هل عرف السلف الصالح في عهد النبي الأعظم (صلى الله عليه وسلم) وما قاربه زمنيا الخيم الرمضانية التي يُقدَّم فيها الطعام للضيوف والفقراء والمعوزين والمساكين؟
والخَيْمةُ بيت تبنيه الأعراب من عيدان الشجر والجمع خَيْماتٌ و خِيَمٌ مثل بدرات وبدر، والخَيْمُ مثل الخيمة والجمع خِيامٌ مثل فرخ وفراخ و خَيَّمَهُ جعله كالخيمة و خَيَّمَ أيضا بالمكان أقام به و تَخَيَّم بمكان كذا ضرب خيمته به،وقال صاحب اللسان: الخَيْمَةُ بيت من بيوت الأَعراب مستدير يبنيه الأعراب من عيدانِ ،وقيل هي ثلاثة أَعواد أَو أَربعة يُلْقَى عليها الثُّمامُ ويُسْتَظَلُّ بها في الحر والجمع خَيْماتٌ وخِيامٌ وخِيَمٌ وخَيْمٌ وقيل الخَيْمُ أَعواد تنصب في القَيْظِ وتجعل لها عَوَارِضُ وتُظَلَّلُ بالشجر فتكون أَبرَدَ من الأَخْبِيَةِ وقيل هي عيدانٌِ يبنى عليها الخِيامُ قال النابغة:
فلم يَبْقَ إلاَّ آلُ خَيْمٍ مُنَضَّدٍ ***وسُفْعٌ على آسٍ ونُؤْيٌ مثعلب
الآسُ الرماد ومُعَثْلِبٌ مهدوم، والذي رواه ابن السيرافي على أَسٍّ قال وهو الأَساسُ ويروى عَجُزُهُ أَيضاً (وثُمٌّ على عَرْشِ الخِيامِ غَسِيلُ).
ورواه أَبو عبيد للنابغة ورواه ثعلب لزُهَيرٍ وقيل الخَيْمُ ما يبنى من الشجر والسِّعَفِ يَسْتَظِل به الرجلُ إذا أَورد إبله الماء وخَيَّمَه أَي جعله كالخَيْمَة والخَيْمَةُ عند العرب البيت والمنزل ، وسُمِّيت خَيْمَةً لأن صاحبها يتخذها كالمنزل الأَصلي ، وقال ابن الأَعرابي الخيمة لا تكون إلا من أَربعة أَعواد ثم تُسَقَّفُ بالثُّمامِ ولا تكون من ثياب قال وأَما المَظَلَّةُ فمن الثياب وغيرها ويقال مِظَلَّةٌ . قال ابن بري: الذي حكاه الجوهري من أَن الخَيْمَةَ بيت تبنيه الأَعراب من عِيدان الشَّجَر هو قول الأَصمعي وهو أَنه كان يذهب إلى أَن الخَيْمَةَ إنما تكون من شجر فإن كانت من غير شجر فهي بيت، وغيره يذهب إلى أَن الخَيْمَة تكون من الخِرَقِ المَعْمولة بالأَطْنابِ واستدل بأن أصل التَّخْييم الإقامة فسُمِّيَتْ بذلك لأَنها تكون عند النزول فسميت خَيْمةً. قال ومثلُ بيت النابغة قولُ مُزاحِمٍ:
مَنَازِلُ أَمَّا أَهْلُها فَتَحَمَّلُوا *** فَبانُوا وأَمَّا خَيْمُها فَمُقِيمُ
قال ومثله قول زهير:
أرَبَّتْ به الأرْواحُ كلَّ عَشِيَّةٍ *** فلم يَبْقَ إلاَّ آلُ خَيْمٍ مُنَضَّدِ
قال: وشاهد الخِيَمِ، قول مُرَقِّشٍ:
هل تعرف الدَّار عَفَا رَسْمُها *** إلا الأَثافيَّ ومَبْنَى الخِيَمْ؟
وشاهدُ الخِيامِ قول حَسّان ومَظْعَن الحَيِّ ومَبْنَى الخِيام ، وفي الحديث: (الشَّهِيدُ في خَيْمَةِ اللِه تحتَ العَرْشِ)، الخَيْمَةُ معروفة ومنه خَيَّمَ بالمكان أَي أَقام به وسكنه واستعارها لِظلِّ رحمة الله ورِضْوانه ويُصَدِّقُهُ الحديث الآخر (الشهيد في ظِلِّ الله وظِلِّ عَرْشِه)، وفي الحديث: (من أَحب أَن يستخدم له الرجالُ قِياماً كما يُقامُ بين يدي المُلوك والأُمراء) وهو من قولهم خام يَخِيمُ وخَيِّمُ وَخَيَّمَ يُخَيِّمُ إذا أقام بالمكان ويروى اسْتَخَمَّ واسْتَجَمَّ (بالجيم بدل الخاء)، والخِيامُ أَيضاً الهَوادِجُ على التشبيه قال الأَعشى:
أَمِن جَبَل الأَمْرارِ ضرْبُ خيامِكم *** على نَبإٍ إنّ الأَشافيّ سَائل
وأَخامَ الخَيْمَةَ وأخْيَمَها بَناها (مروي عن ابن الأَعرابي) وتَخَيَّم مكانَ كذا ضَرَب خَيْمَتَهُ وخَيَّمَ القومُ دخلوا في الخَيْمة وخَيَّمُوا بالمكان أَقاموا وقال الأَعشى:
فَلَمَّا أَضاءَ الصُّبْحُ قامَ مُبادراً *** وكانَ انْطِلاقُ الشاة مِن حَيْثُ خَيَّمَا
والعرب تقول خَيَّمَ فلان خَيْمَةً إذا بناها وتَخَيَّمَ إذا أقامَ فيها وقال زهير:
وضَعْنَ عِصِيَّ الحاضِرِ المُتَخَيِّمِ
وخَيَّمَت الرائحة الطيِّبةُ بالمكان والثوب، أَقامت وعَبِقَت به، وخَيِّمَ الوَحْشِيُّ في كِناسه أَقامَ فيه فلم يَبْرَحْهُ وخَيَّمَه غَطَّاه بشيء كي يَعْبق به وأَنشد (مَعَ الطِّيبِ المُخَيَّم في الثياب) وقال أَبو عبيد: الخِيمُ الشيمَة والطبيعة والخُلُق والسجية ويقال خِيم السيف فِرِنْدُه والخِيمُ الأَصل، وقال ابن سيده والخامَةُ من الزَّرع أَولُ ما يَنْبتُ على ساقٍ واحدة، والخامُ من الجلود ما لم يُدْبغ أَو لم يُبالَغْ في دبغه والخامُ الدِّبْسُ الذي لم تَمسه النار عن أَبي حنيفة قال وهو أَفضله.
وليس هنا بيت القصيد، فنعود للسؤال المطروح هل كانت هناك خيم جماعية للفقراء والمحتاجين في رمضان أو غير رمضان؟
في التاريخ الإسلامي يطالعنا قوم يُسمّون " أهل الصفة" وهم فقراء المدينة المنورة، ويقال فيهم:
أنَّ بعض المهاجرين لم يستطيعوا العمل حال قدومهم إلى المدينة لأن الطابع الزراعي كان يغلب على اقتصاد المدينة، وليست للمهاجرين خبرة زراعية فمجتمع مكة تجاري كما هو معلوم، كما أنهم لا يملكون أرضًا زراعية في المدينة وليست لديهم رؤوس أموال فقد تركوا أموالهم بمكة. وقد وضع الأنصــــــــــــــار إمكانياتهم في خدمة المهاجرين لكن بعض المهاجرين بقى محتاجًا إلى المأوى.
واستمر تدفق المهاجرين إلى المدينة خاصة قبل موقعة الخندق حيث كان الكثير منهم يستقرون في المدينة كما طرقت الوفود الكثيرة المدينة، ومنهم من لم يكن على معرفة بأحد من أهل المدينة فكان هؤلاء الغرباء بحاجة إلى مأوى دائـم أو مؤقت مدة إقامتهم. ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم فكر في إيجاد المأوى للفقراء المقيمين والوفود الطارقين، فكانت الصفة هي ذلك المكان والمأوى.
أين موقع أهل الصُّفَّة؟
وحانت الفرصة عندما تم تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة وذلك بعد ستة عشر شهرًا من هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة حيث بقى حائط القبلة الأولى في مؤخر المسجد النبوي، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم به فظلل أو سُقف وأطلق عليه اسم الصفة أو الظلة، ولم يكن لها ما يستر جوانبها.
ويذكر ابن جبير في رحلته أن الصفة دار في آخر قباء يسكنها أهل الصفة، وتأول السمهودي ذلك بأن من ذكر من أهل الصفة اتخذوا تلك الدار فيما بعد فاشتهرت بذلك، أي أن المكان الذي ذكره ابن جبير نسب إلى أهل الصفة ولم ينسبوا هم إليه، لأن نسبتهم كانت إلى صفة المسجد النبوي بالمدينة.
ولا يعرف سعة الصفة، ولكن يبدوا أنها كانت تتسع لعدد كبير حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم استخدمها في وليمة حضرها ثلاثمائة شخص، وإن كان بعضهم قد جلس في حجرة من حجرات أزواج النبي صلى الله عليه وسلم الملاصقة للمسجد.
وكان الأنصار والأثرياء يقدمون الطعام واللباس والصدقات والتكرمة الخاصة لساكني الصفة كما نقدم نحن اليوم الطعام في شهر رمضان للقاطنين في الخيم الرمضانية، مع الفارق، وهو أنَّ من يأوي للخيمة الرمضانية المعاصرة يكون مؤقتاً لفترة الإفطار والسحور وحسب.
![الدكتور محمد فتحي الحريري - سوريا يقول الله تعالى : {حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الدخان: 1-6]. والمقصود بالليلة المباركة كما لا يخفى على أحد ، ليلة القدر ، التي نزل باسمها أيضا سورة كاملة بهذا الاسم مكوّنة من ثلاثين كلمة ، بعدد أيام الشهر الكريم ، ‘ إنها سورة القدر وهي ذات خمس آيات كريمة : {إنا أنزلناه في ليلة القدر * وما أدراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من ألف شهر * تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر * سلام هي حتى مطلع الفجر} . وفي سبب تسميتها بليلة القدر يذكر د\ العودة أقوالاً خمسة : لعظيم قدرها, وجلالة مكانتها عند الله عز وجل وكثرة مغفرة الذنوب, وستر العيوب في هذه الليلة المباركة. قال الزهري: القدر العظمة من قولك: لفلان قدر. ويشهد له قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام: 91]. قال الخليل بن أحمد: إنه من الضيق أي هي ليلة تضيق فيها الأرض عن الملائكة الذين ينزلون. ويشهد له قوله تعالى: {وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} [الطلاق: 7]. قال ابن قتيبة: إن القدر الحكم، كأن الأشياء تقدر فيها. ففيها يتم تقدير مقادير الخلائق على مدار العام, فيكتب فيها الأحياء والأموات, والناجون والهالكون, والسعداء والأشقياء, والعزيز والذليل, ويكتب فيها الجدب والقحط, وكل ما أراده الله تبارك وتعالى خلال سنة قمرية كاملة ، قال أبو بكر الوراق: لأن من لم يكن له قدر صار بمراعاتها ذا قدر. قال علي بن عبيد الله: لأنه نزل فيها كتاب ذو قدر، وتنزل فيها رحمة ذات قدر وملائكة ذوو قدر. ... والظاهر – والله أعلم - يرجح سبب التسمية بأن كتابة مقادير الخلائق إنما يكون في ليلة القدر: إذ ينقل في ليلة القدر من اللوح المحفوظ؛ ولذلك قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "إن الرجل ليمشي في الناس وقد رُفع في الأموات", ثم قرأ هذه الآية: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} قال: يفرق فيها أمر الدنيا من السنة إلى السنة (1)، فكأنها ليلة تصفية الحسابات واعتمادها لسنة قادمة ، إن جاز لنا التعبير ! وقد عَـمَّـى الاسلامُ موعدها لحكمةٍ وغايةٍ شرعيةٍ نبيلةٍ تتجلَّـى في الحثِّ على صالح الاعمال ومضاعفة النشاط الخيري وأعمال البر التي يُتَقرَّبُ بها إلى الله تعالى ... فترى المسـلمين يلتمسونها في أيام رمضان كلها ، في العشر الاواخر وفي الفرادى منها ، ومنهم من يرى موعدها في ليالٍ أخرى غير العشر الأخيرة ، ومنهم من يرى أن موعدها غير ثابت تتحول من سنة الى أخرى ، والله أعلم ... وفي لغة الجذور ، جاء في لسان العرب : القَـدَرُ : القَضاء المُوَفَّقُ . يقال: قَدَّرَ الإِله كذا تقديراً، وإِذا وافق الشيءُ الشيءَ قلت: جاءه قَدَرُه. وقال ابن سيده : القدْر ( باسكان الدال ) والقَدَرُ ( بفتح الدال ) : القضاء والحُكْم، وهو ما يُقَدِّره الله عز وجل من القضاء ويحكم به من الأُمور. قال الله عز وجل: {إنا أنزلناه في ليلة القدر { أي الحُكْمِ، كما قال تعالى: فيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمر حكيم؛ وأَنشد الأَخفش لهُدْبَة بنِ خَشْرَمٍ : أَلا يا لَقَوْمي للنوائبِ والقَــــــدْرِ ===وللأَمْرِ يأْتي المَرءَ من حيثُ لا يَدْري وللأَرْض كم من صالح قد تَوَدَّأَتْ ===عليه، فَوَارَتْــــهُ بلَمَّاعَــــــةٍ قَـفْـــــرِ فلا ذَا جَـــلالٍ هِبْنَــهُ لجَلالِــــــــه، ===ولا ذا ضَيـاعٍ هُــنَّ يَتْرُكْنَ للفَــقــــْرِ (تودّأَت عليه أَي استوت عليه.) ،،، والقدر مبلغ كل شيء ، وهو أيضـاً التضييق ، من قوله تعالى: ((ومن قُـدِرَ عليه رزقَـه )) سورة الطلاق | 7 ؛ أَي ضُيِّقَ عليه، قال: وكذلك قوله: ((وأَما إِذا ما ابتلاه فَقَدَر عليه رزقه)) سورة الفجر \ 16 ؛ معنى فَقَدَر عليه فَضَيَّقَ عليه ، وهو تفسير التضييق الوارد في قصة سيدنا يونس : (( فظنَّ أنْ لن نقدر عليه )) سورة الانبياء \ 87 ، حين ترك نينوى البلدة التي أُرسِلَ إليها ، كان موقنا أنَّ الله لن يُضيّق عليه ... وفي الحديث المطهّـرفي رؤية الهلال : (صوموا لرؤيته وأَفطروا لرؤيته فإِن غُمَّ عليكم فاقْدُرُوا له )، وفي حديث آخر: فإِن غم عليكم فأَكملوا العِدَّة ؛ وفي لفظ آخر : (( فأكملوا العدة ثلاثين يوماً )) وفي رواية أخرى : (( فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً )(2) قوله: فاقْدُرُوا له أَي قَدِّرُوا له عَدَدَ الشهر حتى تكملوه ثلاثين يوماً، واللفظان وإن اختلفا يرجعان إِلى معنى واحد؛ وروي عن ابن شريح أَنه فسر قوله فاقْدُرُوا له أَي قَدِّرُوا له منازلَ القمر فإِنها تدلكم وتبين لكم أَن الشهر تسع وعشرون أَو ثلاثون يوما ، قال: وهذا خطاب لمن خصه الله تعالى بهذا العلم؛ قال: وقوله فأَكْمِلُوا العِدَّة خطاب العامَّة التي لا تحسن تقدير المنازل ، وهذا نظير النازلة تنزل بالعالِمِ الذي أَمر بالاجتهاد فيها وأَن لا يُقَلِّدَ العلماء أَشكال النازلة به حتى يتبين له الصوب كما بان لهم، وأَما العامة التي لا اجتهاد لها فلها تقليد أَهل العلم؛ قال: والقول الأَول أَصح؛ وقال الشاعر إِياس بن مالك بن عبد الله المُعَنَّى : كِلا ثَقَلَيْنــا طامــعٌ بغنِيمـــــــةٍ ، ===وقد قَدَر الرحمنُ ما هو قـــادِرُ فلم أَرَ يوماً كانَ أَكثَرَ ســـالِبــــــاً ===ومُسْتَلَباً سِــــرْبالَه لا يُناكِــــــرُ وأَكثَرَ مِنَّا يافِعاً يَبْتَغِي العُلـــــى ،=== يُضارِبُ قِرْناً دارِعاً وهو حاسِرُ قوله : ما هو قادرُ أَي مُقَـدِّرٌ، وثَقَـلُ الرجل ، بالثاء: حَشَمه ومتاع بيته، وأَراد بالثَّقَل ههنا النساء أَي نساؤنا ونساؤهم طامعـات في ظهور كل واحد من الحَيَّيْنِ على صاحبه والأَمر في ذلك جارٍ على قـدر الرحمن. ،، وأقول : ان الجذر الثلاثي ( ق د ر ) يشير إلى الشرف العظيم والمقدار معا ، فصاحب القدر الرفيع وصل إلى قدره الذي يجلّه الناس به ، وبالمقابل صاحب القدر الوضيع لا يتعدى قدره الذي يذمه الناس به ، فالقدر شريف أو غير شريف مثله مثل الضمير تماما ، ضمير طيب وآخـر خبيث سيء، وكانت الوالدة – عافاها الله – تعلمني كيفية الطبخ ، لما كنت طالبا جامعيا ، فتقول ضع الماء في القِدر الصغير وأضف اليه البرغل بقَدَرٍ معين وعلامة هذا القدر هو أن تقف الملعقة بمفردها في وسط القِـدْر ، ومن ذلك اليوم عرفت أن لكلٍّ منا قدره الثابت لا يتعدّاه ، ولكل أسـرة قِـدْرها الخاص المتناسب مع حجم العائلة ، العائلة الكبيرة لها قِـدْر كبير وللصغيرة قِــدْر صغير ، وهكذا .... ومن هنا سرُّ تسمية الطنجرة المعدّة للطهي ( قِــدْر ) والجمع قدور ... وفي ليلة القدر يصل كل مسلم الى قَدْره في العبادة ، وينال فيها قَـدْر عبادته واخلاصـه وطاعته ، وأزعم أنها سُـمّيت بليلة القدر من هذه الزاوية حيث يعود العابدون الى مقاديرهم في العمل والطاعة ، وينالون مقاديرهم من الثواب والأجـر ، والله أعلم ...ويؤيد منحانا هذا في الاستدلال ، ما أورده ابن فارس صاحب مقاييس اللغة ، في كتابه ( مادة \ ق د ر ) : القاف والدال والراء أصلٌ صحيح يدلُّ على مَبْلَغ الشَّيء وكُنهه ونهايته. م فالقدر بلغُ كلِّ شيء. يقال: قَدْرُه كذا، أي مبلغُه.( بدال ساكنة ) ، وكذلك القدر ( بفتح الدال ) . وقَدَرتُ الشّيءَ أَقْدِرُه وأَقْدُرُه من التقدير، وقدَّرته أُقَدِّره. ، والقَدْر قضاء الله تعالى الأشياءَ على مبالغها ونهاياتها التي أرادَها لها، وهو القًدَر أيضاً. ومن اركان الايمان أن تؤمن بالقدر خيره وشره من الله تعالى . ، كما يشهد لنا قول العرب : قَدَرْتُ عليه الثوبَ قَدْراً فانْقَدَرَ، أي جاء على المِقْدارِ. ويقال: بين أرضك وأرضِ فلانٍ ليلةٌ وقادِرَةٌ، إذا كانت ليِّنةَ السيرِ، مثل قاصدُةٍ ورافِهَةٍ. ويشهد لنا أيضا من التنزيل العزيز : ((على المُوسِعِ قَدَرُه وعلى المُقْتِرِ قَدَرُه )) ؛ قال الفراء: قُـرئ قَـدَرُه وقَدْرُه، قال: ولو نصب كان صواباً على تكرر الفعل في النية، أَي ليُعْطِ المُوسِعُ قَدْرَه والمُقْتِرُ قَدْرَه؛ وقال الأخفش: على الموسع قدره أَي قدر طاقته وإمكاناته ؛ فالخلاصـة : إنّ ليلة القدر ليلة الشرف العظيم ينالهُ العابدون ، ويصلون فيها الى مقدار عظيم من البرّ والمغفرة والأجـر والثواب الجزيل ، يتوب الله عليهم ويرفع منازلهم ويحقق رجـاءهـم ويمحو حوبتهم ، وقد سـألت السيدة عائشة الصديقة بنت الصدّيق – رضي الله عنهما - رسول الله – صلى الله عليه وسلم - عمَّ تقول إذا صادفت ليلة القدر ؟؟؟ فقال : (( قولي : اللهم إنك عفوّ نحبُ العفو فاعفُ عني )) . رواه البخاري . حاشــية : (1) )رواه ابن جرير الطبري في تفسيره (22/10)، وعبد الله بن أحمد في السنة (2/407)، وانظر الدر المنثور (5/739).: ( (2) الأول رواه مسلم في الصيام باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال والفطر لرؤيته برقم 1081 ، والنسائي في الصيام باب ذكر الاختلاف على عمر بن دينار برقم 2124 ، واللفظ له.، والثاني رواه البخاري في الصوم باب قول النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا رأيتم الهلال فصوموا " برقم 1909 . الدكتور محمد فتحي الحريري - سوريا نقصد بالعائلة الرمضانية تلك الحروف التي تشكل نسيج كلمة رمضان ، وهي : ( ر م ض ) ومنها رمضان ، الشهر المعظم ، الذي أنزل فيه القرآن الكريم والذي فرض الله علينا صيامه ، والرمض شدة الحر ، وحين ترمض الفصال صيفا وخاصة فوق رمال الصحراء العربية ندرك أكثر معاني الصيام في وقت القيظ . وحسب الجذاء الجذوري لهذه العائلة يتشكل معنا ستة الجذور التالية : (ض م ر) : ونقرأ فيه التضمير والضمر والضمير والمضمار ، من أشكال (الريجيم) القديمة عند العرب، وكان التضمير لإكساب الجسم رشاقة يمارس للخيل والأبل ، وللإنسان أيضا منعا من ترهل الجسم بسبب السمنة الزائدة . والصوم أهم وسيلة من وسائل التضمير . وفي لغة الجذور : الضُمْرُ والضُمُرُ: الهُزال وخفَّة اللحم. ضَمَرَ الفرس بالفتح يَضْمُر ضموراً. وضَمُرَ بالضم: لغة فيه. وأضْمَرْتُهُ أنا وضمَّرْتُهُ تضميرا، فاضطمر هو. الذي في وسطه بعض الانضمام. (م ر ض) : والمرض حالة اضطراب في مكونات الجسم ، وغالبا ما تكون كثرة الطعام سببا له ، وعلاجه غالبا بالحمية والصوم الجزئي أو الكلي ، والصوم الجزئي يعني الامتناع عن بعض أنواع الطعام ، مشاكلة مع التضمير و(الريجيم) . (ض ر م) : الضِرامُ بالكسر: اشتعال النار في الحَلفاء ونحوِها. والضِرامُ أيضاً: دُقاق الحطب الذي يُسرع اشتعالُ النار فيه. والضَرَمَةُ: السَعَفَةُ أو الشيحَةُ في طرَفها نارٌ. يقال: ما بها نافخ ضَرَمَةٍ، أي أحدٌ. والجمع ضَرَمٌ. والضَريمُ: الحريق. وضَرِمَ الشيء بالكسر: اشتدَّ حرُّه. وضَرِمَ الرجلُ، إذا اشتدَّ جوعه ، ولك أن تلاحظ هنا المصاهرة بين الجذر ( ض ر م) وما قبله من خلال شدة الحرارة المتولدة عن اتقاد النار . (ر ض م) : الرَضْمُ والرِضامُ: صخورٌ عظامٌ يُرْضَمُ بعضها فوقَ بعض في الأبنية، الواحدة رَضْمَةٌ. يقال رَضمَ عليه الصخرَ يَرْضِمُ بالكسر رَضْماً. ورَضَمَ فلانٌ بيتَه بالحجارة. والرضيم: البناء بالصخر. ورَضَمْتُ الأرضَ: أثرتُها للزرع. ورَضَمَ به الأرضَ، إذا جلَد به الأرض. ورَضَمَ البعيرُ بنفسه الأرض. وبرذون مَرْضومُ العصبِ: كأنّ عصبَه قد تشنَّج ، أي فيه مرض . وكذلك لنلاحظ قول العرب رضم الحجارة أي بناها كيفما اتفق بلا ترتيب ولا تنسيق وهو نوع من العمل نفعله على وهن بسبب المرض أو التعب أو العجز والكسل ، وهو ما يذكرنا بحالة الرجل الواهن والصائم والذي يخضع لحمية تضعف بدنه . (م ض ر) : وتطالعنا هنا المضيرة وهي طعام فقير بالمواد الغذائة ، حساء أو ثريد يسبب لمدمنه الهزال وهو ما يضعنا في صلب الجذور السابقة جميعها . قال صاحب اللسان : مَضَرَ اللَّبَنُ يَمْضُرُ مُضُوراً حَمُضَ وابْيَضَّ وكذلك النبيذ إِذا حَمُضَ ومَضَرَ اللبنُ أَي صار ماضِراً وهو الذي يَحْذِي اللسانَ قبل أَن يَرُوبَ ولبن مَضِيرٌ حامِضٌ شديد الحُموضة قال الليث يقال إِن مُضَر كان مُولَعاً بشربه فسمي مُضَرَ به قال ابن سيده مُضَرُ اسم رجل قيل سمي به لأَنه كان مولعاً بشرب اللبن الماضر وهو مُضَرُ بن نِزار بن مَعَدِّ بن عدنان وقيل سمي به لبياض لونه من مَضِيرة الطبيخ والمَضِيرَة مُرَيْقَة تطبخ بلبن وأَشياء وقيل هي طبيخ يتخذ من اللبن الماضر ، واللبن الماضر أقرب إلى الفساد وقيمته الغذائة متدنية، ومن هذه المعاني المجتمعة أخذ العرب اسم مضر للذكر واسم تماضر للأنثــى . وهكذا يتأكد لدينا مرّة بعد مرة سموّ لغة الضاد وشفافيتها ودقة معانيها من خلال الجدلية العلمية القائمة بين جذورها . هذا والله أعلم](https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEgGSm75o3kUI4zztN73rrTu6kdI4EcVSV-Q7IitYidGX0BPPcZqNUKFt0A-GbAXBhws2zHgPjqs7-1GJnuhl5Z5J3KJ8t8OTX14Pgo-DgvOcZEGNx7Cjok_9GZFqaG99qH3GwlVlba5BiETZjAqeDpbGcFMDEwdHK8wz14Vq3tBKtIorVjO-eHkubH6RQ/s16000-rw/2222.jpg)