهدَ الشّعريَّ مِن أجلِ التّحريرِ والحرّيّة المنشودَيْن، ففرَضَ نفسَهُ إعلاميًّا، وتجلّى بشكلٍ بارزٍ بما يتوافقُ والحالة الرّاهنة التي استمرّتْ واستدامتْ، وقد تُرجمَ كثيرٌ مِنَ الأشعارِ للعبريّةِ ولغاتٍ أخرى، ولوحِقَ بعضُ أصحابِها، لِما تحملُهُ مِن فِكرٍ وتحريضٍ يُعارضُ سياسةَ التّهويدِ المفروضة، وبسببِ الانتماءاتِ الحزبيّةِ، في ظلِّ غيابِ الوطنِ وسيادتِهِ الفلسطينيّة.  مِن شعرائِنا مَن سطعَ نجمُهُم وحضورُهُم في وسائلِ الإعلامِ الحزبيّة، وتركَ بصمةً زيتيّةً في الذاكرةِ الثقافيّة، وأثرًا محفورًا في سنديانِ المهرجاناتِ الثّوريّةِ والاحتفالاتِ الشّعريّةِ التّحميسيّةِ، ومنهم مَن خفَتَ نجمُهم حدَّ البصيص، وما عُرف قدْرُهم وما نالوا حقّهم، فقد توهّجَ بينَ سُحُبِ السّماءِ مَن توهّج، وناسَ بينَ الغيومِ مَن وشّحتْهُ بضبابِها، وقد حوكِم الإبداعُ الأدبيُّ حزبيًّا وسياسيًّا، وبكلِّ أسفٍ، ظلّتْ تخضعُ ثقافتُنا للامتحانِ وإثباتِ الوجودِ والحضورِ، وبقيتْ رهينةً تستعطفُ الودَّ العربيَّ حتّى اليوم، ويحاولُ فلسطينيّو إسرائيل أن ينفوا التّهمةَ المُوجَّهةَ إليهم، كي يُثبتوا أنّهم أبرياء مِن دمِ المبايعةِ أو التّسليمِ والاستسلام، وأنّهم عربٌ أقحاح ما تهوّدوا ولا تطبّعوا ولا تأسرلوا!  وفي ظلِّ التّهميشِ العربيِّ للمأساةِ المستديمةِ العليلةِ، غدا فلسطينيّو ال 48 ضّحيّةً مفخّخةً موقوتةً، ومُعلّقةَ خارجَ الأحداثِ التّاريخيّةِ والخرائطِ الجغرافيّةِ، فهم الضّحيّةُ الموصومةُ بختمٍ إسرائيليٍّ ينبغي التخلّص منه أو تذويبه، وهكذا؛ بُتِرَ شعبُنا عن شقيقِهِ الآخر في الضّفّةِ وغزّة، واستُبعِدَ عن الأمّةِ العربيّةِ وسياساتِها في صُنعِ القرار، كأنّما توقّفتْ عجَلةُ التّاريخِ عند شرْخِ النّكْبةِ دونَ حَراكٍ عربيّ مُسانِد! وكانَ للجيلِ الأوّلِ مهمّةٌ شاقّةٌ مِن خلالِ الإبداعِ الفلسطينيِّ، هو خلْق نموذج مقاومة، مِن خلال الكلمةِ الحادّةِ اللاّهبةِ، والنّاقرةِ على شريانِ وجعِ المنكوبِ ونبض معاناةِ الشّعب، إلاّ أنّ البعضَ دخلوا في مرحلةِ الاجترارِ والتقليدِ للنّموذجِ السّابق، والبعضَ لا زالَ قادرًا على تشكيلِ رؤًى فكريّةً ناضجةً مستحدثة، وإبداعيّةً متميّزة بفنّيّتِها، وبمستوًى عربيٍّ عالميٍّ، وتستمرُّ حربُ الحَرْف!  هل يجهلُ المحتلُّ ما للإعلام الوطنيّ بشتّى وسائلِهِ وتقنيّاتِهِ من دورٍ رئيسيّ هامٍّ في دعْمِ الهويّةِ الوطنيّةِ، ومن محاربةِ النّزعاتِ الطّائفيّةِ، ومن نَشْرِ الثّقافةِ المستقِلّةِ وتعزيزِ الثّقةِ والانتماءِ الوطنيِّ والقوميّ؟ وهل يخفى على المثقّفِ الواعي تأثيرُ الإعلام، وحضورُه الفعّالُ المباشرُ محليًّا وعربيًّا وعالميًّا، وفي إعطاءِ المبدعُ فرصَ تطويرِ إمكاناتِهِ الأدبيّةِ والإبداعيّةِ، دونَ الولاءِ لجهةٍ ما أو حزبٍ داعم؟  طبعا لا، إنّما حُكم القويّ السّائد الجائر حجّمَ وقلّصَ للشّعبِ الأعزل إمكاناته التقنيّة التثقيفيّة، لكنّه ما استطاع أن يثبط العزيمةَ والهمّة في النّضالِ الواعي، أو يحبطَ التصدّي العنيد، من أجلِ الحفاظِ على الكيانِ الفلسطينيِّ العربيِّ لغةً وحسًّا وانتماءً، دونَ تهجينٍ أو تذويب. لكن؛ وبسبب توقّفَ الاهتمامُ والإعلامُ العربيُّ فقط عندَ أسماء محدودة مِن أدبائِنا، ونماذجَ قليلة مِن شعرائِنا، مَن بيعتْ وسُوّقتْ وتُرجمتْ وانتشرتْ كتبُهم في المكتباتِ العربيّة، ونالَ أصحابُها حصّةَ الأسدِ في تلقّي الدّعوات والمشاركةِ والانتشار عربيّا وعالميّا، وبسببِ غيابِ التّنظيماتِ الثّقافيّةِ والأدبيّةِ الوطنيّةِ المحَلّيّة المُحارَبة صهيونيًّا، فقد تولّدتْ أزمةُ غيابِ النّقدِ الحقيقيِّ الموضوعيِّ المَحلّيِّ والعربيّ، فهيّأتْ مناخًا تسودُهُ الشّلليّةُ المُتسلّقةُ البارزة، والّتي أركنتِ المواهبَ والتّجاربَ الأدبيّةَ المتميّزةَ في هوامشِ الإبداعِ، فكساها غبارُ الإهمالِ والإحباطِ دونَ تسويقٍ، بل عمدتْ على ترويجِ الرّديءِ بدلاً مِنَ الأجوَد.  وها هي واحةَ الشّعرِ الفلسطينيّةِ الزّاهيةِ لا زالتْ تزهرُ وتُثمرُ وتُظلّلُ، وتفوحُ أزاهيرُها في صحراءَ تكثرُ فيها الرّمالُ المتحرّكة لتبتلَعها، حيثُ تنعقَ فيها الأبواقُ المشبوهةُ والهِممُ الوصوليّةُ، الّتي تنعفُ الرّمالَ الحارّةَ في عيونِ المبدعينَ والمثقّفينَ والقرّاءِ والبسطاء. إضافةً إلى الشّبكةِ العنكبوتيّةِ التي لعبتِ دوْرًا هامًّا في كسْرِ الحواجزِ الجغرافيّةِ والحدودِ السّياسيّةِ المفروضة، في السّنواتِ العشرِ الأخيرةِ، كما وساعدتْ في انتشارِ الثّقافةِ الرديئةِ والجيّدة، ولكن على مستوى فرديٍّ وليس جماعيٍّ ووطنيٍّ، وهذا شقٌّ آخر من المأساةِ التي توالتْ أكثرَ من ستّة عقود!  وتاريخيًّا؛ ابتدأتْ معاناةُ الوسطِ الثّقافيّ المَحلّيِّ منذ أحداثِ النّكبةِ، بعدَ إغلاقِ المؤسّساتِ الثّقافيّةِ الفلسطينيّةِ في حيفا ويافا، اللّتيْن كانتا محطّتيْنِ هامّتين أسوةً بالعواصم العربيّة، ففي حين استقطبتا أمّ كلثوم وعبد الوهاب وفريد الأطرش والكثيرَ مِن الأدباءِ والمثقفين، وزخرتا بالمقاهي الأدبيّةِ والفنادقِ والمطابع والصّحفِ والمسارحِ والنّشاطاتِ الثّقافيّةِ المختلفةِ، وعلى مستوى عربيٍّ يُضاهي بغدادَ والشّامَ والقاهرة ثقافيًّا وحضاريًّا وتجاريًّا، فقد هُجِّرَتْ نُخَبُ شعبِنا المقتدرينَ ثقافيًّا وماديًّا، وهُدّمتِ المراكزُ الثّقافيّة، واعترى البلادُ شللٌ مؤسّساتيّ ثقافيٌّ وتفكّكاتٌ تنظيميّة، فقد صارتْ بلادُنا عبارةً عن قرى صغيرةٍ وكبيرةٍ، تفتقدُ إلى معالم المُدنِ المدنيّةِ والإبداعيّة، وتفتقرُ إلى مؤسّساتٍ وطنيّةٍ ثقافيّةٍ متطوّرة! فهل يُعيدُ الفلسطينيّونَ مجْدَ حيفا العتيق ومناخ عكّا المائج وميناءَ يافا الغابر؟ كيف؟ متى؟ ومِن أيّةِ منطلَقاتٍ يمكن أن تتجاوزَ المِحنة؟

آمال عوّاد رضوان - فلسطين 

بواعثُ ومُحرّكاتٌ عديدةٌ تراودُ البشرَ بأحاسيسِها الوهّاجةِ وبشهوتِها لإصلاح العالم، ويتجلّى هذا الشّعورُ كالبصيصِ تحتَ رمادِ الرّمز والإشاراتِ البعيدةِ الغارقةِ في الوجدان، وعلى حدِّ التصوّرِ المتفائِلِ، تُلوّحُ المسافاتُ الباهتةُ على غفلةٍ مِن بلبلةِ ذكرياتٍ، تراكمتْ وترسّختْ في أعماقِ النّفس، وظلّلتْ أوجاعَ أوطانٍ تجذّرتْ في آفاقِهِ الماضية، وظلّتْ تنبثقُ بضبابيّتِها وعزيمتِها في صورٍ ثائرةٍ بعشوائيّةٍ، وانفعالاتٍ تنبعثُ منها رائحةُ الخوفِ والشّكّ والخيبة!
هل يحنو على البشر عشقٌ روحيٌّ للحياةِ يشطحُ بتفاؤلِهِ بالتّمرّد، وآمالِهِ بالكفاح، وإيمانِهِ بالحرّيّة والاستقلال؟
لماذا غاصَ الإنسانُ المُستضعَفُ في سباتِ المجازرِ الوحشيّةِ؟

ها القبّعات الزرقاءُ منظّمة لقوّاتٍ مِن حمَلةِ الخُوَذِ الزّرْق، تأسّست عام 1918م بعدَ الحربِ العالميّة، ويبلغ عددُ عناصرِها أكثر مِن مئتيْ ألف شخصٍ، ينحدرونَ مِن 115 بلدٍ في العالم، شكّلتها الأممُ المتّحدةُ لحفظِ السّلام في مناطق النّزاع، ولمراقبةِ الفئاتِ المتنازعة ومدى تقيّدِها باتفاقيّاتِ الهُدنةِ والإلتزام بها، وعامَ 2002 أقرّت الجمعيّة العامّة لمنظّمةِ الأمم المتحدة تاريخ 31-5 يومًا عالميًّا للقبّعات الزرق، بهدفِ تكريم الرّجالِ والنّساء والعاملينَ في خدمةِ المنظمةِ وقِيَمِها، إذ إنّ قسمًا من أفرادِ القوّاتِ، مِن عسكريّينَ ورجالِ شرطةٍ ومدنيّين تحت الرّايةِ الزّرقاء يتعرّضون لمخاطرَ الزلازلِ والبراكين والأعاصير ومفاجآت الطبيعة، وقسْمًا للقتل والمآسي والتّضحياتِ الجسيمةِ أثناء تأديةِ خدمة السّلام، وقد لاقي 121 شخص مصرعَهم في الشهور بين يناير كانون ثاني 1-2009 وفبراير شباط 2- 2010، من بينهم 96 إثر الزلزال الذي ضربَ هايتي.

هل كلُّ منظمةٍ إنسانيّةٍ هي حقّا ثيرمومتر للإنسانية، يقيسُ درجاتِ حرارةِ الظّلم بصِدقٍ دونَ تزوير، ويُعدّلُها لتصلَ إلى حالةٍ من التّوازنِ والعدل؟
هل لكلّ منظمةٍ معاييرُ وقوانين تُجيدُ عناصرُها قراءتَها وتنفيذها وإقناع المظلومِ بإنصافِها، دونَ أن تخدشَ إيمانَهُ وآمالَه؟

في ظلالِ النكبةِ الفلسطينيّةِ والجرائم السّياسيّةِ والعسكريّةِ والأخلاقيّة، أرسلت أوّل بعثةٍ لحفظِ السّلام في نكبةِ فلسطين في 29-5- 1948، لمراقبةِ التقيّدِ بينَ إسرائيل والدّول المجاورةِ باتفاقيّةِ الهُدنةِ السّلميّة، اعتمادًا على سيادةِ القانون كأداةٍ لصيانةِ أمن سِلم السّكّان المدنيّين، وإعادةِ المُهجّرين واللاّجئين وتأمين الحمايةِ لهم، والمشاركةِ في دعْمِ المصالحةِ وخطى السّلام، واستعادةِ الاستقرارِ وغرْسِ بذورِ الأمل في مستقبلٍ أفضل!

ما مدى فاعليّةِ قوّاتِ القبّعاتِ الزّرق في تنفيذ أهدافِها، وحِفظِ السّلام الدّوليّ، وفضِّ النّزاعاتِ أو تجميدِها؟
هل لها سُلطةٌ عسكريّة وقوّاتُ جيشٍ، يمكنُ أن يُناطَ إليها بحلِّ المسائلِ العسكريّة؟
جاءَ على حدّ التّصريحات، أنّها حقّقتْ إنجازاتٍ في دعمِ استفتاءِ جنوب السّودان، وساعدت في حلّ الأزمةِ التي نشبت بعدَ الانتخاباتِ في كوت ديفوار، ودعمت تدريبَ أفرادِ الشّرطة في تيمور- ليشتي وبناءِ قدراتهم، وساهمت في تسييرِ دوريّاتٍ في تلالِ جنوب لبنان!
هل هذه القوّاتُ تعملُ حقّا بمصداقيّةٍ عادلةٍ بينَ الأطرافِ المُتنازِعة، أم تنحازُ لدعمِ طرفٍ على حسابِ الآخر، فتفرزُ الكثيرَ مِن الشّكوكِ والقلقِ والتوتّر الخطير؟
ماذا يحدث فيما لو خرجت الأحداثُ عن إرادتِها وتخطيطاتِها بينَ الأطرافِ المتنازعة؟
هل تنسحبُ؟ تقفُ مكتوفةَ الأيدي؟ أم تنحازُ إلى طرفٍ لتُعادي الآخر؟
وتأبى الذاكرةُ الملغومة إلاّ أن يتشظّى فتيلُ شكِّها باليقين، وها العينُ المتمرّدةُ تنبشُ الحقائقَ وتشاكسُها، فلا تغفلُ عن تصريحٍ مُربكٍ وتمرُّ بهِ دونَ التفاتٍ مُعانِد، فحقائقُ التّقارير بمعظمِها تتضاربُ وتستفزّ العيونَ النّهِمةَ الشّقيّة، لتقلبَ الرّمادَ الضّبابيَّ عن حروفٍ لامعة تبدو للغريقِ قشّةَ خلاصٍ وكنزَ حياةٍ ثمين، لكنّها عصيّةٌ على التصديقِ والائتمانِ!
هل أفلحت منظّمة القبّعات الزّرق:
أن تتصدّى لاندلاعِ الحرب الأهليّةِ في رواندا؟
وفي التّسعينيّات في الصّومال، هل استطاعت أن تقفَ في وجهِ جرائم القتل وعمليّاتِ النّهب وتعذيب السّجناء؟
وفي الكونغو عام 2005، ألمْ يُستدْعى عشراتُ العسكريّين من حملةِ الخُوَذ الزّرقاء، لتوجيهِ تُهم جرائم بشعةٍ ارتكبوها؟
وعام 2006، هل استطاعت أن تمنعَ القوّاتِ الإسرائيليّة مِن اجتياح الأراضي اللّبنانيّةِ؟
لماذا يتفاعلُ المظلومُ المنكوبُ المُتعلّقُ بحبالِ الهواءِ مع هذهِ المُنظّمات باستسلام؟
هل حقًّا يلجأ إلى أحضانِ أمْنِهِ ومفاتيح خلاصِهِ، أم.. ..؟
وكأنّي بالشّاعرِ والفيلسوفِ الهنديِّ طاغور يهيم بالمسحوقين: "إذا أوصدتُمْ بابَكم أمامَ الخطأ، فالحقيقةُ ستبقى خارجَهُ"!
وهل نفتحُ البابَ يا شاعرَنا أمامَ الأخطاءِ، لتعْبُرَ الحقيقةُ وتنفُذَ داخلَهُ؟!
بتاريخ 27-5-2008 كشفت منظمة "حماية الأطفال" غيرِ الرّسميّة عن حصيلةِ دراسةٍ استطلاعيّة أجرَتها، استنادًا إلى معلوماتٍ استمدّتها عبرَ توجيهِ أسئلة إلى 250 من الأطفال والناشئة و90 من البالغين، في السّودان وهاييتي والكونجو وليبيريا وساحل العاج.
مفادُ الدّراسة؛ أنّ ممارسةَ الاعتداءِ الجنسيّ على الأطفال منتشرةٌ على نطاقٍ واسعٍ مِن جانب أصحاب القبّعات الزّرق، في المناطق المنكوبة الذين "يُستغاثُ" بهم باسم السّلام فيها"، واستهدفَ أطفالاً في السّادسة مِن العمر، وفتياتٍ قاصراتٍ، إمّا اغتصابًا وإمّ استغلالَ الفقرِ والجوع.
فهل مَن يُدعَوْن بملائكةِ الحمايةِ والحراسة، يمكن أن يُمثّلوا خطرًا على الأطفالِ والناشئة، كمَن أمّن الذئبَ على قطيعٍ مِن الحملان؟
أين تقفُ العدالة والإنسانيّةُ مِن تصاعدِ اتهام القوّاتِ التّابعة للأمم المتحدة، التي تورّط فيها عناصر مِن القبّعات الزّرق، ولخّصت حقائقَها في سلسلةٍ مِن فضائح فسادٍ ماليّ، وفضائحَ جنسيّةٍ واستغلال، واغتصابِ أطفالٍ وقُصّر، وتهريبِ الذّهبِ والمعادن الثّمينة، ومقايضتِها بالأسلحةِ والموادّ التموينيّة؟
ألا تدفعُ هذه الفضائحُ أعضاءَ الأمم المتحدة، إلى التفكيرِ في سُبلِ تحسينِ إصلاح المهمّةِ السّلميّة ونشاطِ قوّاتِ حفظِ السّلام، واختيار كوادر بكفاءاتٍ إنسانيّةٍ عالية، ليقتنعَ المظلومُ بمصداقيّتِها خاصّة في العالم الثالث وشرْقِنا الثّائر؟ كيف؟
تعليقات