المستشارة الدكتورة سامية كيحل - الجزائر
نرى الإنسان بأجمل ما صوره الله عز و جل لطبيعته الإنسانية و التكوينية التي بدأت من نطفه ، إذ كثيرا ما نتعثر في الواقع بأشخاص سليمين، وفي على ارض الواقع مريضين، يشددون على العنف الفكري و يعملون على انتشاره مجتمعيا ، الذي لا يؤمن بحرية الإنسان وفكره و يعملون على العنصرية الإرهابية ، أو ما يمكن أن نطلق عليه التعصب للرأي التكفيري ، ويتمثل عمله ونظرته أيضاً في إلغاء الآخرين وتهميشهم، والحجر على آراء المخالفين، وإقصائهم، وعدم قبول أي فكر أو رأي معارض لفكره، حيث يتبنى إيديولوجية معينه دون ان يكون لها معايير و حدود او اشتراطات ، تقوم على الإقصاء والتشكيك، وتهيج المجتمع تارة اشعال النار فيه كالهشيم وتجييش الأتباع والتهديد بزعزعة الأمان الكتابي وتصل إلى الإضرار المعنوي والنفسي وصولاً لاحتماليات التصفية النفسية وحتى أحياناً الجسدية والإقصاء من الحياة نهايك عن الامن القومي أي من الممكن ان يهدد دولة بكامل كيانها المؤسسي بكل مجالاته و فروعه ، وغيرها من أساليب التنمر الأخرى، ولعل الشباب هم أكثر الفئات العمرية التي تقع تحت براثنها ، يواجه تحديات جمه ، لخلق بيئة حوارية متبادلة وسليمة، وهذه التحديات مستفحلة بشكل رهيب على مواقع التواصل الاجتماعي المتنوعة الشرعية و المصرح بها و الغير شرعيه التي تعمل في الخفاء لأغراض جنسيه و استخباراتية ، التي أغلب مستخدميها يختبئون خلف صفحاتها المبروزه بشكل يلائم مع الحدث ، فعلى موقع الفيس بوك على سبيل المثال و ليس الحصر و برامج التواصل الاجتماعي بشكل عام .
بالإضافة الى ذلك من الممكن ان نشبه التنمر الفكري بالطاعون والكوليرا وكورونا وغيرها من عشرات الأوبئة الفتاكة الأخرى على مجتمعاتنا ، التي لم تحصد أرواح البشر فحسب ولكنها ظلت إلحاحا أبديا ودائما يشير إلى ضآلة الإنسان عن كينونته الروحية، ومحدوديته، وتذكيرا في الوقت نفسه ببداية رحلتنا البشرية، في مواجه العنف المعنوي، الذي يصادر الحريات، ويسلب الإرادة ويخرب النفس، ويعمي العقول ، حيث يصبح الفرد البشري مجرد آلة أو أداة او وسيلة مؤقته يتم التحكم بها من أجل خدمة نفسه أو جماعة بعينها، تستخدم العنف التنمر الفكري الإرهابي سبيلا لتحقيق أهدافه أي أهدافها المشبوهة والمعتلة ، لابد ان نضع قاعدة أساسية بان التنمر الفكري الإرهابي لا يعرف صغار ولا كبار، فهو سلوك عدواني دائم الاستمرار دون انقطاع ، و القاعدة الأساسية انه متعمد من قبل فرد أو جماعة تجاه شخص آخر أو جماعة أخرى ، بهدف الإضرار و ليس من اجل الإصلاح ،التنمر الإرهابي ظاهرة اجتماعية سريعة الانتشار، تقع داخل الاسرة والمدرسة والعمل، ومن ثم فهي تحتاج الى تضافر مجتمعي وطني ودولي لمكافحتها كما تتعاون الدول في مكافحة الارهاب بأنواعه و أشكاله .
يتكون التنمر الإرهابي من أنواع عدة منها على سبيل المثال و ليس الحصر التنمر البدني عن طريق الدفع، والعرقلة، والصفع، والخنق، واللكم، والركل، والضرب، والطعن، وشد الشعر، والخدش، والعض، وهناك التنمر اللفظي الذي يحدث بالتنابز بالألقاب، أو الإهانات، أو إبداء التعليقات الجنسية واستخدام الألفاظ المكروهة لدى الضحية، وتوجيهها له باستمرار، ويوجد أيضاً التنمر النفسي الذي يعمل على نبذ الشخص المتنمر، أو مجموعة الأشخاص المتنمرين للفرد المعتدى عليه واستبعاده من النشاطات والفعاليات والمناسبات الاجتماعية، وتحريض الآخرين على الابتعاد عنه، أو مقاطعته، وهناك التنمر الفكري بوضع أمور مهينة للشخص على الواقع أو المواقع الاجتماعية، مثل التعليقات والمنشورات والصور والفيديوهات، وتشويه سمعته ورفض مصادقته، وهناك أيضاً التنمر العاطفي والجنسي والاجتماعي والعرقي... الى ان وصلنا الى التنمر الإرهابي المستهدف لدولة كامله بعينها.
الأمر الذي يفرض حاجة التفكير إلى تضافر جهد ذاتي وجماعي، أيّ تقع على عاتق جميع مؤسسات الدولة والمنظمات المحلية والعالمية، وهنا سنتطرق إلى عدة أساليب للحد منها على الأقل او التحدي او السعي لعلاجها من الجذور للقضاء عليها حيث إن الدور الأساسي في مجابهة التنمر الفكري الارهابي حيث يقع على عاتق النخب المثقفة في المقام الأول التي تعمل على الجبهات في الصفوف الامامية و يمكن أن يتم ذلك من خلال تفعيل مجموعة من الأنشطة الحوارية، والدراسات والبحوث، والكتابات، والمؤتمرات، التي تهدف إلى تصحيح الأفكار والمعتقدات، وتنقية العقول المنحرفة من الشوائب التي علقت بها ، ومنع العقول الأخرى من الانحدار في بؤرة الانحراف والشذوذ والتطرف والتعصب الفكري كما شاهدنا التكفيرين الارهابين و كيف قاموا بغسل عقول شبابنا لتحويلهم الى سلاح يرفع في وجه الدولة كما هو في الربيع العربي سابقا ، وضرورة تقبل الآخر دون أي غاية أو شخصنة.
كما يقع أيضا على عاتق مؤسسات الدولة المتنوعة وخاصة التعليمية والإلكترونية القيام بدور فعال في مواجهة ظاهرة التنمر بكافة أشكاله سواء الإرهابية او النفسية ولن يتأتى ذلك إلا من خلال قيامها بتحصين الشباب من الوقوع في براثن الانحراف الفكري أو المنحرفين الفكريين وهو الدور الأول والمهم في الوقت الراهن.
يجب العمل على تفعيل إستراتيجية الأمن الفكري، لما له من أهمية كبيرة في التحصين الأخلاقي، والعقائدي، والفكري، فالأمن الفكري يعمل على تهذيب العقول وحفظ النفس، كما أنه يمثل ضمانة هامة للمجتمع ويؤمن في المقام الأول الامن القومي للدول من الداخل قبل الخارج.
ويجب على المؤسسات الاجتماعية والنفسية والاعلامية والثقافية ان تشترك معا في وضع خطط لبرامج عملية لتوعية الأولاد من مخاطر التنمر الإرهابي وخطورته وسبل الحماية منه، وبرامج أخرى لتوعية الضحايا ومساعدتهم على مواجهة التنمر وتشجيعهم على الخروج من حالات الانهزامية وتقوية ثقتهم بأنفسهم و دفعهم لاستشعار مناطق قوتهم الداخلية واستنفارها كسلاح في مواجهة حالات التنمر الإرهابي و البعد عن الخشية من فضحهم و ان يواجهوا الحقائق بأنفسهم و محاربتها بشكل سليم و مدروس كي يحافظوا على بلدهم في المقام الأول و من ثم مجتمعهم المؤسسي وصولا الى البيت الصغير هو الاسرة بكامل افرادها ابتداء من الاب و الام وصولا الى اصغر طفل فيها .