سعاد الشمري - السعودية
6 نوفمبر هو عيد حرية وثورة المرأة السعودية ويوافق هذا العام الساخن 2011 المسمي بربيع الثورات العربية أول أيام عيد الأضحى المبارك..
كل عام والنفوس بخير...
إليكم القصة كاملة..
لم أكن أكثر من طالبه متدينة تنتمي للجماعات الإسلامية، وأطلقنا على أنفسنا جماعة المسجد، حين أنشئنا مسجدا اعتنينا بكل تفاصيله داخل الكلية الوحيدة في منطقة حائل في ذلك الوقت..
وبين مصدق ومكذب وبين مكفر ومتعقل.. وكسرعة الهشيم أتانا ذاك الخبر ... أعتقد انه أكثر هولا من مفاجأة الاميركان بأحداث 11 سبتمبر فهوليود مهدت لشعبها وللعالم ماقد تفعله استخباراتها مما لا يصدق، وجيمس بوند بين لنا قوى في دهاليز الأرض المظلمة تهدد الأمم وباستطاعتها القضاء على شعوب العالم بلحظات..
لكن أيا من كل هذا الخيال الخصب الذي تتبع الشيطان للجحيم، واصل الذرة، وأنتقل مبحرا لخارج المجرة.. لم يجرؤ أو يحلم أن يتخيل أحدا في العالم انه يمكن أن تنظم مظاهره في السعودية في ذلك الوقت..
البلد الأكثر من محافظ الذي ربي وأصل به انه شعب خليفة الأنبياء.. بل وشعب الله المختار، ونساءه يتأهلن من مولدهن أن يكن حور عين السعوديون.. فلا مهمة لها في الحياة تعملها سوى انتظار مرضاة الزوج والخنوع للرجل الموجود في أسرتها.. جارية بكل التفاصيل وهذا قدرها الوحيد على وجه الأرض الذي ترضى عنه المؤسسة الوهابية الذكورية المتطرفة ..
كيف يمكن أن يتقبل الواقع مالم يحدثه به الخيال، ولا حتى في أحلام اليقضه ولاحتى في أفلام الأكشن ... أو الأفلام الهندية .. لم يتجرأ كاتب قبل هذا التاريخ ان يكتبها في رواية..
ولم تجرؤ قبل هذا اليوم أن تتفوه به امرأة سعودية..
أو يطالب به اصلاحى من اى جهة كانت من اى بلد كان..
كيف حدثت مظاهره نسائية في احد معاقل الوهابية والمتشددين وكهنوت هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، في وسط نجد في الرياض ومن قبل نساء سعوديات أصيلات أبا عن جد !!!!
في مثل هذا اليوم..وقبل 21سنه في مدينه صغيره شمال السعودية كنت طالبه ذات نشاط ديني بارز، داعية متطوعه انتمى لـ للدعاة المكفرين للآخر، مكفرين ومعادين لكل من يخالفنا وليس مثلنا.. وصلنا خبر
قيام مظاهره لقيادة السيارة من نساء سعوديات في قلب العاصمة الرياض.. كنا أيام أزمة الخليج الثانية والوضع جدا مكهرب فما بين انتماءات العروبة داخلنا وجرح فلسطين الذي لا يزال نديا.. ونعيش بحالة صدمة غزو الكويت من جارتنا العراق التي كنا نعدها حامية حمى العروبة.. والاميركان الذين دخلوا أراضينا بمدرعاتهم ينعمون بفرقتنا ...
كانت ردود الفعل متباينة بين الدهشة والاستغراب والذهول وبين المستسلم لعهد جديد وينشد التغيير.. فغالبنا غير مصدق وبقيتنا ظنوا إنها من علامات الساعة.. وان السعودية وأرض الحرمين انتهت، فنحن على أبواب دوله وحياة جديدة غير واضحة الملامح.. لكن الأكيد إن القيامة اقتربت !!!
في داخلي كانت فرحه غريبة وإحساس بالحرية خطير.. استطعت قمعه بسرعة البرق وتحول لغضب ومقت موافق لرأى جماعتنا.. وبرعت في التصدي لمن تسول لها نفسها تقليدهن خوفا من أن اتهم مثلهن بالفسوق والردة..
مجرد أيام قلائل حتى اجتاح الشارع السعودى موجة غضب عاتية متأججة من المجتمع القبلي المحافظ على تصرف من اتهمناهن بالخيانة والفسق والتمرد ومحالفة الشيطان وأميركا.. منابر المساجد وخطب الجمعة بلا استثناء وكانت تنتهي الخطبة بالدعاء عليهن بالهلاك والمصليين والمسلمين يؤمموا.... يالهوووووي..
كانت للدعوة في ذلك الوقت أشكال تكنولوجيا بسيطة منها أشرطة الكاسيت الدعوية وطبعا في الغالب توزع مجانا من فاعلي الخير..
يوما ما يا وطني سيكون أسمهم ناشري الظلام ..
في تلك الأشرطة هتكت أعراضهن وسترهن بالكامل فلا الزانيات ولا المومسات والساحرات قيل عنهن ماقيل عن نساء 6 نوفمبر الخالدات..
مدعومة بأوراق تحتوي أسمائهن ومكان عملهن وإقامتهن.. وكلها تدعوا لهتك أستارهن والتشهير بهن ووصل الأمر لإباحة دمائهن.. والتحريض على قتلهن.. ما يؤلمني وما يضحكني الآن إنني كنت مساهمة بنشر وتوزيع تلك الأشرطة وتصوير تلك الأوراق وخضت مع الخائضين كل تلك الأحاديث القبيحة التي كانت اقوي مؤشر على إننا نعيش في وطن لا يزال مسجونا في عصر الظلمات والجهل والكنيسة، كنيسة عصور الظلام لم تكن تختلف عن مسجد حينا...
وانتشرت الأقاويل المجانبة للحقيقة إلى يومنا هذا .. فهناك من يقول إن أميركا دبرت للمظاهرة ودعمتهن .. وآخرين اتهموهن أنهن من تنظيم يتبع لصدام حسين رحمة الله الذي كنا نخوض حرب ضده لتشتيت الأمن والولاء للدولة.. أو بمساعدة إيران.. وهناك من أكد إن الموساد الأسرائيلى خلفهن..
وقد أكد الادعاءات تناول الصحافة العالمية لهذا الموضوع ونشر الخبر في جميع أجهزة الأعلام، فلا اذكر إن هناك محطة إذاعيه قبل عصر الفضائيات العربية إلا وتناولت الحديث عن المظاهرة بما فيها المحطات العراقية..
كان هناك وتران حساسان يؤثران على مشاعر الناس.. الأول موضوع الانتماء للحكومة السعوديه فلم يكن احدنا يرغب أن يحصل لنا ماحصل في الكويت.. خاصة وإنا كنا نشارك الكويتيين مشاعرهم وهمومهم وخوفهم وقلقهم على مستقبلهم وهم يعيشون بيننا بالمدارس والمرافق العامة أو بضيافة قريب من الجد السابع..
والوتر الأهم هو الوتر الديني.. فقد أجتهد المشايخ والدعاة بالتصريح بخروجهن عن الملة وكفرهن وان هذا طريق للتبرج والتحرر والاختلاط.. وهناك من كفرهن وهناك من أباح دمائهن..
ومنهم مشايخ مشهورين اليوم تخلوا عن تشددهم ويقدموا برامج فضائية يغلب عليها طابع التسامح والنصيحة ..
أتمني أحيانا أن أبيدهم بمبيد حشري..
قد كنا والوطن ضحايا تشددهم.. وقد أكون تحررت.. ولكن تلامذتهم واكبر الوطن للآن لم يتحرروا.. مسكين ياوطن ..
ومن خلاصة الوتران السابقان نعلم أن تلك المظاهرة تعني إن من قام بها خائن لوطنه خائن لدينه.. وهذه صفة لاتزال يسهل إطلاقها على أي حركة أو أي إنسان يحاول التعبير عن حقه.. وتبيح بلا قانون بلا محاكمة أن يصادروا حقك وآدميتك ويخفوك خلف الشمس.. ولايزال مطلقيها ينعمون بالأمن والمال.. ولايزال ضحاياها يعانون الأمرين.. ولايزال للآن لا يوجد قانون يعوض المتضررين من ذلك.. ولا أزال أكتب بكل ثقة وصابرة على بلاويك ياوطن!!!
على خلفية ذلك انتشرت الأوراق (قبل عصر النت بالسعودية) المؤكدة للفتاوى السابقة وقائمه بأسمائهن وعناوينهن ووظائفهن وحتى أسماء وعناوين ذويهن.. تطالب الحكومة بإيقاع أشد أنواع العقوبة.. وتحرك وفد من القصيم معقل الوهابية المتشددة لزيارة الملك بخصوصهن.. واستمرت موجة الغضب حتى سمعنا أن الحكومة استجابت للمطالبات وقيل أنهن سجن وتم تجريدهن من أعمالهن ومناصبهن الوظيفية ومنعهن من السفر.. وهناك من طلقت من زوجها..
صمتت الحكومة الحكيمة ولم تصدر بيانا رسميا حتى هدأ الشارع السعودي.. وبقين فتره طويلة حديث المجالس ومثال لمصير مجهول مخيف نحذر بعضنا منه..
حرم على الصحافة السعودية الحديث نهائيا عن هذا الموضوع أو مناقشته وجاملتها الصحافة الخليجية والعربية وصمت العالم سنينا طويلة، ونسيت السعوديات حقهن الشرعي والطبيعي وحق المواطنة بقيادة مركبتهن وقضاء حوائجهن..
كل الأماني البسيطة الجهاد فيها فريضة ياوطن..!!
وأركب الحنطور.. تررم تررم ..واتحنطر.. تررم تررم..
وحتى بعد مرور هذه السنوات لا يزال متزعمي الليبرالية والمنادين بحقوق المرأة والإصلاحيين والمثقفين وحتى أنا نشك بأن هذه الحركة خلفها أسرار ولعبه أكبر من مجرد رغبة نساء بالحصول على حق سلب بدون مبرر شرعي أو نظامي.. وأيضا حقيقة ماحدث ومصيرهن وكثير من التفاصيل مجهولة تماما....!!!
حتى عام 2005 بعد 15 سنة من المظاهرة.. حيث انطلقت ولأول مرة انتخابات المجلس البلدي في الرياض ورشح نفسه السيد سليمان السلمان مؤسس جمعية أنصار المرأة وأول من تبنى وطالب بحقوق المرأة السعودية كقضية رئيسية تبناها سعودي ومن منطقة القصيم تحديدا معقل التشدد الديني الذكوري في السعودية..
كان وقتها في عام 90 رفع برقية من مدينة بريده المتشددة عاصمة القصيم.. يدعم حق النساء بالقيادة ويطالب الحكومة بالسماح لهن.. وأعتقد أنها البرقية الوحيدة التي خالفت ثورة وغضب الناس في ذلك الوقت.. فالبرقيات كانت تطالب بإنزال أقصى أنواع العقوبات في حقهن والتبرء من تصرفهن..
ورغم أنه تعرض للمضايقات والسب والشتم والقذف والتهديد له ولعائلته إلا انه لم يستسلم أو يترك تبنيه للقضية..
لقد جعل شعار حملته الانتخابية حق المرأة بقيادة السيارة، وكان برنامجه الانتخابي يدور حول هذا الموضوع.. كانت جرأة منه لم يقوي عليها أحدا قبله..طبعا لم تنجح حملته وتعرض لهجوم شديد ولكنه حمل أوراقه الانتخابية ودار بها على الصحف السعودية ومنها صحيفتي الرياض والجزيرة الحكوميتان ولكن رؤساء التحرير رفضوا نشر ذلك بشده ولا حتى عن طريق إعلان مبوب.. وكذلك رفضت الصحف الدعائية الصغيرة نشر إعلان برنامجه الانتخابي رغم أنه مدفوع الثمن..
صحيفة الشرق الأوسط تحدثت عن برنامج حملته القائم على دعم حق المرأة السعودية بالقيادة..
وجريدة الحياة نشرت مقال مختزل عن الموضوع على خجل.. أما جريدة الوطن التي تعد أنها تمثل التيار الليبرالي الحر ورغم أنها أخذت معه مقابله كبيره إلا إنها ألغت المقابلة و أكتفت بنشر إعلان مبوب صغير مدفوع القيمة لا يتجاوز بضعة سنتيمترات..
تواصل مع الصحف الأجنبية مثل شبيقل الألمانية والتايم البريطانية النيوزويك الأمريكية..
ورغم استمرار وزيادة مضايقته وتلقيه على جوالة رسائل تهديد وقذف وتهكم لأن رقمه كان منشورا في برنامجه..
ثم قام بنشر رسائل جوال لأعضاء مجلس الشورى وأعاد كتابة البرقيات لهم حتى تبنى محمد آل زلفه الموضوع بالشورى
برنامجه الإنتخابي وتبنيه للقضية فرض على المجتمع السعودي عودة الحديث عن هذا الحق..
بعدها عاد الحديث عن موضوع القيادة لصدارة الصحف السعودية وبرامج الفضائيات وبرزت ناشطات جدد شابات يكملن المسيرة..
سليمان السلمان أسس بعدها جمعية أنصار المرأة ولايزال يناضل من أجلها وفي كل برقياته ورسائله يذيل أسمه بتوقيع (المتفائل دائما بمستقبل أفضل)
من يضمد جراحك ياوطن غير المتفائلين دائما اللذين يزرعون الأزهار وسط الأشواك.. وللحكاية بقيه..