تحقيقات
أحمد حافظ - القاهرة - " وكالة أخبار المرأة "
فوجئت عنان حجازي، وهي استشارية مصرية متخصصة في الصحة الجنسية والعلاقات الأسرية، بدخول رجل إلى عيادتها الطبية يشتكي من زواجه من ثلاث نساء، ورغم ذلك لا يستمتع معهن في العلاقة الحميمية كما يشعر بالإثارة وهو يشاهد المقاطع الجنسية المنتشرة بكثافة على المواقع الإباحية.
برر الرجل استمراره في المشاهدة بأنه يرغب في امرأة تمارس معه العلاقة الحميمية بنفس طريقة الممثلين في الأفلام الجنسية، ولم يجد ذلك مع أي من زوجاته الثلاث، فاستمر على نفس المنوال رغم أنه أنجب أبناء وتقدم في السن، لكن حالة الهوس التي تطارده حول مفاهيم الإثارة أوصلت علاقته بالإباحية حد الإسراف في الإدمان.
وتثار قضية المواقع الإباحية في الوقت الراهن على نطاق واسع في دول عربية من بينها مصر والأردن، وهناك ضغوط برلمانية على حكومتي البلدين لتراخيهما في غلق هذه المواقع بدعوى الحفاظ على القيم والأخلاق وتحصين الشباب من الوقوع في فخ الرذيلة لأن الشريعة الإسلامية تحرم مثل هذه السلوكيات وتدعو إلى مواجهتها.
وثمة تحديات كثيرة تواجه الجهات الرسمية التي تتصدى للأزمة أيضا، أهمها غياب الحنكة والإرادة في إقناع الناس بأن التربية الجنسية أكبر من مجرد تطرق لقضية حساسة، فهي مرتبطة بالوقاية والصحة الجنسية والسعادة الحياتية في محاولة لتغيير المفاهيم الخاطئة والمعيبة حول مفهوم ومعنى الجنس.
وتلتزم الجهات الإعلامية والثقافية والمؤسسات الفكرية وقادة الرأي المنوط بها توعية الناس الصمت، وتتجنب الدخول في معركة خاسرة، فالأغلبية في أيّ مجتمع محافظ لم تستوعب أن أخطر ما في حياة أي جنسين أنهما عندما يشعران بأن الرغبة الجنسية تسري في جسديهما يحاولان البحث وراء الأسباب المنطقية.
أمام الجهل والعيب والحرام يتعامل بعض الأشخاص بشراهة مع الأفلام الإباحية للحصول على المعرفة، ويتطور الأمر من مرحلة التثقيف إلى الإدمان حتى لو بلغ أي طرف منهم مرحلة الزواج وتطبيق العلاقة الحميمية عمليا.
وما زال التطرق إلى الثقافة الجنسية في كثير من المجتمعات العربية من المحرمات (التابوهات) التي لا يجوز الاقتراب منها أو المطالبة بتحطيمها، ورغم احتلال بعض الدول مرتبة متقدمة في تصفح المواقع الإباحية، لكن فتح أي ملف يرتبط بالجنس فيها يظل جريمة لا تغتفر، وقد يتعرض من يقدم على هذا الدور للمحاكمة القانونية أو المجتمعية باعتباره يدعو إلى الحرية الجنسية.
أزمة عميقة
عكست واقعة الرجل الذي تزوج ثلاث نساء لمجرد بحثه عن ممارسة الجنس بطريقة الأفلام الإباحية عمق أزمة تصفح هذه المواقع، وأنها أبعد ما يكون عن تأخر سن الزواج أو تعويض الحرمان الجنسي، فالبحث عن التثقيف المرتبط بالجنس يظل الدافع الأساسي في ظل المحرمات التي يفرضها أرباب الأسر على المعرفة الجنسية، فهناك رجال متزوجون تنقصهم المعلومات الكافية عما وراء الجنس.
وترى حجازي أن “مدمني المواقع الإباحية بطبيعتهم يلجأون إلى هذا الخيار لمحاولة تعويض الأمية الجنسية، والأزمة أنهم عندما يتعودون على طريقة بعينها لممارسة العلاقة الحميمية لا يتخلون عنها بسهولة، حيث تظل تصاحبهم وتختزل في عقولهم باعتبارها الطريقة الصحيحة والفريدة، وما يحدث في الحقيقة هو الخيال”.
ولا ينسى أحمد، وهو اسم مستعار لشاب في العقد الثالث من عمره، أنه عندما اقترب موعد زواجه من فتاة ارتبط بها بشكل تقليدي، لم يكن يعلم شيئا عن العملية الجنسية، كيف تبدأ وتحدث وتنتهي، ومراحل الإثارة عند الرجل والمرأة، فاضطر إلى سماع نصيحة أحد أصدقائه بتصفح أحد المواقع الإباحية الشهيرة ليفهم أبعاد العلاقة الحميمية.
وأضاف الشاب أن “الكثير من الباحثين عن الإباحية يتعاملون معها كبيئة تعليمية يحصلون منها على المعلومات الجنسية التي حرمهم منها المجتمع تحت مبررات مختلفة مثل التعري والانحلال والرذيلة وإقناع روادها بمقاطعتها. ومن المفترض وقف تحقير الجنس والتعامل معه كقضية يجب مناقشتها علنا كي لا يلجأ الناس إلى السرية”.
وأكدت استشارية الصحة الجنسية “صعوبة معالجة اللجوء إلى مطالعة المحتوى الإباحي من دون وجود مشروع توعوي للشباب والفتيات المقبلين على الزواج للحديث معهم بأريحية وجرأة حول كل ما يرتبط بالجنس، وكيفية إدارة هذه العلاقة بشكل صحي، لكن التحدي في مدى تقبل المجتمع للفكرة، ولن يتم تحطيم ثقافة العيب بدون شجاعة الآباء أنفسهم”.
الجرأة والشجاعة
وأوضح عادل السيد، وهو باحث متخصص في العلاقات الاجتماعية، أن التحدي الأكبر أمام أي حكومة تسعى لاستبدال الإباحية بالتربية الجنسية هو إقناع الشريحة المحافظة بأنها تحاول إصلاح مفسدة، لأنها لن تستطيع الوقوف بوجه الهجمة المحملة بغطاء ديني والتي تصور الخطوة كدعوة صريحة للانحلال والتحرر الجنسي.
وإذا كان اللجوء إلى هذا الخيار ضرورة في بعض الأحيان قبل تحول الأمر من التثقيف إلى الهوس، فالمعضلة الحقيقية تأتي من غياب البديل الذي يوفر المعرفة ببواطن الجنس وخفاياه، فلا توجد مناهج تعليمية تتطرق إليه، ولا أفلام سينمائية تناقشه بجرأة، ولا كتب لمتخصصين تصدر بحرية لتوعية الباحثين عن المعرفة الجنسية.
تحديات تكنولوجية
وأوضح الخبير والمتخصص في تكنولوجيا المعلومات وليد حجاج أن “أزمة الكثير من الدول العربية أنها لا تعترف بحجم التحديات المادية والتكنولوجية التي تقف عائقا أمام التصدي للمحتوى الإباحي على شبكة الإنترنت قبل الوصول إلى شعبها، ويبدو أن ثمة حالة من الاستهلاك الإعلامي للإيحاء بأنها قادرة على حماية الناس من الانحلال”.
وذكر أن مشكلة بعض الحكومات تأتي من عدم قدرتها على إلزام شركات الإنترنت في بلادها بغلق المواقع الإباحية ومنعها من الوصول إلى الناس من خلال هذه الشبكات، كما لم تتحرك الدول الراغبة في غلق أو حجب المحتوى الإباحي لإجبار شركات الاتصالات على الالتزام بطلب أي رب أسرة عدم بث محتويات إباحية على الإنترنت الخاص به وبأولاده.