الربيع العربي وتنامي دور المرأة السياسي والاجتماعي والعلمي

عادل حبه - العراق يبدو أنه لولا الربيع العربي، والدور الفعال الذي لعبته المرأة العربية في البلدان العربية أثنائه، لما استيقظت المنظمات الدولية من سباتها، وبادرت إلى التنافس على تقديم الجوائز لناشطات بارزات في الدول العربية. فلقد انهالت الجوائز على الناشطات البارزات في مجال الحقوق النسوية والاجتماعية والمدنية في الدول العربية، حيث حصلت الناشطة اليمنية في حقوق الإنسان توكل كرمان كأول أمرأة عربية على جائزة نوبل للسلام لكونها كرست معارفها الإعلامية ومهارتها العالمة العراقية لحاظ الغزالي الشعرية في دعم قضية الحرية والديمقراطية في اليمن، كما تم اختيارها كشخصية مؤثرة من قبل عدد من وسائل الإعلام الغربية ومنظمات عالمية. وحصلت الكاتبة والناشطة والمفكرة المصرية الدكتورة نوال السعداوي على جائزة مؤسسة "جود هاوس كيينج" البريطانية اعترافاً بجهودها في العديد من المجالات على الصعيد الدولي والمحلي وفي الشؤون السياسية والعلمية والثقافية ولتاريخها النضالي. كما حصلت عالمة الجينات العراقية لحاظ الغزالي على جائزة "لوريال اليونسكو" المخصصة للمرأة العالمة لامتيازها في البحوث الخاصة في الجينات الوراثية. وفي مجال آخر حصلت الناشطة الحقوقية والمدنية العراقية هناء أدور على جائزة "شون ماكبرايد"، وهي واحدة من أقدم الجوائز العالمية لمكتب السلام العالمي. علماً أنه من بين من حصل على هذه الجائزة هو عمدة مدينتي هيروشيما وناغازاكي المنكوبتين بالقنابل النووية في نهاية الحرب العالمية الثانية.  وكان حظ المرأة العراقية الأوفر في اختيارهن في مواقع بارزة في الإعلام العالمي، لكونهن قد حققن نجاحات في مجالات علمية وإنسانية. فعلى الرغم من محاولات مجاميع التطرف الديني ومعارضي حقوق المرأة العراقية وتهمشيها وزجها في مراسيم متخلفة كاللطم وأضرابه وإرجاعها عقوداً إلى الوراء وعدم توفير الظروف لها للإبداع في بلدها، إلاّ أن سيدتان عراقيتان قد احتلتا موقعهن ضمن قائمة تضم 150 امرأة من أبرز نساء العالم لعام 2011 من قبل مجلة نيوزويك الأمريكية وجريدة "ديلي بييست". وتتصدر هذه القائمة المعمارية العراقية العالمية البارزة زها حديد والناشطة النسوية زينب سلبي، مُؤسِسة منظمة "نساء للنساء". لقد حازت السيدة زها حديد على جائزة "بريتزيكر" المرموقة في مجال التصميم المعماري لهذا العام ، وهذه هي المرة الأولى في تاريخ الجائزة، الذي يرجع تاريخها إلى 25 عاماً، والتي تفوز بها امرأة اعتلت بفضل أعمالها المعمارية الحداثية قمة مجال التصميم المعماري التي يهيمن عليها الرجال. علماً أن هذه الجائزة توصف بأنها جائزة نوبل في الهندسة المعمارية، وأصبحت زها حديد(53 عاماً) أصغر الحائزين على هذه الجائزة.  هذا الاعتراف بالمرأة في الدول العربية هو ظاهرة جديدة على النطاق العالمي، دون أن يعني ذلك أن العالم العربي كان عقيماً في النساء الموهوبات. ولكن عمى التعصب السياسي عند أقطاب المنظمات الدولية أو عند تلك الهيئات المعنية بتسمية السيدات البارزات في العالم جعلتهم يعصبون أعينهم عندما تعلق الأمر بجدارة المرأة في العالم العربي. فهذا الجزء من العالم لم يكن خالياً من سيدات ناضلن وأدّين دورهن واستبسلن في مجال الدفاع عن أوطانهن أو في الدفاع عن حقوق المرأة ورفع الحيف عنها، علاوة على تفوقهن في مجالات أخرى كالعلوم والفنون والسياسة والصحافة وفي مجال الحقوق المدنية. ومنهن من اقتحمن جدار السجون لأول مرة في العالم العربي، كما حصل بالنسبة للسجينات الشيوعيات العراقيات اللاتي دخلن سجون العهد الملكي في نهاية الأربعينيات وبأحكام ثقيلة، أو من جرى تصفيتهن في أقبية تعذيب حكم البعث في نهاية السبعينيات كالشهيدة عائدة ياسين. ولدينا في العالم العربي الوزيرة الأولى التي نساء تجاهلن الإعلام والمؤسسات الغربية في السابق شاركت في وزارة ما بعد ثورة 14 تموز، وهي الدكتورة نزيهة الدليمي. وبرزت عالمة الذرة المصرية سميرة موسى التي اغتيلت عام 1952 على يد الموساد في كاليفورنيا. ونجد في العالم العربي مناضلات باسلات كافحن ضد السيطرة الاستعمارية كجميلة بوحيرد في الجزائر، وصحفية مصرية رائدة كفاطمة اليوسف والشاعرة كسهير القلماوي وهدى شعراوي والمربية نبوية مصطفى والفنانة القديرة كوكب الشرق أم كلثوم. والقائمة تطول وتطول لو استعرضنا المئات والآلاف من المبدعات والمناضلات اللاتي ساهمن وضحيّن وقبعن في السجون من أجل دفع عجلة الحرية والتنوير والحداثة في البلدان العربية.  إن اعادة نظر المنظمات الدولية والرأي العام العالمي في موقفها السلبي السابق أزاء المرأة في الدول العربية لم يأت اعتباطاً. فلقد تراجع نهج الغزل والدعم لأقطاب الاستبداد، والذي مارسته عقوداً حكومات الدول الغربية والولايات المتحدة. كما إن الأحداث التي مرت على الدول العربية في الشهور الأخيرة لعبت دورها في هذا الاهتما. فقد بين هذا الربيع العربي تعاظم الدور السياسي للمرأة فيها، إضافة إلى تصاعد ملحوظ لدورها في المطالبة بتحرير المرأة من القيود، دور رائد للمرأة في الربيع العربي وتنامي مساهمتها في مختلف ميادين المجتمع. فلم تتخلف المرأة عن مسيرة التغيير، التي تجتاح المنطقة العربية، ولم تمنعها التقاليد المحافظة، التي تم تكريسها في أغلب البلدان العربية من المشاركة في دعم الثورات العربية. إن هذه العوامل مجتمعة لعبت دورها في فرض هذا التغيير على المنظمات الدولية والرأي العام العالمي ودفعه إلى الاعتراف بمكانة المرأة ودورها في العالم العربي، بعد أن كانت النظرة السابقة تشوبها الكثير من السلبية والالتباس. كما إن هذا الاعتراف هو خير دليل على بوادر تحول داخل المجتمعات العربية على طريق العمل من أجل احقاق الحقوق المدنية للمرأة ومساواتها مع الرجل والتخلي عن الهيمنة الاستبدادية الذكورية في الدول العربية. فالقناعة تتزايد لدى أوساط أوسع من الرأي العام العربي بأن التشبث بعرف وتقاليد التمييز ضد المرأة وتهميش دورها السياسي والاجتماعي والاقتصادي والعلمي والمعرفي ينطوي على خطر شل دور فاعل لنصف طاقة المجتمع. ولعل الأخطر من كل ذلك إن هذا النصف هو الذي تقع على عاتقه تربية أجيال بكاملها.  إن تهميش المرأة والتنكر لحقوقها لا يعني التنكر لأبسط مقومات المجتمعات الحديثة، أي الديمقراطية والمساواة بين البشر ونبذ التمييز على أساس الجنس والعرق واحترام المواثيق الدولية المتعلقة بها. وهو ما يعني التنكر للتنمية وللتقدم وللتطور، والتنكر لمسيرة الحضارة الحديثة التي ترفض بشدة حرمان المرأة الأم والزوجة والأخت والبنت من المساواة في الحقوق. ولكن مازالت هناك قوى سياسية واجتماعية تتمسك بثقافة بالية في بلداننا، عملت في السابق، وما زالت تعمل باتجاه عدم نيل المرأة حقوقها لدوافع سياسية بحتة، تتمثل في السعي لشطب المرأة من دائرة النشاط السياسي والاجتماعي، بهدف توفير الفرصة للابقاء على البناء السياسي الفاشل القائم على الوصاية والاستبداد والديكتاتورية، التي مازالت تفرض سطوتها على غالبية البلدان العربية. فقضية المرأة وحقوقها أصبحت في صلب الصراع السياسي الجاري في بلداننا، هذا الصراع الجاري حول محتوى بناء الدولة الحديثة العصرية الديمقراطية. وليس من قبيل الصدفة أن يبادر انقلابيو ردة شباط عام 1963 في العراق في أول اجراءاتهم المعادية للديمقراطية والتقدم إلى إلغاء قانون الأحوال الشخصية الذي شرعته سلطة ثورة تموز عام 1958، وزجت الزمرة الانقلابية ولأول مرة في تاريخ العراق الآلاف من النساء في سجونها. كما أنه ليس من الصدفة أن يبادر التيار الديني السياسي المتطرف والمعارض لحقوق المرأة، بعد أن منح فرصة تولي رئاسة مجلس الحكم بعد الاطاحة بالطغيان في عام 2003 في العراق، إلى محاولة فاشلة لإلغاء قانون آخر للأحوال الشخصية. ومازال قانون الأحوال الشخصية يتعثر تشريعه في العراق بسبب معارضة القوى الدينية المتطرفة بكافة تلاوينها للحقوق المدنية للمرأة العراقية. وفي البلدان العربية مازال المتطرفون يهددون بمواجهة أي مسعى إيجابي أو قانون إيجابي لصالح المرأة، فهؤلاء يوجهون جل فتاواهم نحو الحط من المرأة وتهميشها، بما في ذلك منعها من الجلوس على مقاعد الدراسة وقيادة سيارتها واختيار شريك حياتها، وحتى التدخل في اختيار ملابسها. في حين لا يطلق هؤلاء فتاواهم حول تأهيل المرأة ومحو الأمية والخرافات في صفوفها وحل المشاكل اليومية المستعصية للمواطن العربي. إن قضية المرأة أضحت شبحاً يقظ مضاجع كل الحالمين بفرض الاستبداد سواء بواجهة علمانية أو دينية على الشعوب العربية.

عادل حبه - العراق

يبدو أنه لولا الربيع العربي، والدور الفعال الذي لعبته المرأة العربية في البلدان العربية أثنائه، لما استيقظت المنظمات الدولية من سباتها، وبادرت إلى التنافس على تقديم الجوائز لناشطات بارزات في الدول العربية. فلقد انهالت الجوائز على الناشطات البارزات في مجال الحقوق النسوية والاجتماعية والمدنية في الدول العربية، حيث حصلت الناشطة اليمنية في حقوق الإنسان توكل كرمان كأول أمرأة عربية على جائزة نوبل للسلام لكونها كرست معارفها الإعلامية ومهارتها

العالمة العراقية لحاظ الغزالي

الشعرية في دعم قضية الحرية والديمقراطية في اليمن، كما تم اختيارها كشخصية مؤثرة من قبل عدد من وسائل الإعلام الغربية ومنظمات عالمية. وحصلت الكاتبة والناشطة والمفكرة المصرية الدكتورة نوال السعداوي على جائزة مؤسسة "جود هاوس كيينج" البريطانية اعترافاً بجهودها في العديد من المجالات على الصعيد الدولي والمحلي وفي الشؤون السياسية والعلمية والثقافية ولتاريخها النضالي. كما حصلت عالمة الجينات العراقية لحاظ الغزالي على جائزة "لوريال اليونسكو" المخصصة للمرأة العالمة لامتيازها في البحوث الخاصة في الجينات الوراثية. وفي مجال آخر حصلت الناشطة الحقوقية والمدنية العراقية هناء أدور على جائزة "شون ماكبرايد"، وهي واحدة من أقدم الجوائز العالمية لمكتب السلام العالمي. علماً أنه من بين من حصل على هذه الجائزة هو عمدة مدينتي هيروشيما وناغازاكي المنكوبتين بالقنابل النووية في نهاية الحرب العالمية الثانية.

وكان حظ المرأة العراقية الأوفر في اختيارهن في مواقع بارزة في الإعلام العالمي، لكونهن قد حققن نجاحات في مجالات علمية وإنسانية. فعلى الرغم من محاولات مجاميع التطرف الديني ومعارضي حقوق المرأة العراقية وتهمشيها وزجها في مراسيم متخلفة كاللطم وأضرابه وإرجاعها عقوداً إلى الوراء وعدم توفير الظروف لها للإبداع في بلدها، إلاّ أن سيدتان عراقيتان قد احتلتا موقعهن ضمن قائمة تضم 150 امرأة من أبرز نساء العالم لعام 2011 من قبل مجلة نيوزويك الأمريكية وجريدة "ديلي بييست". وتتصدر هذه القائمة المعمارية العراقية العالمية البارزة زها حديد والناشطة النسوية زينب سلبي، مُؤسِسة منظمة "نساء للنساء". لقد حازت السيدة زها حديد على جائزة "بريتزيكر" المرموقة في مجال التصميم المعماري لهذا العام ، وهذه هي المرة الأولى في تاريخ الجائزة، الذي يرجع تاريخها إلى 25 عاماً، والتي تفوز بها امرأة اعتلت بفضل أعمالها المعمارية الحداثية قمة مجال التصميم المعماري التي يهيمن عليها الرجال. علماً أن هذه الجائزة توصف بأنها جائزة نوبل في الهندسة المعمارية، وأصبحت زها حديد(53 عاماً) أصغر الحائزين على هذه الجائزة.

هذا الاعتراف بالمرأة في الدول العربية هو ظاهرة جديدة على النطاق العالمي، دون أن يعني ذلك أن العالم العربي كان عقيماً في النساء الموهوبات. ولكن عمى التعصب السياسي عند أقطاب المنظمات الدولية أو عند تلك الهيئات المعنية بتسمية السيدات البارزات في العالم جعلتهم يعصبون أعينهم عندما تعلق الأمر بجدارة المرأة في العالم العربي. فهذا الجزء من العالم لم يكن خالياً من سيدات ناضلن وأدّين دورهن واستبسلن في مجال الدفاع عن أوطانهن أو في الدفاع عن حقوق المرأة ورفع الحيف عنها، علاوة على تفوقهن في مجالات أخرى كالعلوم والفنون والسياسة والصحافة وفي مجال الحقوق المدنية. ومنهن من اقتحمن جدار السجون لأول مرة في العالم العربي، كما حصل بالنسبة للسجينات الشيوعيات العراقيات اللاتي دخلن سجون العهد الملكي في نهاية الأربعينيات وبأحكام ثقيلة، أو من جرى تصفيتهن في أقبية تعذيب حكم البعث في نهاية السبعينيات كالشهيدة عائدة ياسين. ولدينا في العالم العربي الوزيرة الأولى التي

نساء تجاهلن الإعلام والمؤسسات الغربية في السابق

شاركت في وزارة ما بعد ثورة 14 تموز، وهي الدكتورة نزيهة الدليمي. وبرزت عالمة الذرة المصرية سميرة موسى التي اغتيلت عام 1952 على يد الموساد في كاليفورنيا. ونجد في العالم العربي مناضلات باسلات كافحن ضد السيطرة الاستعمارية كجميلة بوحيرد في الجزائر، وصحفية مصرية رائدة كفاطمة اليوسف والشاعرة كسهير القلماوي وهدى شعراوي والمربية نبوية مصطفى والفنانة القديرة كوكب الشرق أم كلثوم. والقائمة تطول وتطول لو استعرضنا المئات والآلاف من المبدعات والمناضلات اللاتي ساهمن وضحيّن وقبعن في السجون من أجل دفع عجلة الحرية والتنوير والحداثة في البلدان العربية.

إن اعادة نظر المنظمات الدولية والرأي العام العالمي في موقفها السلبي السابق أزاء المرأة في الدول العربية لم يأت اعتباطاً. فلقد تراجع نهج الغزل والدعم لأقطاب الاستبداد، والذي مارسته عقوداً حكومات الدول الغربية والولايات المتحدة. كما إن الأحداث التي مرت على الدول العربية في الشهور الأخيرة لعبت دورها في هذا الاهتما. فقد بين هذا الربيع العربي تعاظم الدور السياسي للمرأة فيها، إضافة إلى تصاعد ملحوظ لدورها في المطالبة بتحرير المرأة من القيود،

دور رائد للمرأة في الربيع العربي

وتنامي مساهمتها في مختلف ميادين المجتمع. فلم تتخلف المرأة عن مسيرة التغيير، التي تجتاح المنطقة العربية، ولم تمنعها التقاليد المحافظة، التي تم تكريسها في أغلب البلدان العربية من المشاركة في دعم الثورات العربية. إن هذه العوامل مجتمعة لعبت دورها في فرض هذا التغيير على المنظمات الدولية والرأي العام العالمي ودفعه إلى الاعتراف بمكانة المرأة ودورها في العالم العربي، بعد أن كانت النظرة السابقة تشوبها الكثير من السلبية والالتباس. كما إن هذا الاعتراف هو خير دليل على بوادر تحول داخل المجتمعات العربية على طريق العمل من أجل احقاق الحقوق المدنية للمرأة ومساواتها مع الرجل والتخلي عن الهيمنة الاستبدادية الذكورية في الدول العربية. فالقناعة تتزايد لدى أوساط أوسع من الرأي العام العربي بأن التشبث بعرف وتقاليد التمييز ضد المرأة وتهميش دورها السياسي والاجتماعي والاقتصادي والعلمي والمعرفي ينطوي على خطر شل دور فاعل لنصف طاقة المجتمع. ولعل الأخطر من كل ذلك إن هذا النصف هو الذي تقع على عاتقه تربية أجيال بكاملها.

إن تهميش المرأة والتنكر لحقوقها لا يعني التنكر لأبسط مقومات المجتمعات الحديثة، أي الديمقراطية والمساواة بين البشر ونبذ التمييز على أساس الجنس والعرق واحترام المواثيق الدولية المتعلقة بها. وهو ما يعني التنكر للتنمية وللتقدم وللتطور، والتنكر لمسيرة الحضارة الحديثة التي ترفض بشدة حرمان المرأة الأم والزوجة والأخت والبنت من المساواة في الحقوق.

ولكن مازالت هناك قوى سياسية واجتماعية تتمسك بثقافة بالية في بلداننا، عملت في السابق، وما زالت تعمل باتجاه عدم نيل المرأة حقوقها لدوافع سياسية بحتة، تتمثل في السعي لشطب المرأة من دائرة النشاط السياسي والاجتماعي، بهدف توفير الفرصة للابقاء على البناء السياسي الفاشل القائم على الوصاية والاستبداد والديكتاتورية، التي مازالت تفرض سطوتها على غالبية البلدان العربية. فقضية المرأة وحقوقها أصبحت في صلب الصراع السياسي الجاري في بلداننا، هذا الصراع الجاري حول محتوى بناء الدولة الحديثة العصرية الديمقراطية. وليس من قبيل الصدفة أن يبادر انقلابيو ردة شباط عام 1963 في العراق في أول اجراءاتهم المعادية للديمقراطية والتقدم إلى إلغاء قانون الأحوال الشخصية الذي شرعته سلطة ثورة تموز عام 1958، وزجت الزمرة الانقلابية ولأول مرة في تاريخ العراق الآلاف من النساء في سجونها. كما أنه ليس من الصدفة أن يبادر التيار الديني السياسي المتطرف والمعارض لحقوق المرأة، بعد أن منح فرصة تولي رئاسة مجلس الحكم بعد الاطاحة بالطغيان في عام 2003 في العراق، إلى محاولة فاشلة لإلغاء قانون آخر للأحوال الشخصية. ومازال قانون الأحوال الشخصية يتعثر تشريعه في العراق بسبب معارضة القوى الدينية المتطرفة بكافة تلاوينها للحقوق المدنية للمرأة العراقية. وفي البلدان العربية مازال المتطرفون يهددون بمواجهة أي مسعى إيجابي أو قانون إيجابي لصالح المرأة، فهؤلاء يوجهون جل فتاواهم نحو الحط من المرأة وتهميشها، بما في ذلك منعها من الجلوس على مقاعد الدراسة وقيادة سيارتها واختيار شريك حياتها، وحتى التدخل في اختيار ملابسها. في حين لا يطلق هؤلاء فتاواهم حول تأهيل المرأة ومحو الأمية والخرافات في صفوفها وحل المشاكل اليومية المستعصية للمواطن العربي. إن قضية المرأة أضحت شبحاً يقظ مضاجع كل الحالمين بفرض الاستبداد سواء بواجهة علمانية أو دينية على الشعوب العربية.

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-