وكالة أخبار المرأة
فقد جاء ترشيح الرئيس الأميركي باراك أوباما ليلين لتولي رئاسة بنك الاتحادي الفيدرالي ليدفع بها إلى أعلى مراتب القوة الاقتصادية، ويجعلها بين أقوى نساء العالم، لتتصدر قائمة النساء الأكثر نفوذا في العالم، ولتصبح قوتها أكبر من شخصيات مهمة في الوقت الحاضر، مثل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ووزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون ومديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد وديلما روسيف رئيسة البرازيل، صاحبة سادس أكبر اقتصاد في العالم.
وعند مصادقة الكونغرس على ترشيحها، ستصبح يلين أول امرأة تتولى قيادة الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في التاريخ. ومنصب رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي هو منصب كبير التأثير في السياسات الاقتصادية، وسوف تقود يلين عمليات صياغة السياسات حول أسعار الفائدة وفي تنظيم الأداء المصرفي والتعامل مع الأزمات المالية. والأهم من ذلك أنها ستكون مسؤولة عن التواصل بين بنك الاتحادي الفيدرالي وتحركات الأسواق العالمية، بمعنى أن كل قرار تتخذه ستكون له أصداء في كل أنحاء العالم.
ورغم الملل الذي يشوب عمل بنك الاتحادي الفيدرالي (الذي تأسس في عام 1913) فإن عمله الأساسي هو التأكد من أن الاقتصاد الأميركي يبقى في مرحلة معتدلة، من دون أن ينمو بشكل سريع للغاية أو بطيء للغاية، بل يسير بشكل معتدل للحفاظ على أهم معدلين، وهما معدلات التضخم ومعدلات البطالة. ويرفع بنك الاتحادي الفيدرالي معدلات الفائدة عندما يشعر بأن معدلات النمو مرتفعة للغاية، ويخفض أسعار الفائدة عندما يرى أن معدلات النمو منخفضة للغاية. ويفعل ذلك من خلال التحكم في حجم الأموال الموجودة في الاقتصاد. وقرارات الاحتياطي الفيدرالي حول سعر الفائدة لا تؤثر فقط على الاقتصاد الأميركي، بل تؤثر قراراته على الاقتصاد العالمي، كون الدولار هو عملة الاحتياطي في العالم. وقد ربطت العديد من الأسواق النائية نفسها واقتصادها بالدولار، ولهذا السبب يطلق خبراء الاقتصاد على بنك الاحتياطي الفيدرالي لقب «القوة العظمى النقدية».
ويقود بنك الاتحادي الفيدرالي عملياته الخاصة للحصول على التمويل، ولا يطلب أموالا من الكونغرس لذا لا يخضع للقيود المعتادة لعمليات الاعتمادات المالية التي تقرها الكونغرس. ورئيس بنك الاتحادي الفيدرالي هو أيضا رئيس لجنة السوق المفتوحة الاتحادية (FOMC) وهو المفتاح الرئيس لصياغة السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي. ونظريا يملك رئيس بنك الاتحادي صوته فقط، لكنه واقعيا يملك كل مفاتيح التأثير في تحديد السياسة النقدية في أكبر اقتصاد في العالم.
وقد جاء اختيار الرئيس أوباما ليلين (67 سنة) الأسبوع الماضي في أعقاب عملية اختيار صعبة، فقد كان خياره الأول هو وزير الخزانة السابق لورنس سمرز، لكن هذا الخيار واجه معارضة شديدة من الديمقراطيين. وتحظى يلين بدعم قوي من الحزب الديمقراطي الذي انتقد اتجاه أوباما لترشيح سمرز المقرب من وول ستريت لاعتراضهم على سياساته غير القوية في مجال تنظيم العمل المصرفي.
واعتبر ترشيح يلين الأفضل خيارا بالنسبة لأوباما باعتبارها نائبة الرئيس الحالي لبنك الاحتياطي الفيدرالي بن برنانكي والقريبة في أفكارها وسياساتها منه. وأشاروا إلى أنها ستواجه معارضة أقل في مجلس الشيوخ الذي يتعين أن يوافق على ترشيحها للمنصب.
وتنتهي فترة رئاسة بن برنانكي لبنك الاتحادي الفيدرالي في 31 يناير (كانون الثاني) المقبل، وسيكون على اللجنة المصرفية بمجلس الشيوخ تقرير موقفها من ترشيح جانيت يلين قبل هذا التاريخ. ويؤكد المحللون أن يلين لا تواجه عقبات في الفوز بموافقة الكونغرس على ترشيحها خاصة أن أي معارضة من الجمهوريين لترشيحها ستكون مخاطرة كبيرة في ظهور الحزب بمظهر المعارض لأي إجراءات وظهوره بأنه ضد مبدأ تولي امرأة للمنصب.
ويأتي ترشيح يلين في وقت يزداد فيه القلق مع استمرار الحكومة الفيدرالية والجدل السياسي الدائر بين إدارة أوباما والكونغرس حول رفع سقف الديون، مما أثر على الأسواق المالية وأدى إلى تراجعها. وفور إعلان ترشيح أوباما ليلين سادت الأسواق أجواء إيجابية، وتفاءلت الأسواق بهذا الاختيار. كما خرجت تصريحات مؤيدة من داخل الكونغرس، فقال رئيس اللجنة المصرفية بمجلس الشيوخ السيناتور الديمقراطي تيم جونسون «أنا اثني على اختيار الرئيس أوباما لجانيت يلين لتولى رئاسة بنك الاحتياطي الفيدرالي»، مضيفا «إنها لها عمق تجربه لا يعلى عليه، وليس لديّ أي شك في أنها ستقوم بعمل ممتاز». كما أشاد عدد من الديمقراطيين الليبراليين باختيارها، وقال السيناتور الديمقراطي شيرود براون «هذه لحظة تاريخية في مجلس الاحتياطي الفيدرالي وللنساء في كل العالم، وبالنسبة للذين يهتمون بخلق فرص عمل، وسوف تعمل يلين على منع الأزمات المالية وتخطط لتعزيز السوق وتعطي خطط خلق فرص عمل أقصى قدر من الاهتمام».
وينظر لجانيت يلين باعتبارها إحدى حمائم السياسات النقدية الأميركية، وتهتم أكثر بمخاطر ارتفاع معدلات البطالة أكثر من تفشي التضخم، وهو ما يعنى أنها ستكون أكثر شراسة من بن برنانكي في صنع سياسات من شأنها أن تحقق أقصى درجة من خلق فرص عمل في الولايات المتحدة، وأنها على استعداد لتحمل ارتفاع في الأسعار من أجل معالجة مشكلة البطالة. فيما يطالب العديد من المحافظين وصقور السياسة الأميركية بالسيطرة على التضخم والحفاظ على الأسعار منخفضة ليكون ذلك هو أولوية بنك الاتحادي الفيدرالي. ويتوقع البعض أنها ستميل إلى إبقاء سعر الفائدة منخفضة وستحافظ على تنفيذ السياسات الحالية المتعلقة بشراء الأصول لفترة طويلة من الزمن حتى تنخفض معدلات البطالة إلى أقل من مستواها الحالي المقدر بنحو 7.3 في المائة.
وقد أشار بنك الاحتياطي الفيدرالي برئاسة برنانكي مؤخرا إلى نيته التراجع عن شراء الأصول في خريف هذا العام، لكن علق تلك الخطط بعد الأزمة السياسية في واشنطن بين الإدارة والكونغرس، مع إشارات توضح أن الاقتصاد الأميركي لا ينمو حتى الآن بقوة كما كان بنك الاحتياطي يأمل.
لكن الضجة واحتفاء الأسواق بأخبار ترشيح يلين لم يمنعا خروج كثير من الاعتراضات من جانب الجمهوريين في مجلس الشيوخ ضد ترشيحها للمنصب بسبب دعمها برنامج تحفيز ضخما قام من خلاله بنك الاحتياطي الفيدرالي بشراء مئات المليارات من سندات الخزانة وسندات الرهن العقاري في محاولة لإبقاء أسعار الفائدة منخفضة وتعزيز الاقتصاد. ويعتقد كثير من الجمهوريين أن هذا الإجراء أدى إلى رفع معدلات التضخم، وأن بنك الاتحادي الفيدرالي استحوذ على سلطة التخطيط المالي الذي يجب أن يبقي في يد الكونغرس.
وأشار السيناتور الجمهوري بوب كروكر إلى أنه عارض في السابق ترشيح يلين لتولي منصب نائب رئيس بنك الاتحادي الفيدرالي في عام 2010 بسبب آرائها حول السياسة النقدية، وأنه سينظر بتشكك حول ترشيحها لمنصب رئيس بنك الاتحادي. وقال «سندرس عن كثب سجلها منذ ذلك الوقت، لكني لست على علم بأي شيء يشير إلى تغير وجهات نظرها».
وقد حصلت يلين على شهادة البكالوريوس في الاقتصاد بامتياز من جامعة براون عام 1967، وحصلت على درجة الدكتوراه من جامعة ييل المرموقة عام 1971 وعلى درجة الأستاذية من جامعة كاليفورنيا عام 1985. كما أنها حصلت على درجة الدكتوراه الفخرية في القانون من جامعة براون عام 1998 والدكتوراه الفخرية في الآداب الإنسانية من كلية بارد عام 200. ولها كتابات كثيرة في قضايا الاقتصاد الكلي والآثار المترتبة على البطالة.
وقد تقلدت جانيت يلين منصب الرئيس التنفيذي لبنك الاحتياطي الفيدرالي بسان فرانسيسكو بين عامي 2004 و2010، وكانت عضوا بمجلس الاستشاريين الاقتصاديين للرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون بين عامي 1997 و1999، وعضو مجلس إدارة المحافظين ببنك الاتحادي الفيدرالي. وهي متزوجة ولديها ابن وحيد هو روبرت اكيرلوف الذي يعمل أستاذا جامعيا.