مـركز المـرأة العـربية للتدريـب والبـحوث
"كــوثــر
واقع المرأة الصحافية في تونس
الـفـهـــــــرس
الجزء الأول : دراسة وصفية لواقع المرأة الصحافية في تونسمـقــدمــة
I - نشأة الصحافة في تونس
1. صحافيو فترة التأسيس
2. بروز الصحافة النسوية
II - دخول المرأة الميدان الصحفي : العوامل المساعدة
1. العامل السياسي
2. العامل الهيكلي
III - الصحافية التونسية : تجربة أجيال
1- نشأة الصحافة النسائية
أ- ما قبل الإستقلال
ب. فــتـرة ما بـعد الاستقـلال
ج. فترتا السبعينات والثمانينات
د. فترة التسعينات
III- موقع الصحافية في المشهد الإعلامي ككل
1. فترة ما بعد الإستقلال
2. فترة السبعينات والثمانينات
3. فترة التسعينات : مؤشرات كمية إيجابية
VI - استقطاب جمعية الصحافيين التونسيين للصحافيات
خـاتـمـــــة
الجزء الثاني : حوارات صحفية مع إعلاميات تونسيات في مواقع صنع القرار
القائمة البيبليوغرافية
الملحق 1 : أعلام الإعلاميات التونسيات
الـجـــزء الأول
دراسة وصفية لواقع المرأة الصحافية في تونس
مــقـدمـــــة
يعرف وضع الصحافية التونسية في الوقت الحالي تطورا إيجابيا ملحوظا على المستوى الكمي والنوعي. فقد تزايد عدد النساء العاملات في المجال الإعلامي تزايدا هاما خلال عقد التسعينيات وبداية الألفية الثالثة، إذ ارتفعت نسبتهن من 21% سنة 1992 إلى 34.38% سنة 2002، علما أن عددهن تضاعف أكثر من مرتين خلال هذه الفترة نفسها ومر من 141 صحافية إلى 327 صحافية. بل وأكثر من ذلك فإن عدد الصحافيات تفوق على عدد الصحافيين في بعض المؤسسات الإعلامية على غرار وكالة تونس إفريقيا للأنباء التي تعمل بها اليوم 66 صحافية مقابل 51 صحافيا فقط.
ولعله ليس أدل على التطور الإيجابي الذي شهده وضع الصحافيات في تونس إذا تعرضنا فقط إلى الصحافة المكتوبة وصحافة الوكالة، من تنامي عدد النساء اللواتي يتقلدن مناصب قيادية في مؤسسات صحفية، إذ تحتل اليوم مجموعة هامة من الصحافيات مناصب قيادية في مؤسسات إعلامية هامة. فقد تم خلال سنة 2003 تعيين امرأة على رأس جريدة "لابراس" اليومية الحكومية في منصب رئيس مدير عام الجريدة. كما تشغل صحافية منذ 1992 منصب نائبة أولى لرئيس التحرير في جريدة الشروق اليومية الخاصة وهي الجريدة الأكثر انتشارا في تونس. أما في وكالة تونس إفريقيا لللأنباء فوصل عدد الصحافيات اللواتي يشغلن مواقع مسؤولية إلى 20 امرأة خلال سنة 2003، تشغل إحداهن منذ سنة 2001 منصب مدير تحرير تناصفا مع رجل.
هذه هي المؤشرات البارزة عن وضع الصحافيات في تونس اليوم، وهي مؤشرات تعكس دون شك التطور الكمي والنوعي الذي أشرنا إليه في البداية. وهي أيضا مؤشرات تدفعنا دفعا من خلال هذه الدراسة للنبش في تاريخ دخول المرأة إلي الميدان الصحفي وبداية احترافها للمهنة الصحفية قصد الوقوف على كيفية بناء المسيرة الإعلامية للصحافية التونسية. وسيكون القسم الأول منها بناء على المنهج الذي حددته مؤسسة شرقيات لهذا البحث عن الصحافيات العربيات قسما وصفيا يحتوي كل الإحصائيات والمؤشرات المتعلقة بالصحافيات، فيما سنخصص قسما ثانيا من هذه الدراسة لعرض تجربة ثلة من الصحافيات التونسيات العاملات في الصحافة المكتوبة وفي وكالة تونس إفريقيا للأنباء اللواتي يتقلدن مواقع مسؤولية بالتركيز على كيفية وصولهن إلى هذه المناصب والصعوبات التي تواجههن، مع محاولة التعرف على المشاكل والعراقيل التي ترى هؤلاء الإعلاميات أن الصحافية تتعرض لها في عملها وتعيقها عن الوصول إلى مواقع قيادية في المؤسسات الصحفية وتحديد وجهة نظرهن في العوامل التي تساعد الصحافية في الوصول إلى هذه المراكز.
I - نشأة الصحافة في تونس
لا يمكن دراسة واقع المرأة الصحافية التونسية الأمس واليوم بمعزل عن تاريخ نشأة الصحافة في تونس وتسليط الضوء على مختلف المراحل التاريخية التي مرت بها، ومن ثمة التعرض إلى بدايات المرأة في الإعلام، وخاصة المبادرات النسائية الأولى وكذلك التعريج على تاريخ الصحافة النسائية في تونس والوقوف على المنعرجات التاريخية التي مرت بها تجربة المرأة التونسية في الميدان الصحفي وتحديدا العوامل التي ساعدت على اقتحامها الميدان الإعلامي وتكثيف نسبة تواجدها فيه، التي سجلت ارتفاعا ما انفك يتدعم ولم يعرف التراجع أبدا.
تاريخيا، تأخر ظهور الصحافة في تونس نسبيا بالمقارنة مع جهات أخرى في العالم. ولا يمكن تحليل أسباب هذا التأخير دون ربط السلطة السياسية في تونس بالسلطنة العثمانية التي خضعت لتنظيمها والتي أبدت احترازا إزاء تقنيات الإعلام الحديث. وكان لهذا الاحتراز تأثيره في عرقلة بروز الصحافة بصفة مبكرة في مختلف أرجاء العالم الإسلامي.
ويؤكد مؤرخو الصحافة التونسية أن جريدة "الرائد التونسي" هي أول جريدة تونسية ظهرت في البلاد. وقد صدر العدد الأول منها يوم 22 جويلية 1860، أي قبل انتصاب الحماية الفرنسية بتونس بعشرين سنة تقريبا. وتعتبر هذه الجريدة واحدة من آليات التحديث التي أدخلها المصلحون التونسيون على البلاد، على غرار إنشاء المطبعة الرسمية وإدخال التلغراف وإحداث المدرسة الحربية وهيكلة الإدارات التونسية...
وانطلاقا من مقاربة سياسية قانونية لتاريخ الصحافة في تونس في مرحلة التأسيس، عرفت الصحافة التونسية في علاقتها بالسلطة عدة محطات. تميزت المرحلة الأولى بالتحول من نظام منع الصحافة والطباعة إلى نظام الاحتكار. فقد بقيت تونس حتى النصف الأول من القرن التاسع عشر تخضع لنظام منع إصدار الصحف وإنشاء المطابع، غير أنه بعد أن أنشأ الإنجليزي "ريشار هولت" المطبعة الرسمية، شرع في شهر أفريل 1860 في إصدار الجريدة الرسمية باللغة الإيطالية ثم ظهرت جريدة الرائد التونسي باللغة العربية.
أما المرحلة الثانية في تاريخ الصحافة التونسية، فتميزت بالتحول من نظام الاحتكار إلى نظام الترخيص المسبق في إصدار الصحف. وخضعت الصحافة في مرحلة ثالثة إلى نظام الحرية، إلا أن هذه الحرية كانت مقيدة بضمان مالي فرضته السلطة كشرط أولي لإصدار الصحف. وفي مرحلة رابعة سعت السلطة إلى رفع هذا القيد المالي. وبفضل رفع الضمان المالي سنة 1887، صدرت أولى الجرائد التونسية الخاصة الناطقة باللغة العربية، من أهمها "نتائج الأخبار" و"الحاضرة" و"القصبة" (1888). وبإلغاء نظام الضمان المالي نهائيا، في مرحلة خامسة، فتحت الآفاق واسعة لنمو الصحافة الصادرة باللغة العربية التي حققت رقما قياسيا سنة 1910، إذ بلغت 11 عنوانا. وعموما فقد صدرت 54 دورية ناطقة باللغة العربية بين 1904 و1911. كما عرفت الصحافة العبرية والإيطالية والفرنسية أساسا أخصب فترة لها في تاريخ صدورها في تونس.
1. صحافيو فترة التأسيس
لم يكن رواد الإعلام في بدايات الصحافة في تونس من صنف المحترفين. فهم لم يبعثوا صحفهم للارتزاق منها ولم يمثلوا بالتالي فئة مهنية متميزة إلا في مرحلة متأخرة من تطور الصحافة1. وقد كان أغلب الصحافيين في البداية من الكتاب. وبعد صدور أول مجلة للصحافة في تونس سنة 1884، ظهر نوع جديد من الإعلاميين التونسيين الذين دخلوا ميدان الصحافة بدافع المصلحة المادية. وحرصت السلطة على التدخل لتنظيم نشاط هؤلاء الإعلاميين، فسلمتهم بطاقات تعريف تلغرافية. وامتاز الصحافيون التونسيون الأوائل بحركيتهم المكثفة وتنقلاتهم العديدة بين البلدان الأوروبية ودول المشرق. ومع أنه لاتوجد أي إشارة إلى مشاركة النساء في الكتابة أو امتهانهن الصحافة ولو بصفة ظرفية أو غير منتظمة خلال هذه المرحلة التاريخية، فإن الأقرب إلى الظن أن المرأة لم تكن بعد قد مارست النشاط الصحفي في فترة لا تزال فيها حبيسة المنزل ولم تحظ بأبسط حقوقها.
وبعد أن انتهى نظام الاحتكار وأصبح الميدان الصحفي مجالا مفتوحا للخواص، أصبح بالإمكان التمييز بين صنفين من الإعلاميين، صنف دخل الصحافة في إطار مبادرة إعلامية جماعية سواء حكومية أو خاصة وصنف آخر دخل الصحافة بمبادرة فردية. ويختلف هذين الصنفين من الإعلاميين في أغراضهم من ممارسة الصحافة وظروف عملهم الصحفي. وتمثلت المبادرات الجماعية في جريدة الرائد التونسي التي استقطبت الرواد الأوائل للصحافة وجريدة الحاضرة منذ سنة 1888 التي استقطبت صنفا ثانيا من أصحاب الأقلام التونسيين. وهناك أيضا صحافة حركة الشباب التونسي التي استقطبت منذ 1907 جيلا جديدا من الإعلاميين التونسيين.
أما المبادرات الإعلامية الفردية، فازدهرت خاصة بعد الإلغاء النهائي للنظام المالي. وتميزت هذه الفترة خصوصا ببداية الاحتراف الصحفي. ومن بين الصحف الصادرة بمبادرات فردية "نتائج الأخبار" (1888) و"لسان الأمة" (1906) وجريدة "الزهرة" التي تمكنت من الصدور بصفة متواصلة ودون انقطاعات كبيرة من 1890 إلى 1959. والملاحظ هنا أنه لاتوجد إلى حد هذه المرحلة من تاريخ الصحافة التونسية أي مبادرة نسائية فردية. كما غاب انخراط المرأة في المبادرات الصحفية الجماعية.
2. بروز الصحافة النسوية
بالاستناد إلى بعض المراجع والكتب التي أرّخت لبدايات الصحافة في تونس، يمكن القول إن نهايات القرن التاسع عشر شكلت فترة التأسيس لصحافة محترفة في تونس، غابت فيها كليا مشاركة المرأة في الميدان الصحفي. وقد اعتبرنا هنا أن الصمت عن الإشارة إلى مساهمات المرأة في الكتابة الصحفية خلال هذه المرحلة التاريخية يفسر أصلا بغياب مساهمتها في هذا المجال. وبناء عليه وتماشيا مع طبيعة موضوعنا المهتم بالصحافيات في تونس يمكن اعتبار هذه الفترة من الزمن وإلى حدود عشرينيات القرن الماضي، مرحلة أولى في تاريخ الصحافة التونسية. وسنعتبرها مرحلة اقتصرت فيها ممارسة المهنة الصحفية على الرجال
وسنعتبر أن بدايات العقد الثالث من القرن العشرين تمثل بداية مرحلة ثانية في تاريخ الصحافة التونسية، تتميز بظهور صحافة نسوية، وإن كانت غير تونسية، تدافع عن حقوق النساء وحرياتهن ومساهمة بعض النسوة في الكتابة وإن كن أيضا في البداية من الأجنبيات. فهذين العاملين، أي ظهور الدوريات المهتمة بمواضيع المرأة ومشاركة المرأة في الكتابة كان لهما أفضل الأثر في دخول المرأة إلى عالم الصحافة.
هذه المرحلة التاريخية الثانية في تاريخ الصحافة التونسية التي تتميز بدخول المرأة إلى جانب الرجل إلى الميدان الصحفي، ستتضح ملامحها خاصة بعد حصول البلاد على الاستقلال، وذلك بفضل مجموعة من العوامل التي ساهمت مجتمعة في تدعيم حضور المرأة في الصحافة المكتوبة وكذلك دخول مجالات إعلامية أخرى على غرار الإعلام السمعي البصري وصحافة الوكالة. وهكذا فإننا سنحاول انطلاقا من هذه الدراسة الوصفية لوضع الصحافيات التونسيات تسليط الضوء على العوامل المساعدة على تدعيم حضور المرأة على مستوى المؤسسات الإعلامية، خلال تلك المرحلة الجديدة من تاريخ تونس، الفترة الموالية للاستقلال وإلى اليوم، وبالتالي إبراز المنعرجات التاريخية التي عرفتها التجربة الصحفية النسائية.
II - دخول المرأة الميدان الصحفي : العوامل المساعدة
ساهمت عديد العوامل مجتمعة في مزيد بلورة صحافة محترفة في تونس إبان الاستقلال. كما تزايد عدد المؤسسات الصحفية وعدد الممارسين لهذه المهنة. ولعل المؤشر البارز خلال هذه المرحلة من تاريخ الصحافة التونسية هو احتراف المرأة التونسية للمهنة الصحفية. فأغلب المصادر التي كتبت في هذا المجال أشارت إلى أن السيدة درة بوزيد تعد أول صحافية محترفة في تونس وهي أول امرأة كتبت في جريدة الصباح، وذلك سنة 1951 من خلال مقال عن الفتيات الطالبات. وقد بدأت هذه الصحافية تجربتها المحترفة قبل الاستقلال بفترة بسيطة من خلال إشرافها على العدد الثاني من الركن المخصص للمرأة "ليلى تخاطبكم" الصادر ضمن جريدة "لاكسيون" في 13 جوان 1955.
ووجبت الإشارة في هذا الصدد إلى أن مختلف العوامل التي سنأتي على ذكرها هي عوامل ساهمت في تدعيم المهنة الصحفية ككل، ولكنها ساهمت أيضا في تدعيم حضور المرأة في الميدان الصحفي. كما أننا سنقتصر على العوامل التي هي في علاقة مباشرة بالمهنة الصحفية ولن نتطرق إلى العوامل الأخرى التي كان الهدف منها النهوض بأوضاع المرأة ككل، على غرار صدور مجلة الأحوال الشخصية وتزايد تعليم المرأة... وتتمثل هذه العوامل في الدور الجديد الذي أصبحت تضطلع به الصحافة بعد الاستقلال، الاهتمام بمسألة تكوين الصحافيين، تطور النظام القانوني والتنظيمي للصحافة في تونس، إضافة إلى تزايد عدد الصحف والدوريات الصادرة وانتعاش وظهورمؤسسات إعلامية أخرى...
1. العامل السياسي
أصبح للصحافة في تونس بعد الاستقلال دور سياسي يتمثل في دعم الوحدة القومية وسيادة الدولة ودور اقتصادي واجتماعي يتمثل في المشاركة في معركة التنمية. واهتمت السلطة بالإعلام من خلال دعمها للهياكل الإدارية المكلفة بتنظيم هذا القطاع ومراقبته. فقد أنشأت منذ 31 ماي 1956 كتابة دولة للإعلام. وارتبط قطاع الإعلام منذ 1961 بقطاع الثقافة نظرا للدور الثقافي والتربوي الموكول له في تلك الفترة.
ولئن ظل الإعلام في تونس إلى حدود نهاية الربع الأول من القرن العشرين يقتصر على المكتوب، فإنه منذ سنة 1924 انضاف الإعلام الإذاعي الذي انطلق بصفة تجريبية واقتصر في بداياته على القطاع الخاص. وبدأ البث الإذاعي بصفة رسمية سنة 1937، تاريخ حصول إذاعة تونس على ترخيص قانوني للإرسال.
وفي 31 مارس 1957 انتقلت الإذاعة إلى الملكية التونسية وأصبحت تسمى الإذاعة والتلفزة التونسية. وما انفكت هذه المؤسسة الوطنية تضاعف نشاطها وتطور خدماتها. وهي تمتلك حاليا خمس محطات إذاعية جهوية وقناة تلفزية للشباب. كما تأسست بعد استقلال البلاد بخمس سنوات، وكالة تونس إفريقيا للأنباء (وات) في غرة جانفي 1961. وقد قامت منذ خطواتها الأولى بدور كبير في مجال الإعلام جعلها تشتهر بسرعة في أوساط الصحافة الدولية. وتبث وات أخبارها بصفة مستمرة وباللغتين العربية والفرنسية. وقد استقطبت هاتين المؤسستين المرأة وعملتا باستمرار على تدعيم الحضور النسائي فيها.
وعلى مستوى الصحافة المكتوبة، تزايد بعد الاستقلال عدد الدوريات الصادرة. كما برزت أيضا الصحافة المتخصصة، فازدهر الإعلام الثقافي حيث صدرت مجلة "الفكر" سنة 1955 وتواصلت إلى 1986. كما ظهرت سنة 1961 مجلة "التجديد" وازدهر كذلك الإعلام التربوي والبيداغوجي، إذ صدرت مجلة "التربية الشاملة" سنة 1967 و"المجلة التونسية لعلوم التربية" سنة 1975. أما في مجال الإعلام الاقتصادي، فبرزت مجلة "الأخبار الإقتصادية" سنة 1975 ومجلة "الإقتصادي" سنة 1970 و"الإعلام الصحي".
2. العامل الهيكلي
أما على مستوى التكوين المهني للإعلاميين، فقد اهتمت الدولة منذ السنوات الأولى للاستقلال بمسألة تكوين الصحافيين وقد أحدثت في 15 نوفمبر 1956 معهدا للصحافة يؤمن تكوينا مدته عشرة أشهر. غير أن تجربة التكوين قصير المدى هذه لم تعمر طويلا واضطر المعهد إلى غلق أبوابه في شهر جوان 1956. ورغم هذا الاخفاق، واصلت الدولة الاهتمام بتكوين الصحافيين من خلال توفير المنح لمتابعة دراسة الصحافة في الخارج إلى أن تم إحداث معهد علي باش حانبة في شهر أفريل من سنة 1964 الذي كان في الوقت نفسه يكون محافظي المكتبات والموثقين وأعوان مختصين في الإحصاء. وكانت دروس معهد علي باش حانبة مفتوحة إلى الأشخاص العاملين في مهنة الصحافة في مرحلة أولى بهدف رسكلتهم وتحسين خبراتهم، وإلى المترشحين الحاملين لشهادة البكالوريا والذين اتجهوا نحو دراسة الصحافة في مرحلة ثانية.
وارتقى هذا المعهد سنة 1967 إلى مؤسسة جامعية للتعليم العالي تسمى معهد الصحافة وعلوم الإخبار. وظل طوال ست سنوات تقريبا يؤمن تكوينا تكميليا، ذلك أنه للتمكن من متابعة الدراسة بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار، لابد أن يكون المترشح حاملا لشهادة البكالوريا أو لشهادة مماثلة وخاصة أن يكون مسجلا في إحدى الكليات بهدف إعداد إجازة في اختصاص آخر. وبداية من سنة 1973 أصبح التكوين في معهد الصحافة مستقلا بذاته لا يتطلب تكوينا موازيا. ومن أجل مزيد تحسين المستوى العلمي والمهني للصحافيين بعث المركز الإفريقي لتدريب الصحافيين والإعلاميين سنة 1982. وهو يتولى تنظيم دورات تكوينية وتدريبية للصحافيين التونسيين والعرب والأفارقة.
وتجب الإشارة هنا إلى أن الدفعات الأولى من خريجي معهد الصحافة وعلوم الإخبار في صيغته الأولى أو الثانية لم يكن من ضمنها نساء. ويشير دليل خريجي معهد الصحافة إلى أن أول دفعة كان من بين خريجها امرأة هي دفعة سنة [3]1975.
جدول 1 : حضور النساء في الدفعات الأولى من خريجي معهد الصحافة وعلوم الإخبار
السنة | الخريجون | الخريجات | المجموع |
1969 | 4 | 0 | 4 |
1971 | 7 | 0 | 7 |
1972 | 14 | 0 | 14 |
1973 | 15 | 0 | 15 |
1974 | 11 | 0 | 11 |
1975 | 9 | 1 | 10 |
1976 | 21 | 6 | 27 |
1977 | 28 | 7 | 35 |
1978 | 54 | 15 | 69 |
المصدر : دليل خريجي معهد الصحافة وعلوم الإخبار، وثيقة غير منشورة.
يبين الجدول أن تركيبة خريجي معهد الصحافة وعلوم الإخبار عرفت تغيرا خلال دفعتي 1977 و1978، إذ ضمت هذين الدفعتين عددا لابأس به من النساء. فقد بلغ عدد الخريجات سنة 1977 حوالي خمس مجموع الخريجين، فيما فاقت نسبتهن الخمس خلال سنة 1978. والمعلوم أن هاتين الدفعيتن هما الدفعتين الأولى والثانية لخريجي معهد الصحافة بعد أن أصبح يقدم تكوينا مستقلا بذاته دون الحاجة إلى الحصول على إجازة موازية. وتجب الإشارة أيضا إلى أن أغلب اللواتي حصلن على الأستاذية في الصحافة وعلوم الإخبار يعملن في الوقت الحالي في ميدان الصحافة.
كما عملت السلط العمومية على المستوى التنظيمي، على تحديد هوية الصحافيين المحترفين ومنحهم بطاقة تعريف مهنية خاصة بهم. وتضمنت مجلة الشغل التونسية المؤرخة في 30 أفريل 1966 بابا خاصا بالصحافيين المحترفين وحقوقهم وواجباتهم المهنية. كما تأسست جمعية الصحافيين التونسيين في سنة 1962، للدفاع عن الحقوق المعنوية لهؤلاء الصحافيين.
وبخصوص التنظيم القانوني للصحافة، فالمعلوم أن قضية حرية الصحافة طرحت منذ سنة 1884. فقد كان لزاما في ذلك الوقت تنظيم قطاع الصحافة على أسس واضحة بعد تزايد عدد الصحف المتحصلة على رخص وقتية. وصدر بالفعل سنة 1884 أول قانون للصحافة في تونس مستوحى من القانون الفرنسي مع بعض التعديل (الضمان المالي). وبعد حركة مد وجزر عرفها صدور الصحف في تونس، تم سن ثاني مجلة للصحافة سنة 1922. وإبان الاستقلال مباشرة وتماشيا مع هذا الحدث الهام الذي عرفته البلاد وما خلقه من رؤى جديدة، تم سن ثالث مجلة للصحافة وذلك سنة 1956. وصدرت المجلة الرابعة والأخيرة في تاريخ الصحافة التونسية في 25 أفريل 1975 التي لا تزال إلى اليوم سارية المفعول. وتم تنقيح هذه المجلة الأخيرة ثلاث مرات.
وبصدور رابع مجلة للصحافة في تونس والتي حاولت أن تخلق مناخا جديدا لممارسة المهنة الصحفية، عرفت الصحافة المكتوبة على وجه التحديد حركية هامة منذ أواسط العقد السابع. فظهرت عدة صحف إخبارية جديدة قام بإصدارها الخواص مثل "الأيام" و"المسيرة" و"الناس" و"تونس هبدو". كما ظهرت منذ بداية الثمانينات عدة صحف ومجلات مستقلة مثل جريدة "لوفار" ومجلة "المغرب العربي" ومجلة "حقائق". والملاحظ أن عددا كبيرا من هذه الدوريات توقف عن الصدور، فيما لا يزال البعض منها متواصلا إلى اليوم.
وهكذا تطورت تدريجيا وضعية الصحافيين المحترفين من حيث العدد والمستوى الثقافي والتكوين والتنظيم المهني وبدأت المهنة الصحفية تفرض نفسها في تونس كمهنة لها خصوصياتها وتسعى لتدعيم استقلاليتها. وبلغ عدد الصحافيين المحترفين المتحصلين على البطاقة المهنية 220 صحافيا سنة 1972 وارتفع هذا العدد سنة 1987 ليبلغ 427 صحافيا. ويتوزع الصحافيون على المؤسسات الإعلامية سنة 1987 على النحو التالي : 97 صحافيا في الإذاعة والتلفزة بنسبة 22.6 بالمائة و128 صحافيا في وكالة تونس إفريقيا للأنباء بنسبة 30 بالمائة. وتستوعب الصحف التونسية اليومية 149 صحافيا بنسبة 35 بالمائة. أما بقية الصحافيين، فتستوعبهم الصحف الأسبوعية ووسائل الإعلام الأخرى. أما بخصوص توزيع الصحافيين حسب الجنس، فيتضح أن مهنة الصحافة بقيت إلى سنة 1987 مهنة ذكور، باعتبارها تستوعب 371 صحافيا بنسبة 87 بالمائة و56 صحافية بنسبة 13 بالمائة،[4] علما أن نسبة الصحافيات كانت في حدود 11 بالمائة سنة 1997 [5].
وتطورت كل هذه النسب خلال عقد التسعينيات. فقد بلغ مجموع عدد الصحافيين 730 خلال سنة 1994، من بينهم 164 صحافية بنسبة 22.5 بالمائة. ويتوزع هذا العدد حسب المؤسسات الإعلامية على النحو التالي : 17.9 بالمائة يعملون في الصحافة المكتوبة و25.6 بالمائة في وكالة تونس لإفريقيا للأباء و33.5 بالمائة في مؤسسة الإذاعة والتلفزة التونسية. واستمر عدد الصحافيين المحترفين في تطور مستمر وبلغ سنة 2002، 951 صحافيا يعملون بمختلف المؤسسات الإعلامية من بينهم 327 صحافية بنسبة 34.38 بالمائة. وتشغل مؤسسة الإذاعة والتلفزة التونسية النسبة الأكبر من هؤلاء الصحافيين 45.8 بالمائة وتستقطب وكالة تونس إفريقيا للأنباء 41.9 بالمائة ، فيما تشغل الصحافة المكتوبة العدد الأقل من الصحافيين بنسبة 15.7 بالمائة.
III - الصحافية التونسية : تجربة أجيال
في بداية عهد الحماية عاشت المرأة مهمشة ومحرومة من ممارسة أبسط حقوقها. وكان للمصلحين التونسيين ومن أهمهم الطاهر الحداد دور متميز في تاريخ المرأة التونسية. فبعد صدور كتابه "امرأتنا في الشريعة والمجتمع" بدأت المرأة التونسية تعي دورها وتعرف حقوقها فتطالب بها. واكتفت، في البداية، بعقد الاجتماعات النسائية ثم شاركت في الحياة السياسية والنضال من أجل الاستقلال.
وانعقد أول اجتماع نسائي يوم 20 فيفري 1932 بدار الخلصي بتونس العاصمة لإنشاء جمعية نسائية. وبعد ذلك تعددت الاجتماعات النسائية في العاصمة وضواحيها. ومع أواخر الثلاثينات دخلت المرأة معترك النضال السياسي، فشاركت بالخصوص في المظاهرات التي نظمها الحزب الدستوري الجديد يوم 8 أفريل 1938. وساهم دخول المرأة معترك النضال السياسي ومشاركتها في حركة المقاومة وعقدها للاجتماعات النسائية في مزيد توعية المرأة بحقوقها. فسعت للمطالبة بها والنضال من أجلها بعدة وسائل، من بينها الدوريات النسوية التي تنزع إلى تحسين وضع المرأة في المجتمع بتوسيع دائرة حقوقها. وتعتبر الدكتورة توحيدة بالشيخ أول امرأة في تونس تصدر صحيفة نسوية تونسية في سنة 1936 بعنوان "ليلى"، مع أن مصادر أخرى تشير إلى أن مجلة ليلى صدرت سنة 1941 وقد أصدرها رجل.
وواصلت المرأة عملها الوطني في كنف السرية ضمن حركة المقاومة إلى حين حصول البلاد على الاستقلال[6]. وتدعم نشاط الحركات النسائية بعد الحرب العالمية الثانية وذلك بفضل انتشار الوعي أكثر فأكثر لدى الفئات الاجتماعية وارتفاع عدد المثقفات، فسعت نساء أخريات إلى الدفاع عن حقوق المرأة وحرياتها عن طريق الكتابة في مواضيعها لخلق الالتفاف حولها، لكن هذه الكتابات لم ترتق بعد إلى درجة الاحتراف الصحفي. وفي سنة 1944 أنشأ الحزب الشيوعي التونسي منظمتين نسائيتين تضمان منخرطات من جنسيات وديانات مختلفة هما اتحاد نساء تونس واتحاد فتيات تونس. وأصدرت كل منظمة سنة 1945 مجلة باللغة الفرنسية. ولعل الملاحظة البارزة التي يمكن تسجيلها إلى حدود هذا الظرف التاريخي هي أن مهنة الصحافة ظلت حكرا أو تكاد على الرجال، فحتى الكتابة في مواضيع المرأة بغرض الدفاع عن حقوقها كاد يقتصر على عدد من الرجال.
1- نشأة الصحافة النسائية
برزت اللبنات الأولى للصحافة النسائية في تونس مع الأحداث الوطنية قبل الاستقلال وعبرت عن قضايا المرأة آنذاك. وشاركت فرنسيات مقيمات بتونس في عهد الحماية في إصدار نشريات من بينها "Bulletin du comité des dames amies de Carthage" التي استمرت من 1921 إلى 1924. و"Fleurs de Tunisie" التي استمرت من سنة 1933إلى سنة 1935وهي نشرية أصدرتها جمعية الشباب الكاثوليكي النسائي بتونس. و"Jeunesse Catholique Féminine de Tunisie". كما صدرت عناوين أخرى مثل "Pour Dame" (1937 – 1938) و"Bien Aimée" و"Femme de Tunisie".
أ- ما قبل الإستقلال
أما بخصوص صدور أول صحيفة نسائية في تونس، فقد اختلفت المصادر والمراجع في تحديد تاريخ صدورها ومؤسسها. ففي حين تشير بعض المصادر إلى أن تاريخ صدور هذه الصحيفة التي تسمى "ليلى" يعود إلى سنة 1936 وأن مؤسستها هي توحيدة بالشيخ وأن هذه الصحيفة تواصلت إلى جويلية 1946، فإن مصادر أخرى تؤكد أن "ليلى" أول صحيفة نسائية في تونس صدرت في نوفمبر 1940 وتوقفت قبل بلوغ عامها الأول، وذلك في جويلية 1941 وكان مؤسسها رجل وهو محمد زروق. ولكن مهما يكن من أمر فجميع المصادر تؤكد أن "ليلى" هي بالفعل أول دورية تهتم بمجالات المرأة صدرت في تونس وأن توحيدة بالشيخ عملت في هذه الصحيفة، مما ساهم في مزيد تشجيع التونسيات على اقتحام الميدان الصحفي وشجع على إصدار دوريات نسائية أخرى.
كما أصدر الاتحاد النسائي التونسي بعد الحرب العالمية الثانية مجلة "نسـاء تونـس" "Femme de Tunisie" في مارس 1945 وتواصلت إلى جـوان 1946. وأصدر اتحـاد فتيـات تونـس من جهته مجلة "فتيـات تونـس" "Jeune fille de Tunisie" في أكتوبر 1945 وتواصلت إلى جوان 1946. وصدرت في أواخر عهد الحماية في تونس مجلة نسائية تونسية أخرى بعنوان "الإلهام"، دامت من مارس 1955 إلى جانفي 1956.
ب. فــتـرة ما بـعد الاستقـلال
وتطورت بعد الاستقلال الصحافة النسائية والصحافة المهتمة بمجالات المرأة في تونس. فبرزت تجارب أخرى، منها مجلة "فايزة" التي أصدرتها سنة 1959 درة بوزيد وصفية فرحات. ومجلة "فايزة" هي دورية نسائية شهرية صدرت في البداية باللغتين العربية والفرنسية، ثم أصبحت تصدر باللغة الفرنسية فقط. وتعتبر هذه المجلة أول مجلة نسائية ناطقة باللغة الفرنسية تصدر في تونس والعالم العربي وإفريقيا. ودامت "فايزة" تسع سنوات، إذ تواصل صدورها إلى ديسمبر 1967.
وتجدر الإشارة إلى أن درة بوزيد أشرفت، قبل تأسيس مجلة "فايزة"، على ركن خاص بالمرأة كان يصدر ضمن جريدة "لاكسيون" الأسبوعية التي أسسها البشير بن يحمد، وهو ركن بعنوان "ليلى تخاطبكم" وأصبح فيما بعد بعنوان "لاكسيون فيمنين" كما أصبح يصدر في صفحة كاملة. وتواصل صدور هذا الركن ضمن هذه المجلة من ماي 1955 إلى 1961. وتعتبر "ليلى تخاطبكم" التي أصبحت فيما بعد "لاكسيون فيمنين" أول دورية نسائية تصدر في تونس المستقلة[7].
كما أصدرت زكية قاوي سنة 1960 جريدة نسائية أسبوعية باللغتين العربية والفرنسية بعنوان "صوت المرأة"، لكن هذه الجريدة لم تعمر طويلا. وأولى الاتحاد النسائي التونسي بدوره اهتماما بالصحافة النسائية وأصدر منذ 15 ديسمبر 1961 مجلة نسائية شهرية بعنوان "المرأة"، وهي مجلة لا تزال تصدر إلى اليوم. وظهرت في أواخر الستينيات مجلة نسائية بعنوان "سلوى"، لكنها لم تعمر طويلا، إذ دامت من 1968 إلى 1969.
وتعتبر الفترة الموالية للاستقلال منعرجا حقيقيا في تاريخ الصحافة التونسية ككل وفي تاريخ المرأة الصحافية على وجه الخصوص. فاعترافا بتضحيات المرأة التونسية ونضالها ضد الاستعمار ومساندتها للحركة الوطنية وإيمانا بدورها الهام في المجتمع وكذلك في الحياة العامة، منحت أول حكومة في تونس المرأة جملة من الحقوق والامتيازات اعتبرت ريادية في تلك الفترة. وساهمت كل الإجراءات التي تم اتخاذها لفائدة المرأة في اقتحامها جميع الميادين ومنها الميدان الإعلامي. فإلى جانب الإعلاميين الذين برزوا في مجال الصحافة المتخصصة، تميزت الساحة الصحفية، بعد الاستقلال، ببروز عدة إعلاميات كان لهن دور متميز في بعث وتحرير بعض الصحف.
وتعتبر درة بوزيد من رائدات الصحافة وأول صحافية محترفة في تونس. فقد ساهمت في تحرير جريدة "لاكسيون" التي أصدرها البشير بن يحمد سنة 1955، وهي جريدة سياسية خصصت ركنا للمرأة، تولت الصحافية درة بوزيد الإشراف عليه منذ صدور العدد الثاني منه. ولما أسست الرسامة صفية فرحات مجلة فايزة سنة 1959 بمبادرة فردية، تولت درة بوزيد الإشراف على هذه المجلة النسائية التي تصدر في لغتين العربية والفرنسية وساهمت في تأسيس أركانها على مستوى التحرير.
وساهمت درة بوزيد أيضا في إدخال عدد من النساء إلى المجال الصحفي على غرار زهرة حنابلية وزهرة العامري وصفية بداي. ثم ساهمت في تحرير مجلة "كونتاكت" عام 1973 وجريدة "تونس هبدو" منذ عام 1976 وجريدة "لوفار" المستقلة منذ عام 1980 وجريدة "هبدو توريستيك".
وأصدرت عايشة الشايبي مجلة أدبية ثقافية منوعة باللغة الفرنسية عنوانها "الخنساء" منذ أفريل 1971. كما أصدرت آمنة بلخوجة مجلة اقتصادية عنوانها "Publi Magazine" منذ جانفي 1976. وأصدرت شريفة شوباني ثم جويدة السلامي باسم جمعية قدماء معهد الباشا مجلة فصلية منذ جانفي 1985 عنوانها ملتقى الأجيال. وأصدرت آمنة بلحاج يحي منذ أفريل 1985 مجلة شهرية نسائية ثقافية عنوانها "نساء" باللغتين العربية والفرنسية[8].
وهكذا نلاحظ أن المبادرات الصحفية النسائية تأخرت بالمقارنة مع المبادرات الصحفية الرجالية التي ظهرت في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، تاريخ بداية الاحتراف الصحفي في تونس. ويبقى تأخر مبادرة النساء بإصدار صحف في علاقة بتأخر احترافهن لمهنة الصحافة.
ج. فترتا السبعينات والثمانينات
وبعد التحول الليبرالي الذي شهدته تونس منذ السبعينيات، صدرت دوريات نسائية جديدة. فقد أصدرت عائشة الغربي مجلة "الخنساء" منذ عام 1971. وفي سنة 1972 صدرت ضمن جريدة لابراس صفحة نسائية أسستها درة بوزيد وفي 1974 أصدر العربي الوصيف مجلة فصلية للموضة باللغة الفرنسية عنوانها "برومود" "Promode"، تواصلت إلى سنة 1978. وفي الفترة نفسها أصدرت ليلى مامي التي كانت تعمل ضمن هيئة تحرير "برومود" مجلة "Femina" باللغة الفرنسية أيضا وتواصلت هذه المجلة من شهر نوفمبر 1974 إلى شهر أوت 1976. كما ظهرت مجلة "فريدة" التي أصدرها الطاهر بن مصطفى في شهر ماي من سنة 1975، إلا أنها لم تعمر طويل وتوقفت في فيفري 1976 [9].
وتطورت الحركة النسائية في تونس خلال فترة الثمانينيات. ونتيجة لهذا التحول، ظهرت عناوين جديدة من بينها "ملتقى الأجيال" التي أصدرتها جمعية قدماء معهد نهج الباشا للفتيات سنة 1984 وهي مجلة فصلية باللغتين العربية والفرنسية. كما ظهرت مجلة أخرى بعنوان "نساء" التي صدر العدد الأول منها في شهر أفريل سنة 1985، وهي مجلة شهرية ناطقة باللغتين العربية والفرنسية. أصدر هذه المجلة فريق من النساء التقدميات وهو الذي بعث فيما بعد جمعية النساء الديمقراطيات. وتوقفت "نساء" عن الصدور سنة 1987. وفي هذه السنة نفسها أصدرت وزارة المرأة التي تأسست سنة 1983 مجلة فصلية ناطقة باللغتين العربية والفرنسية عنوانها "المرأة والأسرة والسكان"، أسستها فتحية مزالي، أول امرأة وزيرة في الحكومة التونسية.
د. فترة التسعينات
وعلى إثر تحول السابع من نوفمبر 1987، صدرت عناوين جديدة في مجال الصحافة النسائية من بينها وفي سنة 1988 أصدرت وحيدة بلحاج مجلة شهرية ناطقة باللغة الفرنسية بعنوان بلوريال، ولكنها انقطعت عن الصدور بعد سنة فقط. وفي سنة 1989 صدرت مجلة بعنوان النصف النابض وتوقفت عن الصدور في السنة نفسها. كما ظهرت في شهر سبتمبر 1990 مجلة شهرية بعنوان "سوار" يصدرها الطيب الملي، وهي مجلة غير منتظمة الصدور.
كما صدرت في السنة نفسها مجلة بعنوان "البيت الكبير" كما أصدر مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة في شهر أوت 1991 مجلة فصلية ناطقة باللغتين العربية والفرنسية تحمل عنوان "أخبار الكريديف". وفي بداية 1996 ظهرت مجلة "نيونس" "Nuance"، وهي مجلة لا تزال تصدر إلى اليوم. وأصدر الاتحاد الوطني للمرأة التونسية في شهر أوت 1997 نشرية ناطقة باللغتين العربية والفرنسية تحت عنوان أخبار المرأة، لم يصدر منها إلا ثلاثة أعداد. وصدرت آخر مجلة نسائية في تونس في شهر ماي 1998، وهي مجلة المرأة وحقائق التي أسستها درة بوزيد صلب المجلة الأسبوعية "حقائق". وتصدر هذه المجلة باللغة الفرنسية كل شهر[10].
والملاحظ أنه منذ الاستقلال إلى سنة 1994 ظهرت 14 دورية نسائية لم يبقى منها إلا خمس دوريات غير منتظمة الصدور، عدا مجلة المرأة التي تفتقد إلى أسرة تحرير قارة. وهناك ملاحظة أخرى تعكس مفارقة هامة بالنسبة إلى واقع الصحافة النسائية في تونس، فأول مجلة نسائية نسوية محترفة خاصة، وهي مجلة "فايزة"، أسستها درة بوزيد سنة 1959. كما أن آخر مجلة من هذا النوع، وهي "المرأة وحقائق"، أسستها درة بوزيد أيضا سنة 1998، أي بعد مضي 40 سنة تقريبا، وفيما عدا ذلك لم يسجل المشهد الإعلامي في تونس صدور أي دورية نسائية إلا تلك التجارب التي لم تعمر طويلا أو تلك الدوريات الصادرة عن منظمات أو مؤسسات معينة بمجالات المرأة، على غرار مجلة "المرأة" التي أصدرها الاتحاد الوطني للمرأة التونسية سنة 1961 أو "أخبار الكريديف" التي أصدرها مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة سنة 1991.
III- موقع الصحافية في المشهد الإعلامي ككل
عرفت المرأة التونسية عموما قبل الاستقلال سياسة التهميش، إلا أن بروز عدد من رجال الإصلاح، على غرار عبد العزيز الثعالبي والطاهر الحداد، نادوا بضرورة تحرير المرأة وتمكينها من حقوقها، جعل هذه الأخيرة تعي حقوقها وتطالب بها. وقد عقدت لأجل ذلك الاجتماعات واللقاءات وأسست المنظمات والاتحادات النسائية وأصدرت المجلات النسائية، وذلك منذ بداية الثلاثينيات وإلى أن حصلت البلاد على الاستقلال. فقد تم إصدار مجلة "ليلى" التي أشرفت عليها توحيدة بالشيخ وتولت درة بوزيد الإشراف على "ليلى تخاطبكم" التي تصدر ضمن جريدة "لاكسيون" قبل استقلال بفترة وجيزة.
1. فترة ما بعد الإستقلال
وحصلت المرأة التونسية بعد الاستقلال بفضل عديد الاجراءات التي اتخذتها الدولة لفائدتها، اعترافا بنضالاتها ضد المستعمر، على مجموعة من الحقوق ضمنتها لها مجلة الأحوال الشخصية ومجلة الشغل ومجموعة من الاتفاقيات الدولية المتصلة بحقوق المرأة والمصادق عليها من قبل تونس. وقامت درة بوزيد التي أسست بمعية صفية فرحات مجلة "فايزة" بتشجيع ثلة من النساء على الدخول إلى هذه المجلة، ومن ثمة امتهان الصحافة.
وهكذا شهدت فترة الستينيات ارتفاعا في عدد النساء اللواتي امتهن الصحافة بالتوازي مع تعدد الجرائد الصادرة في البلاد وتنوع المشهد الإعلامي عموما. فقد انضمت جليلة حفصية إلى جريدة لابراس، وأسست بها صفحة خاصة بالمرأة تحت عنوان المرأة والشغل، وذلك بعد أن عايشت المشاكل التي تتعرض لها زميلاتها الصحافيات في عملهن اليومي. وكانت جليلة حفصية أصدرت أول مقال لها في مجلة قرطاج سنة 1960، فيما انضمت نساء أخريات إلى مؤسسة الإذاعة والتلفزة على غرار مليكة بالخامسة ووحيدة بالحاج[11].
2. فترة السبعينات والثمانينات
كانت المهنة الصحفية أكثر استقطابا للمرأة خلال فترة السبعينيات. ويبدو ذلك في علاقة بارتفاع عدد المتخرجات من الجامعة التونسية. واستهوت المهنة الصحفية خاصة المتحصلات على الإجازة في الآداب. ويعود الارتفاع النسبي لعدد الصحافيات خلال فترة السبعينيات بالأساس إلى تخرج أول الدفعات من معهد الصحافة وعلوم الإخبار التي كان من ضمنها نساء. ويبين دليل التكوين بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار أن الدفعة الأولى التي تخرجت من ضمنها نساء كانت سنة 1975 (امرأة واحدة)، فيما ضمت الدفعة التي تليها مباشرة سنة 1976 ست نساء، التحق أغلبهن بالمهنة الصحفية.
واقتحمت المرأة ميدان الصحافة والإعلام في تونس من بابه الواسع خلال فترة الثمانينات. ففي هذه الفترة بالذات شهد عدد المرسمات بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار ارتفاعا منقطع النظير. وبارتفاع عدد المتحصلات على الأستاذية في الصحافة وعلوم الإخبار، ارتفع عدد الإعلاميات المقبلات على المهنة والممارسات لها. وبرز خلال عقد الثمانيات جيل مميز من النساء الصحافيات عرفن بجرأتهن وحبهن لمهنة المتاعب، بل وعشقهن لها. فقد تكبدن المتاعب والمشاق في سبيل الدفاع عن حقوق النساء والنهوض بوضعية المرأة.
ومن خلال البحث الوثائقي الذي قمنا به في إطار الإعداد لهذه الدراسة، تبين أن معظم البحوث التي تناولت موضوع المرأة ووسائل الإعلام في تونس، ركزت على صورتها في وسائل الإعلام أي المرأة كموضوع للمادة الإعلامية. بينما استأثر حضور المرأة في وسائل الإعلام باهتمام أقل من قبل أوساط البحث المهتمة بهذا المجال، لذك تبقى المعطيات والإحصائيات المتعلقة بالصحافيات التونسيات خلال العقود الموالية للاستقلال شحيحة. ولم نجد ظالتنا حتى في المؤسسات المعنية بالصحافيين على غرار الإدارة العامة للإعلام. فباستثناء عقد التسعينيات لم نكد نعثر على أي مؤشرات تهم عدد الصحافيين والصحافيات.
وحملتنا ندرة الإحصائيات المتعلقة بالصحافيات والصحافيين خلال العقود الماضية باستثناء عقد التسعينيات، في المؤسسات والإدارات ذات العلاقة على البحث عن أي معلومة أو مؤشر يصف وضع الصحافيات، وذلك خاصة من خلال رسائل ختم الدروس الجامعية التي أنجزت في عقدي السبعينيات والثمانينات ومن خلال الاستجوابات التي قمنا بها مع الصحافيات في إطار الإعداد لهذه الدراسة.
لقد أصبحت كل إشارة أو معلومة أو اسم لصحافية برزت في فترة ما مؤشرا حقيقيا لافت للانتباه عساه يكون خيطا يمكننا من مسك بقية خيوط فترة محددة من تاريخ الصحافية التونسية.
ولما كانت المؤشرات والأعداد والنسب التي جمعناها محدودة. كما تضاربت في شأنها الآراء، ارتأينا دراسة حالة مؤسستين صحفيتين عريقتين في تونس هما وكالة تونس إفريقيا للأنباء وجريدة الشروق اليومية الخاصة لتبيان تطور حضور المرأة في هذين المؤسستين وفي القطاع الإعلامي عموما.
جريـدة الشـروق : دراسة حالة[12]
صحيفة الشروق هي صحيفة يومية مستقلة جامعة أسسها عن "دار الأنوار" للصحافة والنشر صاحبها المرحوم صلاح الدين العامري. وهو صحافي عمل في السابق بجريدة الصباح اليومية. كما تولى رئاسة تحرير جريدة البيان. وقد تأسست الشروق في البداية كجريدة أسبوعية سنة 1985، ثم أصبحت يومية في شهر نوفمبر 1988. وجريدة الشروق هي الأولى انتشارا في تونس. وهي تصدر يوميا في 85 ألف نسخة.
أ- موقع المرأة الصحافية في صحيفة الشروق
تعتبر الصحافية فاطمة بن عبد الله الكراي من المؤسسات لجريدة الشروق، اليومية، لكنها لم تكن المرأة الصحافية الوحيدة فسرعان ما انضم إلى أسرة تحرير جريدة الشروق اليومية ما يناهز 6 صحافيات من مجموع 35 صحافي. وقد كان عدد الصحافيات في الجريدة عندما كانت أسبوعية أربعة فقط من مجموع اثني عشر صحافيا، اثنين من بين هؤلاء الصحافيات متحصلات على الأستاذية في الصحافة وعلوم الإخبار وواحدة على الإجازة في الحقوق وواحدة على الإجازة في اللغات. إلا أن العديد من خريجات معهد الصحافة حديثات العهد بالتخرج خيرن مغادرة جريدة الشروق والالتحاق بمؤسسات إعلامية رسمية أو شبه رسمية، على غرار وكالة تونس إفريقيا للأنباء ومؤسسة الإذاعة والتلفزة التونسية، باعتبار أن مسألة التوقيت والسلم الوظيفي في هذه المؤسسات تعد أوضح قانونيا من وضعية الصحافة المكتوبة الخاصة.
تعتبر الشروق أول صحيفة يومية في تونس تشارك في كتابة افتتاحياتها امرأة وهي الصحافية الخاصة الأولى أيضا التي تتيح الفرصة للمرأة للكتابة في المواضيع السياسية. وهي كذلك أول صحيفة تعتلي فيها امرأة منصب نائبة رئيس التحرير وتقوم بالمهمة فعليا ويكون اسمها مثبتا في "جينيريك" الصحيفة.
تنتمي إلى جريدة الشروق في الوقت الحالي ثماني صحافيات من مجموع 23 صحافيا. اثنتان من هؤلاء الصحافيات تتوليان كتابة الافتتاحية بالتداول مع اثنين آخرين من الرجال. كما تتولى الآن وبعد رحيل مؤسس الصحيفة، سيدة مهمة الرئيس المدير العام لدار الأنوار بصحفها الأربعة : الأنوار (أسبوعية) والشروق (يومية) والأسبوع المصور (أسبوعية) و"لوكوتديان" (يومية ناطقة باللغة الفرنسية).
وعموما تقارب نسبة النساء الإعلاميات في كامل دار الأنوار نسبة الصحافيين، باعتبار أن صحيفة لوكوتديان اليومية التي بدأت في الصدور منذ سنة ونصف تقريبا، تأسست في فترة حققت فيها نسبة الطالبات بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار ومن ثمة نسبة الخريجات ارتفاعا هاما بالمقارنة مع عدد الطلبة والخرجين. وهي يساوي فيها اليوم عدد الصحافيات أو يفوق عدد الصحافيين.
ب- على مستوى اتخاذ القرار
تتكون هيئة تحرير جريدة الشروق من رئيس التحرير وهو رجل ونائبته الأولى امرأة، التي ارتقت إلى منصب رئيس قسم سنة 1990 ومنصب رئيس تحرير مساعد منذ 1992، ونائبه الثاني رجل. وتتم عملية اتخاذ القرارات داخل الجريدة عبر التحاور والتشاور وتقديم الخيارات، بغض النظر عن مسألة الجنس.
وكالة تونس إفريقيا للأنباء : دراسة حالة [13]
تأسست وكالة تونس إفريقيا للأنباء (وات) في غرة جانفي 1961. وهي مؤسسة خفية الاسم ذات طابع شبه عمومي تساهم الدولة في تغطية من 70 إلى 80 بالمائة من ميزانيتها. وتغطي وات الجزء المتبقي من خلال مواردها الخاصة وأساسا من خلال الخدمات وبيع الصور. وتبث وكالة تونس إفريقيا للأنباء أخبارها باللغتين العربية والفرنسية دون توقف بالليل والنهار.
قامت الوكالة منذ خطواتها الأولى بدور كبير في مجال الإعلام جعلها تشتهر بسرعة في أوساط الصحافة الدولية. ففي سنة 1961 اختارت الثورة الجزائرية مدينة تونس عاصمة لها، فما كان من وكالة وات إلا أن استغلت ذلك الوضع الفريد. كما أتاحت لها معارك بنزرت الفرصة لتقوم بدور فعال للتأثير على الرأي العام الدولي.[14]
وعرفت وات بداية نهضتها الحقيقية خلال سنوات السبعين عندما بدأت في انتداب أصحاب الشهادات العليا من خريجي الجامعات وخاصة معهد الصحافة وعلوم الإخبار الذي تخرجت دفعاته الأولى في تلك الفترة. وتواصل التطور الإيجابي على مستوى الموارد البشرية بفضل تحسن أجور ورواتب الصحافيين العاملين في وكالة وات. وشهد هذا التطور ذروته خلال الخمس سنوات الأخيرة من عقد التسعينيات.
1. موقع المرأة الصحافية في وكالة تونس إفريقيا للأنباء
عملت في وكالة تونس إفريقيا للأنباء منذ تأسيسها نساء صحافيات جزائريات وفرنسيات. أما أولى الصحافيات التونسيات فدخلن الوكالة مع بداية السبعينيات. وتدعم حضورهن في أواسط هذا العقد أي بالتوازي مع تخرج الدفعات الأولى من معهد الصحافة وعلوم الإخبار. وخلال عقد التسعينيات تزايد عدد الصحافيات بوكالة تونس إفريقيا للأنباء بصفة ملحوظة إلى أن تفوق عددهن في أواخر التسعينيات على عدد الصحافيين. ويشتغل بوات حاليا 117 صحافيا من بينهم 66 صحافية.
جدول 2 : توزيع الصحافيات والصحافيين حسب سنوات الأقدمية ومواقع المسؤولية
سنوات الأقدمية | الصحافيون | الصحافيات | ||
العدد الجملي | عدد مواقع المسؤولية | العدد الجملي | عدد مواقع المسؤولية | |
35– 30 | 10 | 10 | 2 | 2 |
30 – 25 | 8 | 8 | 2 | 2 |
25 – 20 | 5 | 5 | 6 | 6 |
20 – 15 | 2 | 1 | 4 | 4 |
15 – 10 | 6 | 3 | 13 | 7 |
10 – 5 | 11 | 0 | 9 | 0 |
5 - 0 | 9 | 0 | 30 | 0 |
المجموع | 51 | 27 | 66 | 20 |
المصدر : وكالة تونس إفريقيا للأنباء
تحتل 20 صحافية من ضمن 66 يعملن بوكالة تونس إفريقيا للأنباء حاليا مواقع مسؤولية. أما الصحافيون البالغ عددهم في الوقت الحالي 51، فإن 27 منهم يحتلون مواقع مسؤولية. ويتقاسم إدارة التحرير بوكالة وات رجل وامرأة بالتناصف. أما رؤساء المصالح فهم من الرجال وعددهم سبعة. وهم جميعا ممن لديهم سنوات أقدمية تتراوح بين 30 و35 سنة. وتحتل نساء كثيرات في وكالة وات مسؤوليات على مستوى رئاسة الأقسام وسكرتارية التحرير.
وتؤكد الإحصائيات المتعلقة بانتداب الصحافيات والصحافيين أن السنوات القادمة ستشهد تأنيث الموارد البشرية العاملة في وكالة تونس إفريقيا للأنباء. فإذا كان عدد الصحافيين المنتدبين قبل عشر سنوات لصالح الرجال بـ 31 مقابل 27 امرأة، فهو اليوم لصالح النساء بـ 39 امرأة مقابل 20 رجلا. كما تتوفر اليوم بوكالة وات كفاءات نسائية متميزة مرشحة للترقي والاضطلاع بمناصب هامة على مستوى صناعة القرار بالوكالة.
على مستوى تواجد الصحافيات في وكالة تونس إفريقيا للأنباء، عرفت السنوات الأخيرة من عقد التسعينيات ارتفاع نسبة الصحافيات العاملات بالوكالة، إذ فاق عددهن عدد الصحافيين. كما يتبين من خلال الجدول أن نسبة حضور الصحافيات في مراكز القرار بالوكالة سجلت تطورا ملحوظا.
ولعل المؤشر البارز من خلال الأرقام الواردة بالجدول أن انخفاض عدد النساء في مستوى مراكز القرار مقارنة بالرجال مرتبط بتأخر دخولهن إلى وكالة تونس إفريقيا للأنباء أساسا. فرؤساء المصالح حاليا والذين هم جميعا من الرجال هم صحافيون قضوا أكثر من ثلاثين سنة بوكالة تونس إفريقيا للأنباء، وهم سبعة من مجموع 12 صحافيا منه 10 رجال وامرأتين، علما أن الصحافيين الثلاثة والصحافيتين الذين قضوا فترة مماثلة في العمل في وات هم جميعا يحتلون مواقع مسؤولية في الوكالة في الوقت الحالي.
3. فترة التسعينات : مؤشرات كمية إيجابية
تطورت نسبة حضور المرأة في مختلف المؤسسات الإعلامية خلال فترة التسعينيات. وهكذا ارتفع عدد الصحافيات المحترفات ونسبتهن من العدد الإجمالي للصحافيين. ومن أهم العوامل المساهمة في تحقيق هذا التطور الكمي الإيجابي للصحافيات في المؤسسات الإعلامية ارتفاع عدد الطالبات بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار الذي حقق خلال السنوات الأخيرة نسبا قياسية.
جدول 3 : تطور نسبة الطالبات بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار
السنة الدراسية | المجموع العام للطلبة المرسمين | عدد الذكور المرسمين | عدد الفتيات المرسمات | النسبة المائوية للفتيات |
1994-1995 | 641 | 213 | 428 | 66.77 |
1995-1996 | 695 | 221 | 474 | 68.20 |
1996-1997 | 721 | 281 | 440 | 61.02 |
1997-1998 | 721 | 234 | 487 | 67.54 |
1998- 1999 | 720 | 225 | 495 | 68.75 |
1999- 2000 | 793 | 260 | 533 | 67.21 |
2000- 2001 | 935 | 278 | 657 | 70.26 |
2001- 2002 | 1175 | 340 | 835 | 71.06 |
2002- 2003 | 1704 | 461 | 1243 | 72.94 |
2003- 2004 | 1844 | 493 | 1351 | 73.26 |
المصدر : معهد الصحافة وعلوم الإخبار
شهدت نسبة الطالبات بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار تطورا سريعا خلال عقد التسعينيات. ويشير الجدول الأول إلى أن نسبتهن استقرت بين 66.77 % و68.20 % بين سنة 1995 وسنة 1998. ولم تسجل هذه النسبة تراجعا إلا خلال سنة 1997، حيث بلغت 61.02 %. ويشير بعض المصادر الصحفية إلى أن نسبة الفتيات في معهد الصحافة وعلوم الإخبار سجل قفزة هامة بين 1989 و1994، إذ ارتفعت من حوالي 14 % لتصل إلى 65 %. وارتفعت نسبة الطالبات سنة 2002 إلى حوالي 70 %. فقد بلغ عددهن 841 طالبة من جملة 1148 طالبا في المعهد [15].
والمعلوم أن عدد الطالبات في تونس عرف تطورا إيجابيا ملحوظا خلال العشرية الأخيرة، وذلك في مختلف الشعب والاختصاصات وفاقت نسبة الطالبات في كثير من الجامعات والكليات نسبة الطلبة. ولعل ما تجب الإشارة إليه هنا هو أن ارتفاع عدد طالبات الصحافة ساهم في ارتفاع عدد النساء العاملات في الميدان الإعلامي وعدد الصحافيات المحترفات، وهو ما يتبين من الجدول الموالي.
جدول 4 : تطور عدد الصحافيين المحترفين حسب الجنس
السنة | العدد الجملي | عدد الذكور | عدد الإناث | نسبة الذكور | نسبة الإناث |
1992 | 671 | 530 | 141 | 79% | 21% |
1993 | 703 | 557 | 146 | 79.2% | 20.8% |
1994 | 730 | 566 | 164 | 77.5% | 22.5% |
1995 | 743 | 570 | 173 | 76.7% | 23.3% |
1996 | 779 | 595 | 184 | 76.4% | 23.6% |
1997 | 886 | 659 | 227 | 74.4% | 25.6% |
1998 | 938 | 701 | 237 | 74.75% | 25.25% |
1999 | 955 | 704 | 251 | 73.8% | 26.2% |
2000 | 953 | 693 | 260 | 72.71% | 27.28% |
2001 | 939 | 653 | 286 | 69.54% | 30.45% |
2002 | 951 | 624 | 327 | 65.62% | 34.38% |
المصدر : الإدارة العامة للإعلام
يبرز الجدول الثاني أن عدد الصحافيات المتحصلات على بطاقة مهنية تطور بشكل ملحوظ خلال العشرية الأخيرة، إذ مر من 141 سنة 1992 إلى 327 صحافية سنة 2002، أي أن عددهن تضاعف أكثر من مرتين خلال عشر سنوات فقط. ولئن مثلت نسبة الصحافيات المتحصلات على بطاقة مهنية 21 % سنة 1992، حسب ما يتبين من الجدول أعلاه، فإن هذه النسبة ارتفعت إلى 27.28 % سنة 2000 و30.45 % سنة 2001 وبلغت هذه النسبة 34.38 % سنة 2002. وتعد هذه النسب مؤشرا على اكتساح المرأة الميدان الإعلامي واحترافها لمهنة الصحافة. وهو ما يتأكد أكثر من خلال تراجع النسبة المقابلة لدى الصحافيين والتي تراجعت من 79 % سنة 1992 إلى 65.62 % سنة 2002.
جدول 5 : تطور نسبة حضور المرأة في مختلف المؤسسات الإعلامية
الصحافة المكتوبة | وكالة تونس إفريقيا للأنباء | مؤسسة الإذاعة والتلفزة التونسية | |
1987 | 13 | 12 | 30 |
1994 | 17.9 | 25.6 | 33.5 |
1998 | 22.5 | 27.2 | 30.5 |
1999 | 19.25 | 31.12 | 36.5 |
2001 | 11.8 | 39.5 | 38.18 |
2002 | 15.7 | 41.9 | 45.8 |
المصدر : الإدارة العامة للإعلام
حسب ما يتبين من الجدول الثالث، لا يقتصر تطور نسبة الإعلاميات على مؤسسة إعلامية دون أخرى. فقد سجلت مختلف المؤسسات الإعلامية تطورا في نسبة حضور المرأة بها. وتطورت نسبة حضور النساء بالصحافة المكتوبة من 13 % سنة 1987 إلى 19.25 % سنة 1999، إلا أنها سجلت تراجعا خلال سنة 2001، إذ بلغت 11.8 %، ثم ارتفعت من جديد سنة 2002 وأصبحت في حدود 15.7 %.
أما وكالة تونس إفريقيا للأنباء، فقد عرفت نسبة حضور النساء بها تطورا إيجابيا متواصلا. فقد تضاعفت نسبتهن قرابة أربع مرات خلال الخمس عشرة سنة الأخيرة، إذ مرت من 12 % سنة 1987 إلى 41.9 % سنة 2002. ويلاحظ من الجدول الثالث أيضا أن هذه النسبة بلغت 27.2 % سنة 1998 وقفزت بعد ثلاث سنوات فقط إلى 39.5 %. وتعتبر مؤسسة الإذاعة والتلفزة التونسية أكثر المؤسسات استقطابا للإعلاميات. فقد بلغت نسبة حضور المرأة بها 45.8 % سنة 2002. وكانت هذه النسبة في حدود 30 % سنة 1987 وتطورت إلى 36.5 % سنة 1999 وبلغت 38.18 % سنة 2001.
ويبرز بوضوح من خلال النسب الواردة بالجدول الثالث أن وكالة تونس إفريقيا للأنباء ومؤسسة الإذاعة والتلفزة ترتفع بهما نسبة حضور النساء أكثر من الصحافة المكتوبة. كما أن نسبة حضور النساء بهذين المؤسستين في تصاعد مستمر على خلاف الصحافة المكتوبة التي تعرف نسبة حضور النساء بها تذبذبا. ولعل ذلك يعود بالأساس إلى أنهما مؤسستين عموميتين، حيث تعمل الدولة على دمج أكبر نسبة ممكنة للنساء بهما. ويتجلى هذا الأمر أيضا من خلال ارتفاع نسبة الإعلاميات صاحبات القرار بوكالة تونس إفريقيا على وجه الخصوص، التي تتواجد بها عشر نساء في مناصب القرار. في حين أن الصحافة المكتوبة بكل دورياتها تتواجد بها ثماني صحافيات صاحبات قرار معظمهن في جريدة لابراس وهي جريدة حكومية وجريدة لورونوفو وهي جريدة الحزب الحاكم.
VI - استقطاب جمعية الصحافيين التونسيين للصحافيات
تأسست جمعية الصحافيين منذ السنوات الأولى للاستقلال، وذلك سنة 1962. وضمت منذ السنة الأولى من تأسيسها منخرطات، ولئن كان عددهن في البداية محدودا بالمقارنة بعدد الرجال، فإن تواجده بالجمعية تنامى بمرور السنوات وأصبحت الصحافيات يقبلن على الانخراط في الجمعية بأكثر كثافة ويحرصن على تقلد مواقع فاعلة فيها.
وترأست جمعية الصحافيين امرأة في أكثر من مناسبة. وتعد السيدة رشيدة النيفر أول امرأة صحافية في تونس تنتخب رئيسة لمكتب جمعية الصحافيين التونسين، وذلك يوم 11 ماي 1980 وإلى غاية 1982. وأعيد انتخابها مرة أخرى من سنة 1982 إلى سنة 1984. كما ترأست السيدة آمنة صولة مكتب جمعية الصحافيين من سنة 1988 إلى سنة 1990، فيما انتخبت السيدة حياة الطويل على رأس جمعية الصحافيين سنة 1994.
كما حظيت صحافيات عديدات بشرف انتخابهن عضوات بمكتب جمعية الصحافيين. وتعتبر السيدة حميدة العريبي أول امرأة صحافية تنتخب عضوا بمكتب الجمعية، وذلك سنة 1964. وانتخبت السيدة رشيدة النيفر عضوا بمكتب الجمعية على التوالي سنة 1980 و1982، ثم أعيد انتخابها سنة 1988. وانتخبت السيدة رندة العليبي مرتين عضوا بمكتب الجمعية سنة 1984 و1990. كما انتخبت السيدة آمنة صولة مرتين كذلك سنة 1984 و1988. وتم انتخاب كل من السيدة منى مطيبع والسيدة فاطمة الكراي والسيدة حياة الطويل عضوات بمكتب جمعية الصحافيين سنة 1992، وأعيد انتخاب السيدة فاطمة الكراي سنة 1994. فيما انتخبت السيدة سميرة الغنوشي سنة 1996 والسيدة صباح التوجاني والسيدة جنات بن عبد الله سنة 1998 والسيدة فوزية المزي سنة 2000، التي انتخبت أمينة عامة له 2002.
جدول 6 : تطور نسبة المنخرطات في جمعية الصحافيين
السـنة | الصحافيـات | الصحافيـون | المجموع | |||
العدد | النسبة | العدد | النسبة | العدد | النسبة | |
2000 | 165 | 34.44 | 314 | 65.55 | 479 | 100 |
2001 | 144 | 32.95 | 293 | 67.04 | 437 | 100 |
2002 | 272 | 36.51 | 473 | 63.48 | 745 | 100 |
2003 | 97 | 36.88 | 166 | 63.11 | 263 | 100 |
المصدر : جمعية الصحافيين التونسين
جدول 7 : توزيع الصحافيات المنخرطات في جمعية الصحافيين حسب المؤسسة الإعلامية
السنة | مؤسسة الإذاعة والتلفزة | الصحافة المكتوبة | وكالة تونس إفريقيا للأنباء | |||||||
العدد الجملي | عدد الصحافيات | نسبتهن | العدد الجملي | عدد الصحافيات | نسبتهن | العدد الجملي | عدد الصحافيات | نسبتهن | ||
2000 | 180 | 76 | 42.22 | 177 | 45 | 25.42 | 122 | 44 | 36.06 | |
2001 | 151 | 55 | 36.42 | 206 | 44 | 21.35 | 80 | 45 | 56.25 | |
2002 | 286 | 134 | 46.85 | 314 | 76 | 24.20 | 145 | 62 | 42.75 | |