دور التغذية في التخفيف من المشاكل المزمنة لمرض السكري
الدكتورة ريما فايز تيم - الأردن
يعتبر مرض السكري من أكثر الأمراض انتشاراً بدول العالم أجمع، لذا فأنه قد تم تخصيص يوم للاحتفال به فى كافة أنحاء العالم من قبل أعضاء المؤسسات التابعة للاتحاد الدولى لمرض السكري فى أكثر من 130 دولة، وكذلك تقوم بعض المعاهد العلمية والجامعات والجمعيات الخيرية بالاحتفال بهذا اليوم على طريقتهم الخاصة، حيث يتم تقديم بعض الخدمات الطبية المجانية أو المحاضرات الطبية والتغذوية لتثقيف السكريين. وتنظم العديد من الأنشطة التى تختلف من بلدلآخر ويمكن لأي شخص الانضمام والمشاركة فى هذه الأنشطة. ويهدف الاحتفال بهذا اليوم الى تجديد الوعي الصحي والتغذوي لهؤلاءالمرضى للتقليل من مضاعفات المرض وتجنبها بقدر الإمكان.وينتج مرض السكري عن خلل في تمثيل سكر الجلوكوز، مما يؤدي إلى ارتفاع في معدل سكر الجلوكوز في الدم. ويحدث هذا الخلل نتيجة فشل البنكرياس في إفراز الهرمون المنظم لسكر الدم وهو هرمون الأنسولين (كما هو في النوع الأول من السكري) أو إفرازه بكميات طبيعية أو أعلى من الطبيعي ولكن تكون صورة هذا الهرمون غير فعالة (كما هو في النوع الثاني من السكري) مما يؤدي إلى عدم دخول الجلوكوز إلى خلايا الجسم، وهذا بدوره يؤدي الى ارتفاع الجلوكوز في الدم. والجلوكوز هو سكر أحادي يعتمد عليه جسم الإنسان لانتاج الطاقة التي تساعده على القيام بوظائفه الحيوية المختلفة.
ويوجد نوعان للسكري: النوع الأول وعادة ما يصيب الأطفال وصغار السن الأقل من30 سنة، وقد يصيب الكبار في حال حدث فشل في البنكرياس بسبب مرض مناعي أو التعرض لضغوط نفسية أو قد يحدث هذا الفشل لأسباب غير معروفة. ويتطلب هذا النوع من المريض المحافظة على معدل السكر بالدم عن طريق حقن الأنسولين عدة مرات يوميا ويجب أن يكون مصاحب له برنامج غذائي متوازن مناسب. ويوجد للانسولين عدة اشكال: انسولين قصير أو سريع أو متوسط أو طويل المفعول وتعتمد هذه التقسيمة على عدد ساعات عمل الانسولين وتواجده بشكل فعّال بالدم فمثلاً يجب أن يعطى الانسولين طويل المفعول (الخلفي) قبل الافطار ويمكن ان تستمر فعاليتة لمدة 24 ساعة، بينما يعطي الانسولين سريع المفعول قبل وجبة الطعام بربع ساعة فقط وتستمر فعاليتة لمدة 4 ساعات كحد أقصى. وعادة مايعطي الانسولين على شكل خليط من نوعين من الانسولين حسب وضع المريض الصحي والعائلي بحيث يُشكل الأنسولين طويل المفعول مايقرب نصف كمية الجرعة الموصى بها من قبل الطبيب وُيكمل الأنسولين قصير أو سريع المفعول باقي الجرعة. وتعتمد جرعة الانسولين ليس فقط على على وزن الجسم بل ايضاً على درجة مقاومة الجسم للانسولين، وتوزع بحيث تغطي كل وحدة من الأنسولين كمية محددة من النشويات وتكون حوالي 15غم من النشويات، وقد يحتاج المريض جرعة عالية من الانسولين في أثناء الافطار في فترة الصباح الباكر وذلك لوجود هرمونات عكسية للانسولين في هذه الفترة.
أما النوع الثاني وهو الأكثر انتشاراً، فهو يسمى سكر الحبوب عند العامية، إذ يقوم المريض بتناول أدوية معينة لخفض سكر الدم، ولكن في حال فشل هذه الحبوب في ضبط سكر الدم قد يصف الطبيب لمريض هذا النوع أخذ الأنسولين. وعادة ما يصيب الأشخاص عند الأربعين وفي معظم الأحيان ينتج عن السمنة الزائدة، ولكن هناك العديد من الدراسات الحديثة التي توضح أنه من الممكن أيضا لهذا النوع من السكري أن يصيب الأطفال والمراهقين في حال اصابتهم بالسمنة. وقد تكون الحمية الغذائية وتخفيف الوزن لعلاج بعض الحالات كافية وفعالة في خفض سكر الدم وضبط مستواه، بينما تحتاج بعض الحالات الآخرى إلى أدوية خافضة للجلوكوز. وتعتبر الوراثة والسمنة وقلة النشاط الحركي والضغوط النفسية والعصبية من أهم العوامل المؤدية الى الاصابة بالسكري. وهناك العديد من الاعراض التي يمكن من خلالها تمييز ارتفاع سكر الدم، أهمها: كثرة التبول وازدياد في الاحساس بالجوع والعطش وضعف عام مع نقصان في الوزن، كما أنه من الممكن حدوث التهابات متكررة في المجاري البولية.
ولتشخيص الاصابة بالسكري عادة ما يجري تحليل سكر الدم بعد فترة صيام أو قياس السكر خلال ساعات اليوم العادية أو اعطاء محلول سكري ومتابعة مستوى سكر الدم خلال ساعتين من تناول هذا المحلول. ولمتابعة حالة المريض الصحية ومدى التزامه بحميته وتناوله لأدويته الموصوفة بشكل منتظم، يجب مراقبة معدل الجلوكوز بالدم أما بقياسه في حال الصيام أو بشكل عشوائي خلال ساعات اليوم (وهذا يبين الوضع الحالي واليومي للمريض)، وللتأكد من سيطرة المريض على معدل الجلوكوز بالدم لفترة طويلة، فأنه يتم قياس معدل السكر التراكمي (HbA1C). وللحد من حدوث مضاعفات ارتفاع الجلوكوز بالدم سواء كانت هذه المضاعفات حادة أو مزمنة يجب المحافظة على مستوى الجلوكوز في الدم قدر الإمكان، لذا يتوجب على المريض اتباع نظام غذائي مناسب لوضعه الصحي والقيام ببعض النشاطات البدنية خصوصاً لسكر النوع الثاني وتناول الدواء الموصوف من قبل الطبيب. كما يفضل متابعة نسبة الجلوكوز في الدم عند الشعور بأي من أعراض ارتفاع أو انخفاض السكر.
من أهم الأمور التغذوية في تغذية السكريين هو تقسيم الأطعمة إلى 3 أنواع: ذات مؤشر سكر عالي وذات مؤشر سكر متوسط وذات مؤشر سكر منخفض، وترتبط زيادة تناول الأطعمة ذات المؤشر العالي بزيادة سكر الدم وعدم انتظامه. وهناك العديد من العوامل التي تتحكم في زيادة أو نقص مؤشر السكرللأطعمة، فمثلاً كلما زادت كمية الألياف في الطعام قل مؤشر السكر له، والعكس صحيح أي أنه كلما قلت الألياف زاد مؤشر السكري: فمؤشر السكر للخبز الأبيض 70، بينما مؤشر السكر لخبز القمح 50)، كما تعتبر إضافة بعض أنواع البقوليات (كالفاصولياء الحمراء) خافضة لمؤشر السكر، ويمكن تشير بعض الدراسات أن لإضافة زيت الزيتون أو الليمون أو الخل بكميات معتدلة مع الوجبات المحتوية على أطعمة ذات مؤشر سكر مرتفع لها تأثير جيد في خفض مؤشر السكر للوجبة بأكمالها. ومن أهم الأطعمة ذات المؤشر المنخفض إلى المتوسط ما يلي: الفواكه (ما عدا البطيخ والتمر) والخضروات والبقوليات (ما عدا الفول المدمس) والبطاطا (ما عدا المخبوزة أو المطبوخة بالميكرويف أو المطحونة سريعة التحضير). وتعتبر المعكرونة والأرز من الأطعمة ذات المؤشر المنخفض إلى المتوسط خصوصاً إذا ما تم تحضيرها بإضافة كمية قليلة من الزيت. إلا أنه يجب الانتباه إلى أن الأكثار من تناول الأطعمة ذات المؤشر المنخفض إلى المتوسط ولفترات طويلة قد تؤدي إلى نفس المشاكل الصحية التي يمكن أن تنتج عن تناول الأطعمة ذات مؤشر سكر مرتفع، ومن هنا أصبح من الضروري التنبه إلى الكميات المتناولة حتى من الأطعمة ذات المؤشر المنخفض. ولكي لا يزيد معدل تحمل السكر: إذ أن الزيادة والاكثار في مؤشر سكر منخفض سيساوي تناول أطعمة ذات مؤشر سكر مرتفع.
كما أنه يفضل التقليل ما أمكن من تناول الأغذية الغنية بالسكريات البسيطة مثل السكر والعسل والمربى والكيك والمشروبات الغازية والمحلاة بالسكر، وكذلك الأغذية الغنية بالدهون الحيوانية والكوليسترول مثل النخاعات والكبد والسمن الحيواني والزبدة والحليب كامل الدسم والحلويات العربية خصوصاً تلك الغنية بالسكر والدهون. ويجب تجنب الأطعمة المالحة (كالمخللات والأجبان المالحة والمكسرات والخبز العادي المملح والمعلبات) وعدم اضافة الملح إلى الطعام. وينصح بالإكثار من تناول الأغذية الغنية بالألياف مثل الخضراوات والفواكه الكاملة بحيث تتوزع خلال اليوم. وللماء دور هام في التخفيف من الاصابة بالتهابات المجاري البولية وتخفيف تركيز السكر في البول، لذا فإنه يفضل شرب 8 أكواب من الماء يومياً على الأقل. أما بالنسبة للمحليات الصناعية فإنه يفضل استعمالها باعتدال وعند الحاجة وعدم الافراط بتناولها، إذ أن الزيادة من تناول المحليات الصناعية ولفترات طويلة قد تؤدي إلى مشاكل صحية عديدة.
في حال الاصابة بالسكري النوع الاول: يفضل تناول خمس وجبات مكونة من النشويات المعقدة والحليب (قليل أو خالي الدسم) والفواكة (كاملة وغير مقشورة أو معصورة) والخضروات وكمية كافية من اللحوم (إذ إن الافراط في تناول اللحوم قد تؤثر سلباً على كفاءة عمل الكلى) ويتم توزيع الخمس وجبات طيلة النهار يحيث تكون ثلاث وجبات رئيسية و وجبتين خفيفتين . كما ينبغي ألا تزيد المدة بين كل وجبة رئيسية وأخرى خفيفة عن 5 ساعات. ويفضل أن تكون الوجبة الخفيفة الثالثة قبل النوم. وتجدر الاشارة هنا إلى أنه يجب ألا يتأخر تناول الطعام أكثر من 30-45 دقيقة من أخذ الأنسولين. وعند تأخير الوجبة حوالي الساعة يفضل تناول حصة فاكهة أو خبز من ضمن الطعام المسموح به. أما في حال الاصابة بالسكري النوع الثاني: يفضل تناول أربع وجبات مكونة من النشويات المعقدة والحليب (قليل أو خالي الدسم) والفواكة (كاملة وغير مقشورة أو معصورة) والخضروات وكمية كافية من اللحوم (اذ أن الافراط في تناول اللحوم قد تؤثر سلباً على كفاءة عمل الكلى) ويتم توزيع الاربع وجبات طيلة النهار يحيث تكون ثلاث وجبات رئيسية و وجبه خفيفة. كما ينبغي ألا تزيد المدة بين كل وجبة رئيسية وأخرى خفيفة عن 5 ساعات.
كما أنه ينصح وعلى الدوام القيام ببعض النشاطات البدنية لمريض السكري، فعند القيام برياضة خفيفة لمدة 30 دقيقة من قبل المرضى الذين يستعملون الانسولين ومخفضات السكري يجب تناول حصة خبز أو حصة فاكهة أما إذا استمرت الرياضة لمدة ساعة فيجب تناول حصتين من الخبز (1/8 رغيف خبز أسمر أو 1/2 كوب أرز مسلوق أو حبة بطاطا متوسطة مسلوقة) + حصة لحمة (30 غم من الدجاج منزوع الجلد أو اللحوم الحمراء منزوعة الشحم) أو حصة فاكهة (الحصة تعادل تفاحة متوسطة الحجم أو برتقالة متوسطة أو موزة صغيرة) + كوب حليب (كوب حليب أو كوب لبن). أما لدى القيام برياضة شاقة لمدة 30 دقيقة من قبل هؤلاء المرضى يجب تناول حصة خبز + حصة دهن أو حصتين فاكهة أما إذا استمرت الرياضة لمدة ساعة فيجب تناول حصتين من الخبز + حصة لحمة + حصة حليب أو حصتين فاكهة + حصة خبز + حصة لحمة.
وأخيراً أود التأكيد على أن اتباع نظام غذائي متوازن ونظام حياة صحي وممارسة النشاط البدني بشكل يومي أو 3 مرات على الأقل بالاسبوع والابتعاد عن الخمول والتدخين وتناول الكحول كفيلة بعد مشيئة الله بتمتع الانسان بحياة طيبة وصحية ونتمنى للجميع دوام الصحة والعافية.