حق النقض (الفيتو)

الدكتورة خلود أديب - العراق - " وكالة أخبار المرأة "  تعود كلمة "فيتو" لغوياً إلى أصل لا تيني، من فعلVitare” “ وتعني "أنا أمنع أو أعترض" وقد شاع مدولوها على نحوٍ واسعٍ بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وقيام منظمة الأمم المتحدة في عام 1945. وعليه فإن الفيتو هو الاعتراض على أي قرارٍ يُقدم لمجلس الأمن دون إبداء أسبابٍ (لا يتطلب الأمر شرح تصويت كما هو الحال في الجمعية العامة). والأصح اللجوء إلى استخدام مصطلح "حق الاعتراض" أو "حق الرفض" للقرار المطروح للتصويت بدلاً من "حق النقض" كما هو شائع استخدامه. حيث أن النقض، قانوناً، يقع على القرار الكامل القابل للتنفيذ أصولاً، بينما الأمر هنا يتعلق بمشروع قرارٍ، ولا يمكن أن يصبح قراراً إلا بعد أن يُجاز من قبل تسعة من أعضاء مجلس الأمن، على الأقل، من بينهم اجماع الأعضاء الخمس الدائمين في مجلس الأمن ومن ثم تبنيه رسمياً من قبل مجلس الأمن.  وبموجب موازين القوى ومنطق الدول التي خرجت منتصرة من الحرب العالمية الثانية، فقد تم منح حق الفيتو لخمسة من أعضاء مجلس الأمن الدولي الخمسة عشر، وهم ما يسمى بالأعضاء الدائمين فيه، وهم الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي (روسيا الاتحادية حالياً) وبريطانيا وفرنسا وجمهورية الصين الشعبية. ومن المهم أن نلحظ، بادء ذي بدء، أنه بينما يُعتبر هذا الحق من الحقوق المنصوص عليها بشكل غير مباشرٍ في ميثاق الأمم المتحدة، إلا أن "الميثاق"، إن صح التعبير، بحد ذاته لا يرقى إلى مستوى دستورٍ دوليٍّ، بالنظر إلى أن الميثاق، بمنظور القانون الدولي العام، ما هو إلا معاهدة متعددة الأطراف وليس ميثاقاً بين أفراد أو حكومات لتشكيل حكومة دولية، دون أن ننسى، أنه من الناحية النظرية على الأقل، فإن الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن قد شكلت، فعلا،ً حكومة واقعية للعالم. ومن ناحية أخرى فإنه من المفارقات، أن لفظ "فيتو" بمعناه الحرفي لم يرد في قانون الأمم المتحدة، بل ورد في الميثاق ما يشير إلى حتمية إجماع الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن حتي يتم ما يعرف بتمرير القرار أمامه.  تنص المادة 27 من ميثاق الأمم المتحدة على أنه: "1 – يكون لكل عضو من أعضاء مجلس الأمن صوت وواحد. 2 – تصدر قرارات مجلس الأمن في المسائل الاجرائية بموافقة تسعةٍ من أعضائه. 3 – تصدر قرارات مجلس الأمن في المسائل الأخرى بموافقة أصوات تسعةٍ من أعضائه يكون من بينها أصوات الأعضاء الدائمين متفقةً (أغلبية موصوفة)، بشرط أنه في القرارات المتخذة تطبيقاً لأحكام الفصل السادس والفقرة 3 من المادة 52 يمتنع من كان طرفاً في النزاع عن التصويت". وما هو في الواقع إلا "حق اجهاض" للقرار المطروح للتصويت وليس مجرد اعتراضٍ عليه، إذا يكفي أن تعترض أي من هذه الدول الخمس حتى يقود اعتراضها إلى رفض القرار وعدم تمريره نهائياً حتى ولو كان مقبولاً من الدول الأربع الأخرى الدائمة العضوية والدول العشر غير دائمة العضوية ( تنتخبهم الجمعية العامة لفترات مدة كل منها سنتان).  وقد أجمع المجتمع الدولي مؤخراًعلى أن امتناع عضو عن التصويت لا يعتبر اعتراضاً عليه ، وكذلك الأمر فان غياب عضو عن الجلسات لا يحول دون إصدار قرارٍ بذلك. وقد أُثير هذا الموضوع بعد تكرار غياب الاتحاد السوفييتي سابقاً، وروسيا الاتحادية حالياً، عن جلسات مجلس الأمن، حيث اُعتبر هذا التصرف، من قبل البعض، بمثابة التنازل عن هذا الحق وبأن الغياب والامتناع لهما هدف واحد وهو الرغبة في اتخاذ موقف سلبي، وبأن الاعتراض يكون برفع الأيدي، بينما رأى آخرون أن الباعث على الامتناع عن التصويت والامتناع عن الحضور مختلفٌ تماماً فالتغيب اعتراض، في غياب نص في الميثاق يقرر شكل الاعتراض، وحيث لا يوجد نص يلزم الدول الأعضاء بحضور جلسات المجلس.  وفي هذا السياق، جديرٌ بالذكر أن موسكو لجأت إلى استخدام هذا الحق مئة وعشرين مرة، اثنان منهما فقط بعد قيام الاتحاد الروسي. وقد استخدمه الاتحاد السوفيتي باستمرارٍ وبشكل روتيني إبان الحرب الباردة وبشكل أوسع في الفترة الواقعة بين عامي 1957 و 1985،حيث استخدمه تسعة وسبعين مرة خلال السنوات العشر الأولى من عمر المنظمة الدولية، اذ أفرطت موسكو باستخدامه حينها بسبب عناد تمسكت به قِبل الغرب حتى عُرف وزير خارجيتها الشهير في ذلك الوقت، أندريه غروميكو، بالسيد الرافض على الدوام. ومنذ انهيار الاتحاد السوفيتي السابق عام 1991، ونهاية الحرب الباردة، ونتيجةً للخلل الاستراتيجي الذي ألمَّ بالتوازن الدولي الثنائي القطبية، فإن روسيا لم تلجأ إلى استخدام حق الفيتو إلا مرتين (سابق لعام 2011)، الأولى لمنع قرارٍ ينتقد قوات صرب البوسنة، لعدم سماحها للمفوض الأعلى للاجئين بزيارة بيهاك في البوسنة، ومرة أخرى لعرقلة صدور قرارٍ حول تمويل نشاط الأمم المتحدة في قبرص.  بينما استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية حق الفيتو سبعة وسبعين مرة حتى الآن، أربعة وأربعين منهم بشأن فلسطين وحدها، لحماية حكومة الكيان الاسرائيلي من الانتقادات الدولة أو حمايته من محاولات الحد من أعمال الجيش الاسرائيلي في الأراضي الفلسطينية. حتى أنها، وللسخرية، لجأت إلى الاعتراض، في كانون الأول من عام 2002، على مشروع قرار ينتقد القوات الإسرائيلية لقتلها عدداً من موظفي الأمم المتحدة وتدمير مخزنٍ تابعٍ لبرنامج الغذاء العالمي في الضفة الغربية. وكانت الدولة الوحيدة التي أجهضت ثلاثة وخمسين قراراً.  والآن أيضاً، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية أنها ستستعمل "حق النقض الفيتو"، اذا تطلب الأمر ذلك، في محاولة منها للضغط على     الفلسطينيين للتخلي عن مبادرتهم الهادفة إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية في مجلس الأمن الدولي، والحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، حيث يحتاج ذلك إلى الحصول على تسعة أصواتٍ، وهو الحد الأدنى المطلوب حتى يقر المجلس التوصية بنقل هذا الطلب إلى الجمعية العامة للتصويت عليه. وتهدد فرنسا وبريطانيا باالانضمام إلى موقف الولايات المتحدة الأمريكية والامتناع عن التصويت على مشروع القرار هذا. وقد استخدمت بريطانية حق النقض اثنتان وثلاثين مرة، حتى الآن، وكان آخر فيتو استخدمته عام 1989، عندما صوتت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا ضد مشروع قرار ينتقد التدخل العسكري الأمريكي في بنما .ولم تستخدم بريطانيا حق الفيتو منفردةً إلا سبع مراتٍ، كان آخرها عام 1972 وهو قرارٌ يتعلق بجنوبي روديسيا.  من أصل ثمان عشرة مرةٍ استخدمت فيها فرنسا حق الفيتو، أتت ثلاثة عشر مرةٍ منها ضد مشاريع قراراتٍ صوتت ضدها كل من بريطانيا والولايات المتحدة إلى جانبها. وكانت فرنسا قد صوتت إلى جانب بريطانيا مرتين أثناء أزمة السويس عام 1956. وهناك مشروعا قرارين صوتت ضدهما فرنسا منفردةً، أحدهما كان عام 1976 حول خلافٍ بين فرنسا وجزر القمر، والآخر حول إندونيسيا عام 1947. وقد استخدمت الصين حق النقض خمس مراتٍ فقط (سابق لعام 2011 أيضاً)، إحداهما في عام 1972 إلى جانب الاتحاد السوفييتي حول الوضع في الشرق الأوسط.  لا بد لنا هنا من الاعتراف بأن التفرد الأمريكي بالقرار السياسي الدولي لم يعد قائما بعد استخدام الفيتو الروسي الصيني المزدوج في قرارمجلس الأمن 4/10/2011، بشأن الأحداث الجارية في سورية. حيث لقي مشروع القرار تأييد تسعة أصوات، وامتنع عن التصويت عليه أربعة أعضاء هم البرازيل والهند ولبنان وجنوب أفريقيا. لقد أعاد هذا الفتيو الزدوج التوازن الاستراتيجي للعالم، بعد أن ركزت وراهنت سياسة الولايات المتحدة الأمركية على مسألة تنحي المعسكر الشرقي، وبالذات الاتحاد الروسي، عن ممارسة أي دورٍ سياسيٍّ يقابل الدور الأمريكي وأمعنت في إيقاع الرهبة اللازمة في المجتمع الدولي لإجباره على التسليم بما تقرره من حلول تراها هي فقط مناسبة للمشكلات التي تطرأ على ساحته. وقد أتى هذا الازدواج ليأسس للتعددية القطبية وليس الثنائية القطبية، وكان متوازناً وموازناً بين الضرورات الاقليمية والخيارات الدولية, كما أثار الانتباه إلى حقيقة أن هناك دولاً عظمى، كالبرازيل والهند، تتأهب للدخول في هذه التعددية.  ولابد لنا أخيراً من التنويه أن المادة 31 من الميثاق تنص على أن لكل عضوٍ من أعضاء الأمم المتحدة ليس بعضوٍ في مجلس الأمن أن يشترك، دون أن يكون له حق التصويت، في مناقشة أية مادة تعرض على مجلس الأمن، في حال رأى المجلس أن مصالح هذا العضو تتأثر بها على نحوٍ خاصٍ. بينما تنص المادة 32 منه على أن للدولة التي ليست عضواً في الأمم المتحدة، إن كانت طرفاً في النزاع المعروض على مجلس الأمن، أن تدعى للاشتراك في المناقشات المتعلقة بهذا النزاع، دون أن يكون لها حق التصويت بالطبع، بشروطٍ خاصةٍ يضعها مجلس الأمن يراها عادلةً. على أنه ليس لمجلس الأمن دورات نظامية للانعقاد حتى يستطيع ممارسة وظائفه المنوط بها بموجب الميثاق بصورةٍ دائمةٍ، وإن كان العرف الدولي قد جرى على أن يكون في حالة انعقاد دائم في أروقة الأمم المتحدة. والمجلس هو الجهاز الوحيد التابع للأمم المتحدة الذي يتمتع بسلطة اتخاذ قراراتٍ تكون الدول ملزمةٌ بتنفيذها بموجب الميثاق، أما الأجهزة الأخرى فإنها تقدم مجرد التوصيات إلى الحكومات (الجمعية العامة على سبيل المثال الأكثر شيوعاً لا الحصر).  في استعراضٍ سريعٍ لما سبق، يمكننا الركون إلى أن "حق النقض – الفيتو" هو في حقيقة الأمر صوتٌ مميزٌ يمنح الدول الخمس امتيازاتٍ، لا تتمتع بها الدول غير الدائمة العضوية، تستطيع من خلالها إسقاط أي قرار لا توافق عليه أو لا يصب في مصلحتها أو مصلحة حلفائها، بغض النظر عن مدى عقلانية هذا القرار أو عدالته، على الرغم من أن هذه الدول، في حين أنها أصرت على هذا الشرط ، كشرط لانضمامها للمنظمة الدولية، إلا أنها تعهدت بعدم استعمال هذا الحق إلا في أضيق الحدود. وقد يصب هذا في مقولة نيتشه بأنه لا مكان للضعفاء في هذا العالم.  ولكن النظام العالمي الجديد الذي تسعى إليه الدول عامة وعالم الجنوب خاصة، يكمن في الدعوة إلى اصلاح نظام الأمم المتحدة وإرساء متصاعدٍ لمبدأ الديمقراطية في العلاقات الدولية. وقد تكون أحد الحلول وأهمها هي إضافة أعضاء جدد لمجلس الأمن ليكونوا أعضاء دائمين، على نحو يعكس بشكل أفضل القوى العالمية الصاعدة الجديدة، حيث أن أقوى المرشحين حالياً هم الهند والبرازيل واليابان وألمانيا ودولة عربية واحدة (غير معروفة حتى الآن). وهذا يقودنا إلى حتمية وضرورة تجريد الدول الدائمة العضوية من امتياز استخدام حق النقض الفيتو لضمان مستوىً أفضل من الديمقراطية والتزامٍ أقوى من الدول الأعضاء بتنفيذ القرارات الصادرة عن مجلس الأمن.

 الدكتورة خلود أديب - العراق - " وكالة أخبار المرأة " 

تعود كلمة "فيتو" لغوياً إلى أصل لا تيني، من فعلVitare” “ وتعني "أنا أمنع أو أعترض" وقد شاع مدولوها على نحوٍ واسعٍ بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وقيام منظمة الأمم المتحدة في عام 1945. وعليه فإن الفيتو هو الاعتراض على أي قرارٍ يُقدم لمجلس الأمن دون إبداء أسبابٍ (لا يتطلب الأمر شرح تصويت كما هو الحال في الجمعية العامة). والأصح اللجوء إلى استخدام مصطلح "حق الاعتراض" أو "حق الرفض" للقرار المطروح للتصويت بدلاً من "حق النقض" كما هو شائع استخدامه. حيث أن النقض، قانوناً، يقع على القرار الكامل القابل للتنفيذ أصولاً، بينما الأمر هنا يتعلق بمشروع قرارٍ، ولا يمكن أن يصبح قراراً إلا بعد أن يُجاز من قبل تسعة من أعضاء مجلس الأمن، على الأقل، من بينهم اجماع الأعضاء الخمس الدائمين في مجلس الأمن ومن ثم تبنيه رسمياً من قبل مجلس الأمن.

وبموجب موازين القوى ومنطق الدول التي خرجت منتصرة من الحرب العالمية الثانية، فقد تم منح حق الفيتو لخمسة من أعضاء مجلس الأمن الدولي الخمسة عشر، وهم ما يسمى بالأعضاء الدائمين فيه، وهم الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي (روسيا الاتحادية حالياً) وبريطانيا وفرنسا وجمهورية الصين الشعبية.

ومن المهم أن نلحظ، بادء ذي بدء، أنه بينما يُعتبر هذا الحق من الحقوق المنصوص عليها بشكل غير مباشرٍ في ميثاق الأمم المتحدة، إلا أن "الميثاق"، إن صح التعبير، بحد ذاته لا يرقى إلى مستوى دستورٍ دوليٍّ، بالنظر إلى أن الميثاق، بمنظور القانون الدولي العام، ما هو إلا معاهدة متعددة الأطراف وليس ميثاقاً بين أفراد أو حكومات لتشكيل حكومة دولية، دون أن ننسى، أنه من الناحية النظرية على الأقل، فإن الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن قد شكلت، فعلا،ً حكومة واقعية للعالم. ومن ناحية أخرى فإنه من المفارقات، أن لفظ "فيتو" بمعناه الحرفي لم يرد في قانون الأمم المتحدة، بل ورد في الميثاق ما يشير إلى حتمية إجماع الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن حتي يتم ما يعرف بتمرير القرار أمامه.

تنص المادة 27 من ميثاق الأمم المتحدة على أنه: "1 – يكون لكل عضو من أعضاء مجلس الأمن صوت وواحد. 2 – تصدر قرارات مجلس الأمن في المسائل الاجرائية بموافقة تسعةٍ من أعضائه. 3 – تصدر قرارات مجلس الأمن في المسائل الأخرى بموافقة أصوات تسعةٍ من أعضائه يكون من بينها أصوات الأعضاء الدائمين متفقةً (أغلبية موصوفة)، بشرط أنه في القرارات المتخذة تطبيقاً لأحكام الفصل السادس والفقرة 3 من المادة 52 يمتنع من كان طرفاً في النزاع عن التصويت". وما هو في الواقع إلا "حق اجهاض" للقرار المطروح للتصويت وليس مجرد اعتراضٍ عليه، إذا يكفي أن تعترض أي من هذه الدول الخمس حتى يقود اعتراضها إلى رفض القرار وعدم تمريره نهائياً حتى ولو كان مقبولاً من الدول الأربع الأخرى الدائمة العضوية والدول العشر غير دائمة العضوية ( تنتخبهم الجمعية العامة لفترات مدة كل منها سنتان).

وقد أجمع المجتمع الدولي مؤخراًعلى أن امتناع عضو عن التصويت لا يعتبر اعتراضاً عليه ، وكذلك الأمر فان غياب عضو عن الجلسات لا يحول دون إصدار قرارٍ بذلك. وقد أُثير هذا الموضوع بعد تكرار غياب الاتحاد السوفييتي سابقاً، وروسيا الاتحادية حالياً، عن جلسات مجلس الأمن، حيث اُعتبر هذا التصرف، من قبل البعض، بمثابة التنازل عن هذا الحق وبأن الغياب والامتناع لهما هدف واحد وهو الرغبة في اتخاذ موقف سلبي، وبأن الاعتراض يكون برفع الأيدي، بينما رأى آخرون أن الباعث على الامتناع عن التصويت والامتناع عن الحضور مختلفٌ تماماً فالتغيب اعتراض، في غياب نص في الميثاق يقرر شكل الاعتراض، وحيث لا يوجد نص يلزم الدول الأعضاء بحضور جلسات المجلس.

وفي هذا السياق، جديرٌ بالذكر أن موسكو لجأت إلى استخدام هذا الحق مئة وعشرين مرة، اثنان منهما فقط بعد قيام الاتحاد الروسي. وقد استخدمه الاتحاد السوفيتي باستمرارٍ وبشكل روتيني إبان الحرب الباردة وبشكل أوسع في الفترة الواقعة بين عامي 1957 و 1985،حيث استخدمه تسعة وسبعين مرة خلال السنوات العشر الأولى من عمر المنظمة الدولية، اذ أفرطت موسكو باستخدامه حينها بسبب عناد تمسكت به قِبل الغرب حتى عُرف وزير خارجيتها الشهير في ذلك الوقت، أندريه غروميكو، بالسيد الرافض على الدوام. ومنذ انهيار الاتحاد السوفيتي السابق عام 1991، ونهاية الحرب الباردة، ونتيجةً للخلل الاستراتيجي الذي ألمَّ بالتوازن الدولي الثنائي القطبية، فإن روسيا لم تلجأ إلى استخدام حق الفيتو إلا مرتين (سابق لعام 2011)، الأولى لمنع قرارٍ ينتقد قوات صرب البوسنة، لعدم سماحها للمفوض الأعلى للاجئين بزيارة بيهاك في البوسنة، ومرة أخرى لعرقلة صدور قرارٍ حول تمويل نشاط الأمم المتحدة في قبرص.

بينما استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية حق الفيتو سبعة وسبعين مرة حتى الآن، أربعة وأربعين منهم بشأن فلسطين وحدها، لحماية حكومة الكيان الاسرائيلي من الانتقادات الدولة أو حمايته من محاولات الحد من أعمال الجيش الاسرائيلي في الأراضي الفلسطينية. حتى أنها، وللسخرية، لجأت إلى الاعتراض، في كانون الأول من عام 2002، على مشروع قرار ينتقد القوات الإسرائيلية لقتلها عدداً من موظفي الأمم المتحدة وتدمير مخزنٍ تابعٍ لبرنامج الغذاء العالمي في الضفة الغربية. وكانت الدولة الوحيدة التي أجهضت ثلاثة وخمسين قراراً.

والآن أيضاً، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية أنها ستستعمل "حق النقض الفيتو"، اذا تطلب الأمر ذلك، في محاولة منها للضغط على 



الفلسطينيين للتخلي عن مبادرتهم الهادفة إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية في مجلس الأمن الدولي، والحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، حيث يحتاج ذلك إلى الحصول على تسعة أصواتٍ، وهو الحد الأدنى المطلوب حتى يقر المجلس التوصية بنقل هذا الطلب إلى الجمعية العامة للتصويت عليه. وتهدد فرنسا وبريطانيا باالانضمام إلى موقف الولايات المتحدة الأمريكية والامتناع عن التصويت على مشروع القرار هذا.

وقد استخدمت بريطانية حق النقض اثنتان وثلاثين مرة، حتى الآن، وكان آخر فيتو استخدمته عام 1989، عندما صوتت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا ضد مشروع قرار ينتقد التدخل العسكري الأمريكي في بنما .ولم تستخدم بريطانيا حق الفيتو منفردةً إلا سبع مراتٍ، كان آخرها عام 1972 وهو قرارٌ يتعلق بجنوبي روديسيا.

من أصل ثمان عشرة مرةٍ استخدمت فيها فرنسا حق الفيتو، أتت ثلاثة عشر مرةٍ منها ضد مشاريع قراراتٍ صوتت ضدها كل من بريطانيا والولايات المتحدة إلى جانبها. وكانت فرنسا قد صوتت إلى جانب بريطانيا مرتين أثناء أزمة السويس عام 1956. وهناك مشروعا قرارين صوتت ضدهما فرنسا منفردةً، أحدهما كان عام 1976 حول خلافٍ بين فرنسا وجزر القمر، والآخر حول إندونيسيا عام 1947.

وقد استخدمت الصين حق النقض خمس مراتٍ فقط (سابق لعام 2011 أيضاً)، إحداهما في عام 1972 إلى جانب الاتحاد السوفييتي حول الوضع في الشرق الأوسط.

لا بد لنا هنا من الاعتراف بأن التفرد الأمريكي بالقرار السياسي الدولي لم يعد قائما بعد استخدام الفيتو الروسي الصيني المزدوج في قرارمجلس الأمن 4/10/2011، بشأن الأحداث الجارية في سورية. حيث لقي مشروع القرار تأييد تسعة أصوات، وامتنع عن التصويت عليه أربعة أعضاء هم البرازيل والهند ولبنان وجنوب أفريقيا. لقد أعاد هذا الفتيو الزدوج التوازن الاستراتيجي للعالم، بعد أن ركزت وراهنت سياسة الولايات المتحدة الأمركية على مسألة تنحي المعسكر الشرقي، وبالذات الاتحاد الروسي، عن ممارسة أي دورٍ سياسيٍّ يقابل الدور الأمريكي وأمعنت في إيقاع الرهبة اللازمة في المجتمع الدولي لإجباره على التسليم بما تقرره من حلول تراها هي فقط مناسبة للمشكلات التي تطرأ على ساحته. وقد أتى هذا الازدواج ليأسس للتعددية القطبية وليس الثنائية القطبية، وكان متوازناً وموازناً بين الضرورات الاقليمية والخيارات الدولية, كما أثار الانتباه إلى حقيقة أن هناك دولاً عظمى، كالبرازيل والهند، تتأهب للدخول في هذه التعددية.

ولابد لنا أخيراً من التنويه أن المادة 31 من الميثاق تنص على أن لكل عضوٍ من أعضاء الأمم المتحدة ليس بعضوٍ في مجلس الأمن أن يشترك، دون أن يكون له حق التصويت، في مناقشة أية مادة تعرض على مجلس الأمن، في حال رأى المجلس أن مصالح هذا العضو تتأثر بها على نحوٍ خاصٍ. بينما تنص المادة 32 منه على أن للدولة التي ليست عضواً في الأمم المتحدة، إن كانت طرفاً في النزاع المعروض على مجلس الأمن، أن تدعى للاشتراك في المناقشات المتعلقة بهذا النزاع، دون أن يكون لها حق التصويت بالطبع، بشروطٍ خاصةٍ يضعها مجلس الأمن يراها عادلةً. على أنه ليس لمجلس الأمن دورات نظامية للانعقاد حتى يستطيع ممارسة وظائفه المنوط بها بموجب الميثاق بصورةٍ دائمةٍ، وإن كان العرف الدولي قد جرى على أن يكون في حالة انعقاد دائم في أروقة الأمم المتحدة. والمجلس هو الجهاز الوحيد التابع للأمم المتحدة الذي يتمتع بسلطة اتخاذ قراراتٍ تكون الدول ملزمةٌ بتنفيذها بموجب الميثاق، أما الأجهزة الأخرى فإنها تقدم مجرد التوصيات إلى الحكومات (الجمعية العامة على سبيل المثال الأكثر شيوعاً لا الحصر).

في استعراضٍ سريعٍ لما سبق، يمكننا الركون إلى أن "حق النقض – الفيتو" هو في حقيقة الأمر صوتٌ مميزٌ يمنح الدول الخمس امتيازاتٍ، لا تتمتع بها الدول غير الدائمة العضوية، تستطيع من خلالها إسقاط أي قرار لا توافق عليه أو لا يصب في مصلحتها أو مصلحة حلفائها، بغض النظر عن مدى عقلانية هذا القرار أو عدالته، على الرغم من أن هذه الدول، في حين أنها أصرت على هذا الشرط ، كشرط لانضمامها للمنظمة الدولية، إلا أنها تعهدت بعدم استعمال هذا الحق إلا في أضيق الحدود. وقد يصب هذا في مقولة نيتشه بأنه لا مكان للضعفاء في هذا العالم.

ولكن النظام العالمي الجديد الذي تسعى إليه الدول عامة وعالم الجنوب خاصة، يكمن في الدعوة إلى اصلاح نظام الأمم المتحدة وإرساء متصاعدٍ لمبدأ الديمقراطية في العلاقات الدولية. وقد تكون أحد الحلول وأهمها هي إضافة أعضاء جدد لمجلس الأمن ليكونوا أعضاء دائمين، على نحو يعكس بشكل أفضل القوى العالمية الصاعدة الجديدة، حيث أن أقوى المرشحين حالياً هم الهند والبرازيل واليابان وألمانيا ودولة عربية واحدة (غير معروفة حتى الآن). وهذا يقودنا إلى حتمية وضرورة تجريد الدول الدائمة العضوية من امتياز استخدام حق النقض الفيتو لضمان مستوىً أفضل من الديمقراطية والتزامٍ أقوى من الدول الأعضاء بتنفيذ القرارات الصادرة عن مجلس الأمن.

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-