أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

كَدَمَاتِ الرُّوح النِّسائيَّة

رشا فاضل - العراق حين زارتنا بغداد .. وأنشدت (الليلة حلوة) على نهر دجلة(على هامش مهرجان الافلام التسجيلية العراقية ) يحدث ان يباغتك الوقت ببهجة تربك قلبك العاطل عن الفرح منذ الخيبة الأخيرة التي لاتفصلها عن الأولى مسافات ضوئية كما يبعد الفرح ! هل كنا حقا نهتف للفن والجمال ونتهجى الذكريات أمام الغروب الذي رسم ملامحنا فوق وجه دجلة الذي لم يبد متعبا في ذلك اليوم الواقع سهوا من مفكرة الرتابة والخوف وانتظار المجهول ! رائحة السمك تباغت جلستنا النهرية في قرية( المحزم ) شمال تكريت التي فتحت لنا حضن خضرتها وراحت تسمعنا سيمفونية النهر يشاركها حفيف الشجر ونظرتنا المفتوحة على الأفق البعيد هربا من العالم الالكتروني والوجوه الزجاجية .. يأتي صوت (سيف المهند) كأنه في مهمة إخراجية أخرى – لنتجول عند بحيرة السمك .. وينتشر الجميع في أصواب شتى فكل الطرق تؤدي الى الخضرة .. - المخرج بشير الماجد - يحمل بشير الماجد كاميرته ويتجول في فضاء الله .. سيناريو متكامل لطبيعة رسمها الله بإتقان ادهش الكاميرا ... ولأن الفرح ضيف عابر يحاول الجميع تجميد الوقت في الشاشات الالكترونية بالتقاط الكثير من الصور للشمس وهي تجر حمرتها وترمي بظلالها فوق وجه دجلة لتباغتنا بمغادرتها .. فاسحة الوقت لأنفاس الليل . وتبدأ الذكريات .. &&& -الفنان مازن محمد مصطفى مع الموسيقي زياد الوادي- على مائدة المحبة والسمك المسكوف يصيح الفنان مازن محمد مصطفى بعبثيته البيضاء ( قلت لصاحب السيطرة –ياعمي والله اني ممثل مو مغني لكنه اصر- ما أخليك تفوت الا تغنيلي .. وكررت عليه – يابه والله اني ممثل يمعودين ! وبعد أن تأمل قليلا قال – هسه تذكرتك انته شاعر اقرأ لي قصيدة !) وننفجر ضحكا ... يتجول الحديث بين الأصدقاء متنقلا من الفن الى الفن والى الذكريات .. يحتضن المخرج بشير الماجد (لابتوبه) ويبدأ يعرض لنا فلمه مفكرة شخصية .. نرى الذاكرة العراقية المنهكة تتسلق الأيام بخداع الذات وابتكار سعادات صغيرة تملّح قلوبنا .. ولاعجب أن يفوز الفلم بجوائز عربية مغالبا الأفلام المترفة التي تتحدث عن مشاكل مترفة .. وأحزان شفافة .. لاترتقي مطلقا لما انصب فوق رؤوس بقايا السومريين من أهوال .. أقول للماجد بعد انتهاء الفلم : فلم (طاك) ! وينفجر ضاحكا ببساطته وعفويته .. أستدير لمحمد الربيعي وأقول له : انته هم طاك ويغيب محمد في ضحكته التي تعيدني للصفوف الابتدائية حين نخجل فرحا ونواري فرحنا في اقرب حظن او كف .. نبعث طائرا الكترونيا للشاعر عبد الرزاق الربيعي في مسقط : على شاطيء دجلة .. نتناول العشاء .. فيبعث لنا حسرته على الجانب الآخر من الكون .. ويشاركنا الاحتفاء .. ينزوي الحديث عن الصحافة وهمومها ونتحدث عن منجزات نقابة الصحفيين في صلاح الدين مع نقيبها حسن عبدالله الذي اتى بزّيه غير الرسمي مرحبا ومشاركا الضيوف بالاحتفاء مع كادره .. الذي بدا لي كأنهم عائلة واحدة .. شاكسته : مومعقول جايب النقابة والجريدة كلها؟ ضحك وقال لا أتحرك بدونهم إننا عائلة واحدة . ......... -الشاعر جبار المشهداني والموسيقي زياد الوادي- يبرق من أمامنا عبدالله المشهداني .. آخر عنقود الشاعر والمسرحي جبار المشهداني ويدفن رأسه في حضن أمه صائحا :ماما جوعاااان؟ تلكزه سميرة خنجر وأتضامن مع جوعه وأصيح معه: آني هم جوعانة علياء المشهداني تؤرخ الذكريات بكاميرتها الصغيرة وسمرتها المنسوخة من والدها .. يتحول الحديث الى مسرحية جبار المشهداني والفنان جواد الشكرجي الأخيرة .. نناقش الفكرة والعبارة .. يبدأ القلب يتقرح من جديد حين نتذكر المعتقلين على الجانب الآخر حيث لاشمس ولا أمل يبرق في الأعلى .. ولا صوت .. لاشيء سوى الجدران ! جواد الشكرجي : شكرا لك نيابة عن الذين غابوا عن الشمس .. أعاتبك : لماذا لم تكن بيننا ؟ &&& كلمة بحق رئيس جامعة تكريت ( واحد من أهم أهداف الجامعة إنها تعكس حاضر وحضارة مدينتها فأشكركم أنكم منحتم الجامعة فرصة التعبير عن ذلك ..) هذا ماقاله د. علي صالح حسين وهو يقطع المسافة لحضور اجتماع متأسفا لعدم تمكنه من حضور المهرجان الذي احتضنته جامعة تكريت في أروقتها . أقول له : إن دعمك للثقافة كان فعلا ملموسا .. وان تلك الهوّة الكبيرة التي كانت تفصل الجامعة عن الحياة الثقافية والاجتماعية قد بدأت تنحسر وتردم بجسور التواصل التي مددتها فعلا لا كلاما .. وإن الجامعة خرجت من الأسوار الأكاديمية وأصبحت عنصرا أساسيا وفعالا في دعم الحركات الثقافية وكان للجامعة داخل أروقتها وخارجها أكثر من نقلة ثقافية نوعية .. ولا يفوتني أن أذكر استضافة الجامعة للناقد الكبير د. عبد الله ابراهيم المقيم في (الدوحة ) خطوة استثنائية لا أظنها مسبوقة من جامعة أخرى .. بالإضافة لدعمك المتواصل لصحيفة الجامعة مانحا إياها حرية التعبير .. ويضاف الى ذلك مجهودك المشهود له في مد جسور التواصل بين الأكاديميين والمثقفين من خلال حثهم والمشاركة معهم في تقديم الأمسيات الثقافية العلمية والأكاديمية في شتى الاختصاصات في قصر الثقافة والفنون ... لقد حولت الجامعة الى مدينة ثقافية علمية تضج حيوية ونشاطا .. كنا في طريقنا للمركز الثقافي فيها نستدل الدرب بصعوبة فقد كنا في مدينة كبيرة مازال الاعمار فيها قائما لم تكتف باستحداث الكليات الجديدة .. حتى إن أحد الأصدقاء صاح باندهاش : ماهذه المدينة المترامية الأطراف ! شهادتي بحقك لن تكون مجروحة.. لأني لا انتمي للجامعة لامن قريب ولا من بعيد لست موظفة فيها ولا انوي ان أكون طالبة فقد اكتفيت بشهادتي ووظيفتي .. لكن حبري لم يكتف .. د. علي صالح : مازال لحبر الامتنان بقية .. &&& في الجانب المقابل لجلستنا أمام مرآة دجلة يقف الكاتب علي الحداد مع شريكته التشكيلية رجاء الحداد يتبادلان أنخاب الحديث .. ويلتقطان الذكريات .. يأتي صوتها : الجو هنا رائع .. فيما يطلق زوجها نظرة مفتوحة على الأفق .. ربما كان يؤسس لكتابة شيء جديد بعد سنواته الأربع عشرة التي قضاها أسيرا وعاد ليرى وطنه أسيرا أيضا ! يبقى سيف المهند وأهله ورياض الجابر وحامد السامرائي يطوفون حولنا يتفقدون حاجة الضيوف الذين أصبحوا أهل الدار .. فيما يحمل العذب زياد الوادي عوده وبجانبه الفنان مازن محمد مصطفى ويبدأ العزف .. يغيبان في أغاني بعيدة غائرة في الذاكرة والعذوبة ونغيب معهم .. تلك الأغاني العراقية الجميلة .. أين نحن الآن منها ؟ من زمنها؟ ماهذه الدوامة .. والى أين سنصل ؟ &&& شفيق المهدي يحرّض على الجمال على المنصة وقف المبدع شفيق المهدي (اسمه هكذا أجمل من كل الألقاب وأكثر صدقا ) ألقى كلمته ومحبته منتصرا للفن والجمال والمحبة رافعا شعار الجمال الفن يوحدنا كما لايفعل أي شعار سياسي آخر او أي حزب تعبوي ..مؤكدا بحماس كبير إننا جميعا ننتمي لعشيرة واحدة هي العراق .. لا أنسى حماسه حين دعوته لحضور المهرجان .. كان سعيدا وهو يقول بحماس هذه خطوة عظيمة تستحق الكثير .. شكرا لجبار المشهداني الذي مد جسور المحبة و بذل جهدا كبيرا بحماس حقيقي لينجح المهرجان ويتحول الى عرس ثقافي يضم المبدعين والمحبين &&& فاطمة الربيعي تصطحب الزمن الجميل وتأتي عبر الهاتف .. كان صوت الفنانة الكبيرة فاطمة الربيعي يحيلني الى سنوات بعيدة .. الزمن الجميل الذي كانت فيه بغداد امرأة متأنقة مذيلة بالعطر تذرع الطرقات من المنصور الى الكرادة والاعظمية بزهو عظيم .. قلت لها : ياستي حتى في الهاتف نحب صوتك لأنه يحيلنا الى تلك الذاكرة البيضاء .. نريدك في تكريت .. وضحكت بأمومة فائضة نعرفها جميعا .. ..و سعدت بالدعوة .. ولبّتها رغم الطريق وربما كان هنالك من يهمس في اذنها بخطورة الذهاب الى تكريت .. و.... لكنها أتت! وأبهجتنا .. للفن سطوة لايمكن مقاومتها .. كانت جزءا من ذاكرتنا وتفاصيلنا بما أنجزته عبر سنواتها الطويلة &&& شكرا للأستاذ سبهان ملا جياد وحضوره وتفاعله الجميل مع هذ ا الحدث الجمالي ولاعجب في ذلك فقد عرفت اهتمامه بالثقافة والمثقفين وروحه المحبة لإشاعة الثقافة ومفردات الجمال .. لم يكن الأستاذ ضامن عليوي يؤدي واجبا وظيفيا .. بل على العكس .. كان مؤجلا لسفره ليحضر المهرجان .. وكان محتفيا بشكل خاص بالضيوف .. مادا جسور التعاون مع المشاريع الثقافية وهو أمر ليس بجديد عليه .. وخير منجز على ذلك .. قصرنا الثقافي الذي احتضننا ولم بددنا .. وشكرا للأستاذ غسان العكاب الذي عمل بدأب على إنجاح المهرجان ورعايته للفعاليات الثقافية وشكرا لكل من عمل وساهم وأنجز وعذرا عن ذكر جميع الأسماء فذاكرتي مثقوبة ربما لهذا السبب .. أنا اكتب وأتحدث وأملأ رأسكم .. على امتداد بياض الورق .. *** في الركن البعيد الهاديء .. ارتدينا وجوهنا وأصواتنا - الشاعر احمد عزاوي - في ركن قصي من قاعة الاحتفال وعلى غير موعد مسبق .. انزوينا ثلاثتنا .. لايهم من أين ابدأ فنحن نتشابه كثيرا في ملامحنا النفسية وأفكارنا الخارجة عن نطاق القولبة .. وحتى أحلامنا وخيباتنا قرأ أحمد عزاوي مقطعا صغيرا من قصيدته .. ولعنت نفسي لأني لست ناقدة .. مثل هذه القصائد لايجوز تركها تمر مرورا عابرا ... مثل امرأة فائقة الجمال يصبح للصمت في حضرتها طعم الاهانة .. فيما راح احمد الظفيري يطلق سخريته في الفضاء الواسع كلما تعمقنا في فضاء لايتسع لأجنحتنا . .. ثلاثتنا كنا نجلس على كرسي الاعتراف .. او ورق البوح .. ما اجمل ان نسترد طفولتنا ونمد ألسنتنا للاشارت الحمراء .. ونركض .. بلا هوادة .. فوق أجنحة القصائد والكلام الذي لايعرف وجهين او معنيين . -القاص فرج ياسين - ليس الإحساس بالذنب وحده ماجعلني أتحدث عن فرج ياسين اللحظة فقد حزمت أمري في الكلمة الترحيبية التي لم أهيء لها أو أكتبها أن أقول : كان بودي أن تلتقوا بفرج ياسين كمَعلم جمالي وحضاري وثقافي في المدينة بل في العراق ، وليس كشخصية أكاديمية معرفية فحسب .. لكن ... إرباك المنصة .. أنساني ذلك .. وها أنا استوقف الذاكرة قبل زوالها .. وأقول من أعماق قلبي : لو كان فرج ياسين حاضرا .. كان سيصبح للاحتفاء طعم آخر .. ولون آخر يبهر الجميع .. لكنه آثر عزلته البيضاء .. التي لن ألومه عليها هذه المرة .. فقد اختار الإخلاص للكتابة والقصة وقدح الشاي المقدس .. بعيدا عن الضجيج .. والأقنعة والأطماع الشخصية التي تأتي مسوغة بالثقافة والوطنية وسواها .. وعاد ليرتقي بعزلته سلّما آخر من الإبداع .. فرج ياسين : صدقني .. أفتقدك كثيرا

مقالات

رشا فاضل - العراق

بَعْدَ ثلاثةِ أعوام ٍمِن هِجرتي إلى بريطانيا وتجربة العَيشِ في بيئةٍ صِحيَّة ومُسالمة، بَدأتُ استعيد بِشكلٍ لا اراديّ تَجربة النِّساءِ اللَّواتي مَرَرَن فِي حياتي وتقاطعتُ مَعَهنَّ كصديقات، وجارات، وقريبات، وعابِرات، وعدوَّات وعاشقات مخذولات..

لا ابالغُ إذا قُلتُ إنَّ كدماتهن كانت تظهر على جِدار رُوحي بِشكل ٍيُنافي المنطق وأنا أعيش في المَلاذِ البريطانيِّ الآمِن وكُنتُ أحاول كعادتي أنْ افهَم سِرَّ هذا الظُهور مِن بَوَّابةِ عِلمِ النَّفْس والفَلسفات الرُّوحيَّة المُختلفة وَوَجَدْتُ أنَّ مَرحلة التشافي النَّفسيّ والرُّوحيّ لا تَتمّ الاَّ بِمُواجهة ذلك التَّاريخِ الطَّويل مِنَ الأسى.. وسأسميَّه الأسى النِّسائيِّ بامتياز احقاقاً لتجاربهنَّ القاسية التَّي ماتزال وستظلُّ تتمدَّد على خرائط ِالشَّرقِ الأوسط الَّذي يمتهنُ كرامة النِّساء بِكلِّ مَطَارقِ القانون وفُؤوس الأعراف والوِصايات الأبويَّة الَّتي لَمْ وَلَنْ تَبلغ سِنَّ الرُّشْد.. لِذا وجدتني اواجه كُلَّ يَوم ٍتِلك التجارب.. الحَكايا المختبئة في ادراج بوحِهنِّ السِّريَّة.. فتَحضُر أمامي تلك الصَّديقة المخذولة الَّتي لَمْ تشفع لها شَهادتها العُليا مِنَ الوُقوع فِي خَيبة ِالحُب لا لشيء إلا َّلأنَّ مَنْ احبَّته كان جباناً شرقيَّاً آخَر يعيش ازدواجيتَّه الموروثة بتصنيفه النساء إلى صنفين الأوَّل للحبيبات العاشقات المُترفات بالوعود والأوهام والأغنيات والرسائل والدموع والمواعيد المحمومة.. والأخر للزوجات البليدات المنذورات للوظيفة الزوجية وادارة ماكنة الانجاب والموكلات بحفظ النسل واسم العائلة وشرفها الورقي.

وتَتَوالى مشاهد الخُذلان في ذاكرتي.. ألَمُها العظيم الَّذي كُنتُ شاهدةً عليه وعاجزة ًعن وضعِ ضمَّادة صبرٍعلى جُرحها.. حيث لًمْ يكن لدَيّ سِوى الكلمات.. الشتائم العبثيَّة.. عِبارات العَزاء عِندَ كُلِّ كَبوة (سيندم صدِّقيني..) نَعم سَيندم بَعدَ فَواتِ الأوان لَكنَّه لَنْ يُخبرها بذلك.. فَهذا جُزءٌ مِنْ تكوينه الغير سَويْ الَّذي نشأ عليه.. حاولت أنْ أحدثها عن النُّورِ في نهايةِ النفقِ..

وكُنتُ أُدرك مِثلها تماما ً أنَّ النًفق طًويل ولاضوء في نهايته.. فًهو نفقٌ محفوفٌ بالوصايا القبليَّة والتلفيقات الدينيَّة والأكاذيب التي تبدأ بالشَّرف الذي لمّ يكن أكثر من قشرة خارجيَّة تبدأ بحجاب الرأس وتنتهي بجوارب القدم خوفاَ من أنْ يطأ ناظرٌ قدميها حتى لو كانت مليئة بالشُقوق وكالحة جرَّاء خدمتها المنزليَّة لإثبات جدارتها بالفوز بصكِّ الزوجيَّة من ذلك المقدَّس في خطاياه.. وهو جزء من حسن السيرة والسلوك في أدائها الحياتيّ حتى يشاء الله، وتختارها احدى الامَّهات وفقاً لمقاييس الحشمة الظاهريَّة وقدرتها على الخدمة لتكون زوجة لِوَليِّ عهدها.

وإذا حالفها الحظّ سَتدخُل بَعدَ الفَوز بذلك الصكّ المُنتَظر إلى مَمْلَكَة الزَّوج الَّذي لا يحِقُّ لَها أنْ تقوم بِمُسائلتهِ عَنْ ماضيه واعتباره (غَير شريف) إذا كان لديه علاقات سابقة بّلْ إنَّ تِلك العِلاقات مَصدر فخرٍ لَهُ حتى وإنْ كانتْ مُختلقة وبَطَلتها تِلك المرأة الخياليَّة الموجودة في تاريخ كلِّ رَجُل والَّتي (قتلت روحها) لتِفوزَ بِهِ..

لَيس َمِن حقَّها أنْ تُطالبه بِشيء سِوى التَّوقيعِ على تِلك الورقة وَمِنْ ثمَّ اجادة أدائها الزوجيِّ بِخِدمَتهِ وخِدمَة عائلته جميعاً، ولا أنسى ابداً كُلَّما تحدَّثتُ مع احدى الصديقات أنْ نتذكر أحد الذين تقدَّموا لِخِطبتها حيث كان سؤاله الأوَّل لَها: (هل لديكِ ماضٍ)؟ وأصبحتْ فيما بعد هذه الجملة موضع تندُّرنا وضحكنا كلَّما تحدَّثنا وعلى الرغم من مرور سنوات على هذه الواقعة إلاَّ إنِّي بَقيت ُاتذكَّرها تَماماً بأسى كُلِّ النِّساء اللَّواتي دفعنَّ ثَمن هذه التُهمة الشَّرقيَّة ظُلماً وبُهتانا..

لكنَّ صديقتي هذه كانت تمتلك شجاعة التخلِّي فتخلَّت عن ذلك المشروع ِالوهميّ مُنذُ بدايته واحتفظت بِكرامتها وقيمتها الانسانيَّة الَّتي لا يصنعها رجُل ولا صكّ زواج مبني على الحِيَل ولا انتظار حبل خلاص يأتي من الآخر مشروطاً بأحكام العُصور الحجريَّة.. على عكس صديقتي الأخرى التَّي مَضى عَلى زَواجها سَنوات طويلة اعتادت فيها على خيانات زوجها التَّي كانت تغظُّ النَّظر عنها لتِحتفظ بِمؤسَّسة زَواج مَنخورة مِن َالدَّاخل لأنَّها لَمْ تَكُنْ تمتلك شجاعة الاعتراف والمواجهة والتخلَّي ولا حتَّى ذرَّة كرامة إنسانيَّة.. وفي مَعرِضِ الحديثِ عن الكرامة تبقى صورة صديقة أخرى حاضرة بغرائبيتَّها الَّتي ابتسمُ لَهَا كُلَّما تذكَّرتُها في ذلك النهارِ الصَّيفيّ الَّذي زارتني بِهِ لتِستشيرني فِي قَرارها المصيريّ بِقُبول الزواج من رَجُلٍ أمِّيٍ مُتزوج ثلاث مرَّات وَيريدها أنْ تكون الرَّابعة مع منحها شَرَف أنْ يكونَ عادلاً بينهم، مُستعيناً بالرُخصة الدينيَّة الَّتي اجَازَت لَهُ هذا الامتياز، طبعا ًكنت اضحك عندما قالت لِي أنَّ المتقدِّم يحمل هذه الصفات حتى شَهِقْت ُبالصَّدمة وَهي تُخبرني انَّها سَتوافق عليه!! صُدِمت وأنا أرى وَعيها وثَقافتها وتاَريخها الوَظيفيّ المشرِّف والكُتب الاكاديميَّة التَّي ألَّفتها تنهار امامي مرَّةً واحدة! قالتْ لِي مُستدركة صَدمتي بأنَّها تنظر لِلموضوع مِن ْناحية ٍأخرى، وَتَعتبَره مَشروعاً نَفعيَّاً مُتبادلاً حَيثُ إنَّ هذا الأُمِّي سَيُغذَّي عُقدة النقص في داخله التَّي حدَّثها عنها مُسبقا ًلأنَّه لَم ْينهِ دراسته مِنْ بابِ أنَّ أصحاب الشَّهادات العُليا يعملون تحت إمرته، وسَيصبح زَوج الدُّكتورة وهو انتصار آخر لِفحولته، فِيما سَتعتبره هي (مُلقِّحاً شرعيَّاً) يُمكِّنها مِنْ أنْ تَكون أمَّاً خُصوصاً انَّها في نهاية الثلاثينات فيما يصغُرها هو بخمسة أعوام مِمَّا يمنحها فُرصاً انجابيَّة نوعيَّة (عاليَّة الجودة) انطلاقاً من نفس المعادلة الَّتي يتعامل بها الرِّجال مع النساء حيث يُفضِّلون النِّساء الصغيرات ليتمكَّنَّ من الخِدمة و الانجاب، وقالت عن مشروعها التجاريِّ هذا انَّها حالَما تَجني ثِمار هذا المشروع ستبُادر في الانفصال وَتعيش مُستقلَّة وَحُرَّة مَع طفلها أو طِفلتها خُصوصا ًانَّها تَمتلك الحريَّة الماليَّة الَّتي تحفظُّ كرامتها، وَوَجدتني اوافقها تماماً في هذا المشروع فبعيداً عن الصورة الرومانسيَّة للارتباط وفارس الخُيول البيضاء والاغنيات والرسائل المعطَّرة والهدايا، هنالك الكثير من النساء لا يحظين بهذه التجربة لسببٍ أو لآخر وهو أمرٌ طبيعيّ حدث ويحدث على مرِّ التاريخ ولأسبابٍ مختلفة واحيانٍ كثيرة دون أيِّ سببٍ منطقيّ، وجدتني اهتف قائلةً أنَّ هذه الفكرة عبقريَّة! ووجدتُ الفكرة ذاتها عند جارتي وصديقتي الخيَّاطة التي لَمْ تُكمل تعليمها وتزوَّجت برجل ٍعاطلٍ انجبت منه أربعة أولاد رائعين فيما تقوم هي بخدمتهم واعانتهم بينما يواصل هو استرخائه واستمتاعه بالأرباح التي يجنيها جرَّاء منحها صك ّالزواج مستهلكا ًصحَّتها وعمرها، وعلى عكس خِطَّة صديقتي الدكتورة، فهي مُصرَّة على الاحتفاظ به انطلاقاً من مبدأ (ظلِّ رجل ولاظلِّ حيط) عِلماً أّنَّ الحائط سَنَد لا يُمارِس اذلالنا ولا امتهان كرامتنا..

نَعمْ ماتزال هذه الحَكايا وغيرها كُثر.. تطفو على سطح ذاكرتي.. مَا زِلت أتذكَّر ذلك الألم لأنَّه ما يزال قائما ًومُقيماً..
وماتزال صديقاتي يقاوِمنَّ بالكثيرِ من الصَّبرِ والقَهر والكَدَمات ِالرُّوحيَّة وبأقصى قَدْرٍ مِنَ الصَّمتِ في الوقت الَّذي يرغبنّ فيهِ بالصُّراخِ بِوَجهِ هذا الشَّرق الظَّالم والمظلوم الَّذي لا يعرف الشَّرف إلاَّ على أجسادِ النِّساء ويتناسى أنَّ الكلمة شرف وإنَّ صِيانة العهود شرف.. وأنَّ الصِّدق مِقياس الرُجُولة والإخلاص مِقياس الإيمان والخُلُق الكَريم..
تعليقات