تحقيقات
هبة أنيس - القاهرة - " وكالة أخبار المرأة "
تقف في المطبخ تنهي أعمال المنزل اليومية، فتسمع صوت الباب ومعه صوت دقات قلبها التي تتجدد كل يوم مع هذا الموعد، والذي يليه لقاء على فراش الزوجية غير محبب بالنسبة لها، ولكنها تنفذه كواجب يومي لا يمكن التخلي عنه، فتضع العشاء لزوجها وتذهب من تلقاء نفسها إلى حجرة النوم لتنتظره ليفعل ما يشاء، ثم ينتهي اليوم وتنتظر يومًا جديدًا بنفس التفاصيل.نعمة محمد* (43 سنة)، من إحدى القرى التابعة لمدينة المنصورة، تقول: «من صغري وأنا كنت شايفة أبويا بيعامل أمي بقسوة وعنف، وضرب وشتيمة وكان نفسي يجي اليوم اللي اتجوز فيه علشان أخلص من العذاب ده، ولما اتقدم لي عريس، وافقت عليه، وتخيلت أن ده هيكون بداية حياة جديدة، بس اللي حصل إنها كانت بداية جديدة من العذاب اللي مش بينتهي، واللي بدأ معايا من يوم الدخلة».
الاتهامات بالبرود الجنسي والتعرض للعنة الملائكة، كانت هي الرد على الزوجة عندما تطلب من زوجها تأجيل اللقاء لوقت آخر، فيسبب لها الأمر مخاوف جديدة من العقاب الإلهي كما ذكرت لـ«مدى مصر»، فترضخ في النهاية للأمر: «كنت بوافق في النهاية علشان كنت بخاف اللي بيقوله، وأنه حرام عليا أرفض، وكمان كان بيحسسني طول الوقت أن أنا اللي باردة أو المشكلة عندي».
بعد سبع سنوات وصفتهم السيدة في حديثها بسنوات العذاب، قررت طلب الطلاق، بعد وضعها ثلاثة أطفال، وبعد يأسها من تحسن أحوال زوجها: «اتكلمت معاه أكتر من مرة وطلبت منه يتغير وكل مرة كان بيوعدني إنه هيتيغر وتاني يوم يرجع الوضع زي ما هو تاني. الضرب لو رفضت والإهانة، والعنف مستمر، والتهديد بالعقاب الإلهي، ولو عندي الدورة برضه بيعمل كده وهو لابس واقي ذكري، وساعتها أسأله ليه مبتقولش على ده حرام يقولي ملكيش دعوة أنا عارف أنا بعمل إيه، ساعتها إتاكدت إنه الحياة دي مش نافعة ومش لازم تستمر».
العنف كان مصير السيدة في فراش الزوجية، ومنزل الأسرة أيضًا، كما روت لـ«مدى مصر»، حتى عادت إلى منزلها مجددًا لا تدرى ماذا تفعل، ويدور في ذهنها العديد من الأسئلة، فهل تلعنها الملائكة حقا؟، وهل ما طلبته من أشقائها «عيب»، كما أخبروها وليس من حقها؟، وماذا سيكون مصير الثلاثة أطفال؟، ومع الأسئلة لم تجد الإجابات، وزادت الحيرة: «لحد مالقيت محامي من نفس البلد اللي أنا فيها كاتب على الفيسبوك عن حالات الاغتصاب الزوجي اللي بيساعدها، فقررت اتواصل معاه».
الزوجة التي قررت وضع حد لتلك الحياة القاسية لا دخل لها فهي لا تعمل، فقررت الذهاب لأشقائها مرة أخرى تطلب مساعدتهم حتى تتمكن من حصولها على حقوقها من زوجها عقب الطلاق، لتجد نفس الرد السابق: «المرة دي طردوني قدام ولادي وقالوا لي مفيش ليكي ولا مليم، اتصرفي واصرفي على نفسك وعلى عيالك بعيد عننا إحنا مش عاوزين فضايح».
خرجت الأم من منزل أشقائها مجددًا بما وصفته «خيبة أمل جديدة»، ووصلت منزلها بصحبة أطفالها الثلاثة، لتكتشف حينها أنها حامل للمرة الرابعة، فاتصلت بالمحامي لتخبره أنه توقفت عن فكرة الطلاق، وعدلت عن القضية: «مكنش قدامي حل غير كده مكنتش عارفة هصرف على التلات عيال والطفل الجديد منين، لو كنت بطولي كان يمكن الموضوغ يكون سهل شوية، بس في رقبني هيكون أربع عيال، وأبوهم ميعرفش عنهم حاجة، ومعرفش لو سبتهم لواحد زي ده ممكن يعمل فيهم إيه، وفيهم بنت بكرة تكبر وتبقى عروسة، فقررت استحمل علشان ولادي».
علي الحلواني المحامي الحقوقي، قال لـ«مدى مصر»، إن قضايا الطلاق للضرر تختلف عن قضايا الخلع، وفيها تحصل السيدة على حقوقها الزوجية من نفقة ومؤخر، ولكنها تمر بنفس إجراءات قضايا الخلع، وهي التقدم لطلب تسوية بمكتب شؤون الأسرة في محكمة الأسرة، وبعد ذلك يجري إخطار الزوج بطلب التسوية وإحالة القضية للمحكمة وتسجيل عريضة الدعوى بجدول محكمة الأسرة، مشيرًا إلى أن تلك النوعية من القضايا تأخذ وقتا يتراوح بين ستة أشهر وسنة ونصف، وطيلة الفترة يطلب المحامي من الموكلة نفقات مختلفة، فهناك سيدات يرفعن القضية بالفعل، ولا يكملن بسبب الوقت الطويل، وعند نفاذ أموالهن لا يجدن أمامهن طريقًا سوى العودة للحياة الزوجية مجددًا.
وفي قضايا الطلاق للضرر وفقًا لـ«الحلواني»، فما يقرب من 99% من قضايا الأسرة تتم في غرف مشورة وليست في جلسات معلنة، لأن قضايا الأسرة متعلقة بأمور حساسة كطلب الطلاق للعجز الجنسي مثلًا، وهنا لا يمكن مناقشة القضية في قاعة أمام عدد من الجمهور، ولكن تتم في غرفة مشورة في وجود الزوجة والمحامي والقاضي. ويوضح الحلواني أن قضايا الطلاق للضرر ترفع لأسباب عدة بعيدة عن الاغتصاب الزوجي لأنه لا يعترف به أمام المحكمة، فترفع القضية إما لاعتداء الزوج على الزوج بالضرب أو الهجر لأكثر من ستة أشهر، أو عدم الإنفاق على الزوجة أو الأطفال.
لم يراع الزوج آلام زوجته في الأسبوع الأول من الزواج، وظل يطلب منها تكرار العلاقة لأكثر من مرة في اليوم، فتخبره برفضها، ولكنه ينفذ ما يريد، فيزيد الألم والنزيف عقب كل علاقة زوجية، ومع زيارة والدتها أخبرتها بالأمر، فردت عليها: «متقوليش لحد كده علشان هتتحسدي جوزك الحمد لله صحته حلوة وهو الراجل لازم يعمل كده وأوعي تفتحي بوقك بقلة الأدب دي مع حد».
بعد عام من الزواج، حملت السيدة، ومع شهور الحمل الأولى زاد تعبها وتوقفت عن الذهاب للعمل، وطلبت من زوجها التوقف قليلًا عن ممارسة تلك العلاقة بسبب تعبها المستمر: «في مرة جرني على الأرض ودخلني الأوضة ومفرقش معاه العيل اللي في بطني، وحط عضوه الذكري في بوقي ورجعت لأنه دخله لزوري، وأنا تعبانة، ولما رجعت وهو خلص، قالي لمي هدومك وروحي لأمك مش ناقص قرف».
الدكتورة ياسمين يسري، طبيبة أمراض نساء، تقول إنها تستقبل في عيادتها الخاصة، حالات عدة لاغتصاب زوجي يؤثر على الزوجة صحيًا، فهناك حالات تعاني من خلالها الزوجات من التهابات واضحة في الأعضاء التناسلية بسبب العنف في العلاقة الزوجية، ويصل الأمر في بعض الأحيان لنزيف مهبلي، وتمزق في عنق الرحم، وهو ما يحدث في حالات الاغتصاب، وهنا يمكن للزوجة أخذ تقرير من الطبيب بالحالة، ولكنه يصبح تقرير غير معترف به أمام الجهات القانونية لأنه صادر عن طبيب خاص، وبحكم عملها في أحد المستشفيات الحكومية، ترفض المستشفيات صدور تلك التقارير في حالات الزواج، وتصدر فقط في حالات الاغتصاب لإثباته، لكن لا يتم الاعتراف بالاغتصاب الزوجي، وهو الأمر الذي أكدته إيمان عبدالله أخصائية النساء والتوليد في مستشفى المطرية الحكومي، بأنه من الصعب الحصول على تقرير يثبت اعتداء الزوج على زوجته جنسيًا بالمستشفيات الحكومية، ويتم الأمر في حالات الاغتصاب خارج الزواج فقط.
لا توجد إحصائيات رسمية بحالات الاغتصاب الزوجي في مصر، كما لا يوجد قانون يجرم الأمر، بعكس العديد من الدول، ففي عام 2013 حكمت محكمة فرنسية بالسجن ثلاث سنوات مع النفاذ على رجل أدين بضرب زوجته واغتصابها في 2010، وفي المغرب حكمت المحكمة في 2019، على زوج بالحبس سنتين وغرامة 200 يورو، في تهمة الاغتصاب الزوجي.
فينص القانون الجنائي المغربي على جريمة الاغتصاب ويعتبرها جناية تترواح عقوبتها بين خمس وعشر سنوات سجنًا، وهي بذلك في نفس مرتبة جناية «هتك العرض» من حيث الوصف والعقوبة، أيضًا أصدرت فرنسا عام 2010 قانونًا صريحًا يتعلق بالأعمال المرتكبة بين الأزواج، ويسمح لقاضي شؤون الأسرة بأن يصدرعلى وجه الاستعجال أمرًا لحماية الزوجة بالإبعاد المكاني للزوج المعتدي على زوجته في ثلاث جنح من
ورغم أن القانون المصري يعاقب المغتصب بعقوبة تتراوح بين السجن ثلاث و25 سنة، ولكنه لا يعترف باغتصاب الزوج لزوجته، كما قال المحامي الحقوقي رضا الدنبوقي، المدير التنفيذي لمركز المرأة للإرشاد والتوعية القانونية، وهو مركز يهتم بقضايا المرأة، ويعمل على عقد الندوات الإرشادية للسيدات في محافظات عدة للتوعية بحقوقهن، إن الاغتصاب الزوجي واحد من أهم مظاهر العنف ضد المرأة، وعدم تجريمه يؤدي لآثار نفسية سيئة على المرأة، مؤكدًا ضرورة وضع تشريع لمواجهة هذا الأمر بالقانون المصري. وأضاف لا يوجد بالضرورة علامات أو آثار للاغتصاب، ولكن في العديد من الحالات يمكن إثبات الاغتصاب من خلال فحص السيدة التي تتقدم بالشكوى، وفحص جسدها وما تتعرض له.
وأعلن المجلس القومي للمرأة منذ 2013 عن إعداد مشروع قانون للعنف ضد المرأة، لكن مشروع قانون المجلس، والمنشور إلكترونيًا، لم يتضمن أي مادة خاصة بالعنف الجنسي الزوجي، ولم يناقش البرلمان في جلساته المنعقدة أي مواد تخص العنف الزوجي ضد المرأة.
العنف والاغتصاب الزوجي ليس قاصرًا على المجتمعات الريفية فقط، ولكنه يتم أيضًا في المجتمعات الأخرى داخل المدن، وهو ما حدث مع أمل محمد* (33 سنة)، التي انفصلت عن زوجها الأول بسبب رفضه لعمل المرأة، وعدم إيمانه بحرية المرأة في الحق والاختيار، فقررت الانفصال عنه: «اتعرفت على جوزي التاني وكان يبدو أنه مؤمن بحرية المرأة وكان مسمي نفسه شيوعي علشان أفكاره التحررية، وبعد الجواز بشهر، لقيته مرة جه وأنا نايمة وشدني من هدومي وبدأ يلمس أجزاء من جسمي قلت له مش عاوزة دلوقتي، بس مهتمش بالي بقوله وفضل مستمر».
لم تخبر أمل أسرتها ما حدث مع زوجها: «كنت عارفة أن محدش هيفهمني من أهلي فقلت لهم إننا مختلفين عن بعض، وده كمان مكنش سبب مقنع بالنسبة لهم بس ده هيقبلوه عن السبب الحقيقي اللي لو عرفوه ممكن يرجعوني ليه بالعافية».
نشر موقع «مصراوي»، عام 2016، جريمة قتل نفذتها زوجة، بـ«مقشة المكنسة»، التي انهالت بها ضربًا على زوجها حتى فقد حياته، بسبب إجبارها على ممارسة العلاقة الزوجية من الخلف، كما جاء في اعترافاتها أمام النيابة، ليكون هذا بمثابة الوجه الآخر لرد فعل السيدات أو ما يمكن القول عليه الانفجار في مواجهة الإجبار على العلاقة الجنسية، كما نشرت صحيفة «جارديان»، في تقرير لها في 2008، أن الأشخاص الذين يقتلون شركائهم بعد سنوات من الانتهاكات، أحيانًا يتجهون لاستخدام طرق للدفاع عن النفس تأخذ شكل الانفجار العنيف، و هو دفاع يستخدم في إنجلترا في محاكمات لجرائم من هذا النوع. ولكن من الناحية القانونية في مصر لا يعتبر هذا مبررًا للقتل أو مبررًا لتخفيف العقوبة على السيدة وفقًا للمحامي الحقوقي علي الحلواني، الذي أكد أن القاضي يتعامل مع تلك النوعية القضايا كقضايا قتل عادية وتواجه السيدة حكمًا وفقًا للقضية يقدره القاضي.
على جانب آخر، كان هناك مبادرات عدة من جانب المجتمع المدني لمعالجة تلك الأزمة، ومنها مبادرة مركز النديم، وهو ما توضحه ماجدة عدلي، مدير مركز النديم، قائلة إنه في عام 2005 بدأ المركز في إعداد مشروع قانون لأشكال العنف ضد الأسرة كافة، بما فيه العنف الجنسي ضد النساء المتزوجات وغير المتزوجات أيضًا، وتعريف مواد العنف الجسدي والجنسي به وفقًا للاتفاقيات الدولية، وتم العمل على مشروع هذا القانون حتى عام 2008، وزار المركز العديد من محافظات مصر لرصد أشكال العنف، وتنظيم مؤتمرات مختلفة، حتى أخذ المشروع صيغته النهائية، وقدم للبرلمان في 2009 لكن دون استجابة. وفي عام 2010 وقع عليه فتحي سرور لدخول لجنة المقترحات بالبرلمان.
وأضافت عدلي، أن مشروع القانون ظل بلجنة المقترحات حتى قيام ثورة يناير، ليتوقف المشروع، وفي 2013 تم الاتفاق على تقديم مسودة قانون ضد التحرش، لأنه قيل حينها من جهات عدة، إن العنف في الأسرة المصرية من المواضيع الحساسة، ويجب تأجيل مناقشته، وبعد ذلك قدمت العديد من مشروعات القوانين للبرلمان، من جهات مختلفة منها المجلس القومي للمرأة، ولكن البرلمان لم يناقش تلك القضية، حتى تلك اللحظة.
وأوضحت عدلي أن مادة الاغتصاب الزوجي، تعرضت للعديد من الانتقادات بالصحافة المصرية، ومنها كاريكاتير لزوج وزوجة وبينهما البوليس، وكذلك للعديد من التعليقات المتجاوزة بحق واضعي المادة، كما قدم أحد المحامين بلاغ ضد المركز بخصوص تلك المادة وتم حفظ البلاغ، حيث أثار الموضوع زوبعة كبيرة حينها. وقالت عدلي إن النساء اللاتي يتعرضن للاغتصاب الزوجي يشتكين في البداية من أشكال مختلفة من العنف، مثل الضرب والإهانة والعنف الاقتصادي وغيرها، وعندما يصل الحديث لتلك النقطة، التي تكون حساسة يفضلن عدم التحدث بها، بسبب الرفض المجتمعي، والخوف أيضًا من «العقاب الإلهي» الذي يرسخه في أذهانهن الأزواج ورجال الدين أيضًا، ويتعامل المركز مع تلك الحالات وفقًا لما تراه السيدة، فهناك سيدات ترغبن في علاج نفسي وتأهيلي، وأخريات يلجأن للمسار القانوني للطلاق، فتحدد السيدة ما تريده ويتعاون معها المركز.