لماذا يُخرَجُ المُخرِجون من الحياة قسرًا؟

آمال عوّاد رضوان - فلسطين بلغَني سؤالُهُ مُستفسِرًا عن معنى الكتابة، وكوْني شاعرةً وأديبةً في ظلِّ الاحتلال، وتبادرَ لروحي قوْلُ جيفارا: "أحسُّ على وجهي بألمِ كلِّ صفعةٍ توجّهُ إلى كلِّ مظلومٍ في هذه الدّنيا، فأينما وُجدَ الظّلمُ فذالك وطني، وإنَّ الطّريقَ مظلمٌ حالِكٌ، فإذا لم نحترقْ أنتَ وأنا فمَن سينيرُ لنا الطّريق"! وكأنّ بلادَنا المحتفلةَ بأعيادِ استقلالِها الوطنيّةِ تتمتّع بهويّةِ الحُرّيّة! وكـأنّ الوجودَ العربيَّ بمعظمِ مُكوّناتِهِ مِن لغةٍ وثقافةٍ وسيادةٍ وثرواتٍ واقتصادٍ مُهدّدٌ كيانهُ المستقبليّ مِن قِبلِ قوى عظمى! وكأنّنا نعملُ بالمقولةِ المأثورةِ: " نموتُ واقفينَ ولا نموتُ راكعين"، ونرفعُ قوْلَ لنكولين شعارًا: "اِنهضوا أيّها العبيدُ، فإنّكم لا ترونَهم كبارًا إلاّ لأنّكم ساجدون"؟ أيننا مِن مفهومِ الحُرّيّةِ والاحتلالِ العسكريّ؟ وماذا عن الاحتلالِ الفكريِّ وزعزعةِ الإيمانِ، وخلخلةِ الثّوابتِ الفكريّةِ، وخلْقِ الفوضى والفتنةِ بينَ عناصرِ الشّعبِ الواحد؟ كيفَ نفسّرُ تبعيّةَ دوُرِ الإعلامِ والدّعايةِ كقوى مُحرِّكةٍ في الاحتلالِ النّفسيِّ وبثِّ سمومِها المُغرية؟ هناكَ حركاتٌ مصطنعَةٌ تدّعي الاعتدالَ والعدلَ، تُوجّهُ عقاربَها باتّجاهِ الاحتلالِ ضدَّ الرّوحِ والضّمير، وإنّي لأسمعُ صوتَ جبران خليل جبران: "إنّ الأمّةَ المستعبَدةَ بروحِها وعقليّتِها، لا تستطيعُ أن تكونَ حُرّةً بملابسِها وعاداتِها"! مَن يُساندُ الحقَّ إلاّ أهلُهُ، ووعْيُ أمّةٍ لا تتوانى ولا تتهاونُ في حقِّها وحُرّيتِها ولا بخلطِ أوراقِها؟ ألم يقلْ نيلسون منديلا: "الحُرّيّةُ لا تُعطى على جرعاتٍ، فالمرءُ إمّا أن يكون حُرًّا أو لا يكون، والجبناءُ يموتونَ مرّاتٍ عديدة قبلَ موتِهم، والشّجاعُ لا يذوقُ الموتَ إلاّ مرّة واحدة"؟ إذًا؛ لماذا تتّسعُ آفاقُ المطامعِ الغربيّةِ بشرقِنا، وتضيقُ آفاقِ الفكرِ العربيِّ ورؤاه؟ عشراتُ النّداءاتِ المستغيثة تصلُني، للتّضامنِ والإفراج عن مفكّرينَ وإعلاميّينَ وشعراءَ وأدباءَ أطلقوا أصواتَهم المجروحةَ للحُرّيّة، فأُطبِقَ عليهم في السّجونِ والتّعتيم والإعدام والتّهجير، فكيفَ تنيرُ هذهِ الأصواتُ العقولَ والنّفوسَ والوجودَ والكيانَ والهِممَ إنْ شُلّتْ هذهِ الألسُنُ؟ وما أدراكَ ما الكتابة؟ الكتابةُ طائرٌ خرافيٌّ تُشكّلُهُ فوضويّةُ الواقعِ، يُمارسُ طقوسَهُ الغريبةَ، يسبحُ ويغوصُ في لججِ الخيالِ، لينتزعَ مِن أعماقِهِ محاراتِ آمالٍ، يُحلّقُ بها إلى سمواتِ الحلمِ، فيزرعُها نجومًا وضّاءةً في عتمِ ظروفٍ كالحةٍ، مغموسةٍ بأرَقِ الهمِّ الفرديِّ والجماعيِّ. الكتابةُ ألبومٌ كبيرٌ للوحاتٍ مرسومةٍ بالكلماتِ، تشهدُ على بيئتِها وعصرِها وحضارتِها وثقافتِها، تحملُ بثيماتِها وتصوّراتِها وآمالِها اللاّمتناهيةِ رسالةً ساميةً ومؤثِّرةً وإيجابيّةً، تتركُ بصماتِها محفورةً على جباهِ المقاماتِ، بَعْدَ انتشالِها من حُفَرِ الرّمالِ المتحرّكةِ المردومةِ بقشٍّ مفخّخٍ، فتجوبُ بها آفاقًا لِتَحُطَّ في نفسِ المتلقّي وتهزّهُ وتُذهلُهُ، حينَ تُناغمُ أوتارَ قلبِهِ وإيقاعَ عقلِهِ. أن تكونَ رهينًا في بلدِكَ ومحاصَرًا في أرضِكِ، لكنّكَ حرٌّ طليقٌ بفكرِكَ، تقضمُكَ الغربةُ، وتؤطّرُكَ في صناديقِ الاتّهامِ السّوداءِ، تخضعُ لدينونةِ العدوِّ المحتلِّ من ناحيةٍ، ولرفضِهِ لكَ بشتّى وسائِلِهِ وبأبعادِها من أجل تهجيرِكَ، ومحاربتِهِ إيّاكَ بتجزئتِكَ وشرذمتِكَ بمسمّياتٍ تتعدّدُ، وطمْسِ معالمِكَ العربيّةِ الموحِّدةِ لكلِّ الفئاتِ، ومِن ناحيةٍ أخرى تواجهُ دينونةَ أخيكَ العربيِّ، واتّهامَهكَ بالتّخلّي عن ملامحِكَ وهويّتِكَ الفلسطينيّةِ، طالما أنّكَ أُرغِمْتَ على حَمْلِ جوازٍ إسرائيليٍّ، الّذي يُرضخُكَ للقوانينِ والشّروطِ الإسرائيليّةِ والمواطنةِ الجزئيّةِ كعربيٍّ في دولةٍ يهوديّة. أنتَ المكبّلُ بسلاسلَ من أسئلةٍ لزجةٍ تدورُ محاورُها على ذاتِها: مَن أنا وإلى أينَ أُسَيَّرُ أو أسيرُ، وكيفَ أتحدّى وأُجابهُ مشاقَّ ووعورةَ الدّروبِ المرسومةِ؟ كيف لا يسلبُني الهروبُ مِن هذا المَسيل؟ هل هناكَ مِن خيارٍ أمامي سوى الهجرةِ والرّحيلِ إلى بلدٍ آخر؟ وإن بقيتُ هل سيتمكّنونَ أن يخلعُوا عنّي ثوبيَ العربيَّ ويُلبسوني ثيابَهم المفصّلةَ لي بمقاساتِهمِ وألوانهم؟ هل أخضعُ للذّوبانِ والتّلاشي والاضمحلالِ كما يُخطَّطُ لي؟ وهل إخوتي مَن يعيشونَ الشّتاتَ على مضضٍ أفضلُ حالاً منّي أنا الرّاسخُ اللاّجئُ في بيتي وبلدي؟ وكيفَ أثبتُ أنّي ابنُ هذا الـ فلسطين ولستُ لاجئًا فيه؟ أن أكونَ كاتبًا ينبغي أن أتماهى مع الهمّ العامّ والخاصّ، لأثبتَ أنّي أحملُ جوازًا وهويّةً إسرائيليّةً رغمًا عنّي، وأنّ هذا الأمرَ لا يُلغي البتّةَ انتمائيَ الشّديدَ إلى جذوري وحضارتي الفلسطينيّةِ الرّاسخةِ رغمَ كلِّ الجفافِ والتّجفيفِ، ومحاولاتِ التّخنيقِ والتّقديدِ والتّحجيمِ، واستخدامِ لغةِ التّهجيرِ بشتّى لهجاتِها الملغومةِ، ففي أيّة محكمةٍ عادلةٍ يثبتُ عنادي وصمودي وإصراري في صراعي المرير، أنّي بريءٌ من دمِ هذا التّاريخ المفخّخِ؟ ما هي البراهينُ والدّلائلُ من أجلِ تثبيتِ حقّي الشّرعيِّ والإنسانيِّ؟ ولماذا أظلُّ أنا الفلسطينيُّ ملزَمًا ومتأهّبًا للدّفاعِ عنّي؟ هوَسٌ لا يَخبو يؤرّقُني على مدى الصّحوةِ، هل تنجحُ أجيالُنا القادمةُ في متابعةِ مشوارِ الهمِّ العامِّ؟ أم أنّ الهمَّ الخاصَّ قد يقودُها إلى مقولةِ "أسألُكَ يا ربُّ نفسي"، فتخضع للتّهجيرِ أو التّذويب؟ وكيف يمكننا تفادي هذهِ الهواجسِ المرعبةِ والتّصدّي لها؟ أسئلةٌ قائمةٌ تتأرجحُ ما بينَ زوايا حادّةٍ ومنفرجةٍ، ممزوجةٌ بفكرٍ وأحاسيسَ متألّمةٍ وفلسفةٍ متأمّلةٍ بالخلاصِ والفرجِ، نسكبُها بقوالبَ إبداعيّةٍ وتصنيفاتٍ أدبيّةٍ متعدّدةٍ، توصلُ عصافيرَ النّفسِ الضّالةَ إلى أعشاشِها الآمنةِ مؤقّتًا، والّتي ترقى أعماقَ الكونِ الكثيفةِ بتفاصيلِهِ المتناقضةِ وخيوطِهِ المتشابكةِ، وفَكِّها ونَسْجِها، وسَبْكِها في أُطرٍ فنّيّةٍ صاخبةٍ صامتةٍ، ناطقةٍ خرساءَ، لكنّها أبدًا ليستْ بعمياءَ فاقدةً اتّجاهاتِها، فهي هادفةٌ وليستْ عبثيّةً. اليومَ علا الصّوتُ وقويَ صداهُ، تخطّى الحدودَ المفروضةَ بفضلِ النّتّ، فصارَ مُتنفّسًا حقيقيًّا فكريًّا وأدبيًّا واجتماعيًّا، إن لم يكنْ حضورًا بالجسدِ، يوصلُ الرّسائلَ للخارجِ القريبِ البعيدِ، وتبادل وجهاتِ النّظر وتفهّمها لظروفٍ تلاصقُ الوجعَ. الكاتبُ إنسانٌ أوّلاً وأخيرًا، موهوبٌ مُطّلعٌ، يتحلّى ويتزيّنُ بكلُّ ما تحملُهُ حضارتُهُ وتاريخهُ مِن جمالٍ وصِدقٍ وأمانةٍ وإخلاصٍ، يتماهى مع كلِّ العناصرِ الّتي تُعزّزُ كيانَهُ الإنسانيَّ في ذاتِهِ ومجتمعِهِ، ليعكسَ مرآتَهُ الحقيقيّةَ الدّاخليّةَ بألقِها وجاذبيّتِها، ويبذرَ فكرَهُ وحِسَّهُ في نفوسِ قرّائهِ، لمتابعةِ واستمراريّةِ الثقافةِ والهويّة! والكتابةُ رحلةُ تأمُّلٍ هاربةٌ مِن حصارٍ قسريٍّ غيرِ مسلَّمٍ به، إلى أبعدِ مدى ما أمكن، للاطّلاعِ على ما يجولُ ما وراءَ القضبانِ والجدرانِ، وبالتّالي تحويلِها للغةٍ فنّيّةٍ إبداعيّةٍ أدبيّةٍ، مِن أجلِ معالجةِ أمورٍ قابلةٍ للتّخلخلِ، ومن ثمَّ إعادةِ التّوازنِ النّاجعِ إلى الكيانِ الوطنيِّ والإنسانيِّ بقيَمِه الإيجابيّةِ الرّاقيةِ البنّاءةِ، فعسانا وعساهم نردّدُ دعوةَ طاغور: "يا ربّ، لا تجعلْني أتّهمُ مَن يُخالفُني الرّأيَ بالخيانةِ".

آمال عوّاد رضوان - فلسطين

بين الاغتيال والانتحار ترمش لحظة وترفّ بمأساة وفقد، تهز سرير موت غافٍ على كابوس، فلا يُطيّبها إلاّ بخور الذكرى المألومة!
لم تبرد بعد نيران الشعب الفلسطينيّ من اغتيال المخرج الفلسطينيّ جوليانو خميس ابن حيفا بتاريخ 4-4-2011 في جنين في الضفة، والذي كرّس إيمانه وحياته للقضيّة الفلسطينيّة ولشعبها الصّامد في إعلاء شأن حضارتها وثقافتها!
وها يُلحَق به المخرج الفلسطينيّ الآخر فرانسوا أبو سالم بتاريخ 2-10-2011 في موقع آخر من الضفة في رام الله!
خلال ستة أشهر بالتمام والكمال تفقد فلسطين اثنين من أعمدة مسرحها؟ لماذا؟
لماذا وفي هذا التوقيت بالذات يُخنق الصّوت الصّارخ في وجه الظلم والاحتلال؟
لمن تعودُ المصلحة في هذا الفقد؟
المخرج السّتيني المخضرم فرنسوا أبو سالم عمل مخرجًا وممثّلاً وتألق أكثر من أربعين عامًا، كان ثائرًا على الدّوام، تمتع بطاقة إبداعيّة خلاقة تركت بصماتها على مسارات المسرح الفلسطينيّ وتطوّراته، وكان ميّالاً للمغامرة والتجريب الفنيّ، وهو مقدسيٌّ منحدرٌ من أب مَجَريّ وأمّ فرنسيّة، عاد للإقامة في القدس بعد غياب في باريس دام سنوات، وواصل مشواره في المسرح الفلسطينيّ الذي ابتدأه أوائل السّبعينيّات، حيث أسّس فرقة "بلالين" المسرحيّة، كعلامة فارقة في مسيرة المسرح الفلسطينيّ، وكأحد أبرز مؤسّسي المسرح الفلسطينيّ الحديث، ففاز بجائزة الدّولة "جوائز فلسطين في الآداب والفنون والعلوم الإنسانيّة" عام 1997 في مجال المسرح، وترك إنتاجًا فنيًّا زخمًا خالدًا في الحركة الفنيّة والثقافيّة.
من أهمّ ما أخرج:
بعمل دؤوب أخرج أوبرا "سلطانة بائعة السّمك" تأليف الكاتبة والمخرجة والمغنية الألمانيّة باولا فونفك، وموسيقا جي سي أرياغا، وأوركسترا بقيادة آنا صوفي بروننيغ.
مثل فيها 90 طفلا من أرجاء فلسطين في الضفتين، حاولوا الدّخول في حيثيات وتفاصيل الحكاية، فالأميرة تقع في حبّ بائع السمك، وتسعى أن تحضره إلى قصرها وتعلّمه الموسيقا والشعر والعلوم، وتغيّر ملابسه وعاداته وتتزوجه، وفي غفلة منها تذكّره بأنّه لم يكن سوى بائع سمك، فيُصاب بصدمة تفقده القدرة على النطق، ثم يبتعد عنها ويختفي في غياهب مملكة النّسيان.
تبدأ الأميرة بالبحث عنه، وتتنكّر بزيّ الرّجال، ولكن عندما تجده يعجز عن التعرّف عليها، لأنّه نسي كلّ شىء، وتقع أميرة وجميل رهائن بيد قراصنة البحر الذين يُهدّدون الأميرة بالموت، وتتوقف حياتها على نطق جميل الذي تتوسّل إليه بأن يخرج من حالة الخرس، فيبدأ بالغناء الأوبرالي لها، وتطرح القصّة كلوحات فنيّة عبر حكاية تروي نصفها العمّة صفاء، والنصف الاخر المخرج فرنسوا أبو سالم الذي يلعب دور الغريب، ليكتشف المتفرج أنّ صفاء والغريب كانا عاشقين، وابتعدا عن بعضهما بسبب إساءة.
هل اعتراض بعض الجهات الفلسطينيّة لقيادة الموسيقار اليهوديّ دانيال بارنبويم للأوركسترا، كان سبب أزمة تنفيذ وتحقيق مشارع فرانسوا؟
إذن؛ كيف حصل دانيال على جواز سفر فلسطينيّ في عهد الزعيم الرّاحل عرفات ولماذا؟
هل نشاط دانيال في تأسيس أوركسترا الديوان الغربيّ الشرقيّ مع إدوار سعيد، هو عمل للتطبيع أم عملا تضامنيًّا مع الشّعب الفلسطينيّ؟
قبل عامين في 8-10-2011 أطلّ من دهاء شيخوخته الشابة ثائرا ليقدّم صفعة فجائية في مسلماتنا الحياتية والفنية والتذوقية من خلال مسرحية "أبو أوبو في سوق اللحامين"، تدور أحداثها بمفارقاتها في القدس حول الاحتراب على السلطة إلى حدّ السخافة والتسخيف، وتحوّل الفلسطينيّ الرّاضخ إلى نهِمٍ جشِعٍ يسعى لتملك القوّة وممارستها على أخيه الفلسطينيّ بمنتهى الفظاظة والقسوة، والمسرحيّة من إنتاج الصندوق العربي للثقافة والفنون، عمان والمركز الثقافي الفرنسي، وإعداد ألفرد جيري وفرنسوا أبو سالم والألمانية باولا فينفاك، وأوليفيا ماجنان، جوي الهنان وعامر خليل، وإضاءة فيليب أندريكس، وقام بالتمثيل أدهم نعمان وفرنسوا أبو سالم اللذان يلعبان لعبة الأب والابن والجنون اللانهائي والواعي، في خطة للاستيلاء على مخترة الحمولة بحياتهما المليئة باللحوم النيّئة ورؤوس الخرفان، فيلعبان بها ويُقطّعانها كأداة أساسيّة في المسرحية، وفي نهاية المسرحيّة يقوم الابن بتقطيع أبيه بالمنشار، ورمي رجله المقطوعة أمام الناس!
ما الذي يدفع بالمخرج إلى حالة اكتئاب رغم ملكاته الفنية ورؤيته التي بإمكانه أن يعكسها في مسرحياته؟
هل من معيقات تقف أمام نجاح المسرحيين والمخرجين في نجاح وعرض المسرحيّات كما يريدون لها؟
هل كون المخرج يحمل أكثر من جنسية وهويّة يكون لصالحه او ضده؟
وهل امتلاك الهوية الإسرائيلية تعرّض المخرج ومسرحيّاته للمساءلة والمقاطعة والتخوين، خاصّة إن يعرضها في إسرائيل ويحصل على جوائز وتغطيات إعلاميّة إسرائيليّة، توصمه بشبهة التطبيع والعمالة؟
فرانسوا كفرنسيّ حمل مسرح الحكواتي في مسرحيّته المونودراميّة "في ظلّ الشهيد"، وعرضها برمزيّتها المكثفة في "مسرح المدينة" في بيروت قبل شهور قليلة بتاريخ 31-5-2011، بعد أن عرضها في "مسرح القصبة" في رام الله، و"المسرح الوطني" في القدس، وهي من تأليفه وتمثيله وإخراجه، وتتحدّث عن بحث جريء وطويل في داخل دماغ منفّذي العمليّات الاستشهاديّة، بأبعادها النفسيّة والسّياسيّة، وقد لازمته حالة الإحباط التي عاد بها أثناء دراسته الجامعيّة، بعد أن فجّر أخوه نفسه في حافلة في مدينة نتانيا، وفقد القدرة على فهم خيار أخيه في الاستشهاد، فنراه يحاور ذاته وشخوص وهميّة وخيالات في نوبات هذيان وهلع هستيريّة، متمرّدًا على التبعيّة العمياء للزعيم، ورافضًا الواقع بمرارته من ذل وقهر وظلم وتمييز واضطهاد، ويظلّ سؤاله وسؤالنا المجلجل له مفتوحًا:
أي دماغ يستخدمه الشّهيد حين يقرِّر تفجيرَ وقتل نفسِه؟
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-