المرأة السعودية والنهضة الخليجية

نبيلة مبارك العنجري - السعودية كنت على ثقة أن شيئا كبيرا على صعيد أوضاع المرأة السعودية سيحصل في وقت قريب : كان ذلك في ( 6 و7 ) أبريل 2010 ، والمناسبة كانت استضافة دولة الكويت ” ملتقى المرأة الخليجية الاقتصادي” الذي كان لي شرف تأسيسه وإطلاقه ورئاسة لجنته العليا، وكان لنا الشرف بأن يكون عنوان دورته الأولى ” المرأة السعودية والكويتية خبرات متبادلة وتجارب رائدة ” وأن يلقى تشجيع الجهات العليا في المملكة لمشاركة الأخوات من سيدات أعمال وغيرهن حضورا وتحدثا .. كثيرون ( وكثيرات ) فوجئوا يومها عندنا ، ليس فقط بما لدى المرأة السعودية من طاقات ” كامنة ” ، بل بما تختزنه من رؤى وإحساس عال بالمسؤولية ، الاجتماعية والتنموية والوطنية . أتذكر أيضا كم كان المتحدثون من الرجال في إحدى الجلسات ، ومنهم الأستاذ الكبير تركي السديري ، يخفون وراء مداخلاتهم حينها احساسا قويا ومتفائلاً ، بأن المرأة السعودية ، والخليجية عامة على عتبة مرحلة تاريخية جديدة .  ولكن كان شعوري بأن هذا الشيء الكبير سيحصل كان بدأ قبلا . الذاكرة تعود بي إلى أكتوبر 2002 ، عندما ترأست وفد دولة الكويت إلى المؤتمر الثالث للوزارء المسؤولين عن السياحة في منظمة المؤتمر الإسلامي الذي عقد في الرياض . شعرت بذلك أثناء استقبال خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ، حينما كان وليا للعهد ، للوفود المشاركة في المؤتمر واثناء كلماته التشجيعية لي كأول امراة ترأس وفدا إلى ذلك المؤتمر . كنت حينها وكيلا مساعدا لشؤون السياحة ، ولم تكن المرأة الكويتية قد حصلت بعد على حقوقها بالمشاركة السياسية ، لا في الوزارة ولا في البلدية ولا في الانتخابات البلدية. ولهذا كنا نشعر أن كل تشجيع من قادة المنطقة لسعينا نحو تلك الحقوق حافزاً لا تستقيم حركتنا بدونه.  وحدثت التطورات المتتالية ، في الكويت وعدد من دول مجلس التعاون .. أتساءل أحيانا : لماذا لا نجعل من هذه المحطات أعيادا وطنية ، أو نسائية على الأقل . ثم استدرك : لأنها أتت وتأتي في سياق تطور “طبيعي له بعد تاريخي وثقافي” ولأن القادة الحكماء كانوا نصيرا لها ولأن حركتنا ” النسائية ” لم تكن في يوم من الأيام خارج تعاليم ديننا وقيمنا الأصيلة . على العكس : وقد ثبت لاحقا أن مقاومة هذه الحقوق تبدو غير متسقة مع هذه الأصالة . حجتها ثقافة وعادات اجتماعية قابلة للتغير والتطور . كثيرون قاوموا سمو الشيخ جابر الأحمد الصباح إلى أن يتحقق ” حلمه ” بمساواة المرأة الكويتية قبل أشهر معدودة من رحيله . بقوا يقاومون ” دستوريا ” ست سنوات وعندما دخلت المرأة الكويتية مجلس الوزراء والمجلس البلدي ثم مجلس الأمة ، صار الجميع ( نعم الجميع بدون استثناء) يخطبون ود المرأة ، وصوتها ورأيها ومساهمتها الفاعلة في التشريع والرقابة وفي تسريع خطى التنمية . الثقافة الاجتماعية بدأت تتغير . أصبحنا أكثر اتساقا مع الثوابت والقيم الأصيلة .  لقد قرأت وسمعت الكثير في الأيام الأخيرة عن قرارات خادم الحرمين الشريفين بحق المرأة السعودية بعضوية مجلس الشورى والمشاركة ترشيحا واقتراعا في انتخابات المجالس البلدية . بالتأكيد ، إن من حق الجميع انتظار المزيد من انصاف المرأة السعودية . وبالتأكيد سيحصل يوما ما ولعله قريب . ففي ضوء تجربة الكويت وغيرها من دول التعاون ، أكاد أقول بكل ثقة إن المرأة السعودية خرجت بعد هذين القرارين من القمقم . وأن يأتي هذا “الانطلاق ” من حقوقها السياسية بالتساوي مع الرجل قبل حقوق أخرى منشودة ، فإنها بذلك اختصرت مراحل كثيرة لا يمكن أن تمنع الفرحة بها مطالب أخرى منشودة وربما أكثر الحاحا وتغير في الحياة حياتها اليومية مثل حق القيادة والوكالة عن نفسها وغيره. فعندما يقر مثل هذ السقف العالي، وتتوفر قيادة تتطلع إلى الإصلاح التدريجي وتستشرف السبل الكفيلة بالتطوير “السلمي” يكون المستقبل مشرقا وأكثر هدوءا وفعالية من الصخب .  يجب أن لا يخفى على أحد أن هذين القرارين التاريخيين ، وهما يندرجان في إطار مسيرة شاملة من الاصلاحات ، يضعان الجميع والمرأة السعودية خاصة أمام تحديات جمة. مثلا ، سوف يؤدي رفع السقف إلى قفزة في إظهار وتوظيف مقدرات علمية ومهنية ، وإلى حركة وعي (نسائي عام) بقضايا الوطن والأمة ، وإلى طفرة طموح على مستوى الشأن العام . وفي غضون ذلك قد تطفو على السطح بعض الظواهر السلبية .. لكن حذار أن يقلل ذلك من أيماننا بقدرة المرأة السعودية – كمواطنة وانسان وأفكار وقدرات قيادية وليس كموضوع أو أداة – على إعطاء دفع لمسيرة المملكة مستقبلا .  أما خليجيا ، فان الدور الجديد للأخت السعودية يجعلنا نتطلع إلى مساهمة بالغة الأهمية في مستقبل أوضاع المرأة الخليجية.. ليس فقط لأن ” السعوديات ” يمثلن أكثرية نساء الخليج عددا ، بل لأن ذلك سيفتح لنا أبوابا واسعة من التفاعل بدون حواجز وسيضفي قيمة مضاعفة على “التجربة” النسائية الجديدة في الخليج وسيجعل تبادل خبراتنا وأفكارنا أكثر مردودا وقيمة . نحن – نساء الخليج – نشكل أكثر من نصف عموم مواطنيه. ومشاركتنا السياسية ليست بالنسبة لمعظمنا – خلافا لكثير من الرجال – هدفا بذاته . إنها حق جواز مرور لتكون مساهمتنا أفعل وأمضى في تنمية وتقدم أوطاننا ومنطقتنا وأمتنا. وحتى تكون بهذا السياق يجب أن لا نحرم من حقوق( وواجبات)أساسية . يجب أن لا نكون عبئا لا في هذا ولا في ذلك . كما لا يجوز أن نُستثنى من نِعم وخيرات الخليج . كذلك فإن مساواتنا بهذه النعم والخيرات هو استثمار شفاف للمستقبل. يجب أن نكون جزءا كاملا – قد لا نقول النصف – من التنمية البشرية والنهضة الخليجية .  في الختام ، تحية خالصة مني شخصيا ومن اللجنة التنظيمية ل ” ملتقى المرأة الخليجية الاقتصادي” إلى خادم الحرمين الشريفين على قراراته وتوجيهاته وإلى حكومة المملكة ومسؤوليها . والتهنئة للمرأة السعودية خاصة وإلى شعب المملكة العربية سعودية قاطبة ، رجالا ،نساء ، مع الأمل بتحقيق المزيد من المكتسبات المرجوة في المستقبل القريب . وأنا على ثقة بأن إعمال العقل والحكمة والعدالة والرجوع إلى ثوابتنا الأصيلة قادرون معاً على منع الإخلال بقيمنا الإسلامية ومواكبة تحديات العصر والتأثير في متغيراته.

نبيلة مبارك العنجري - السعودية

كنت على ثقة أن شيئا كبيرا على صعيد أوضاع المرأة السعودية سيحصل في وقت قريب : كان ذلك في ( 6 و7 ) أبريل 2010 ، والمناسبة كانت استضافة دولة الكويت ” ملتقى المرأة الخليجية الاقتصادي” الذي كان لي شرف تأسيسه وإطلاقه ورئاسة لجنته العليا، وكان لنا الشرف بأن يكون عنوان دورته الأولى ” المرأة السعودية والكويتية خبرات متبادلة وتجارب رائدة ” وأن يلقى تشجيع الجهات العليا في المملكة لمشاركة الأخوات من سيدات أعمال وغيرهن حضورا وتحدثا .. كثيرون ( وكثيرات ) فوجئوا يومها عندنا ، ليس فقط بما لدى المرأة السعودية من طاقات ” كامنة ” ، بل بما تختزنه من رؤى وإحساس عال بالمسؤولية ، الاجتماعية والتنموية والوطنية . أتذكر أيضا كم كان المتحدثون من الرجال في إحدى الجلسات ، ومنهم الأستاذ الكبير تركي السديري ، يخفون وراء مداخلاتهم حينها احساسا قويا ومتفائلاً ، بأن المرأة السعودية ، والخليجية عامة على عتبة مرحلة تاريخية جديدة .

ولكن كان شعوري بأن هذا الشيء الكبير سيحصل كان بدأ قبلا . الذاكرة تعود بي إلى أكتوبر 2002 ، عندما ترأست وفد دولة الكويت إلى المؤتمر الثالث للوزارء المسؤولين عن السياحة في منظمة المؤتمر الإسلامي الذي عقد في الرياض . شعرت بذلك أثناء استقبال خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ، حينما كان وليا للعهد ، للوفود المشاركة في المؤتمر واثناء كلماته التشجيعية لي كأول امراة ترأس وفدا إلى ذلك المؤتمر . كنت حينها وكيلا مساعدا لشؤون السياحة ، ولم تكن المرأة الكويتية قد حصلت بعد على حقوقها بالمشاركة السياسية ، لا في الوزارة ولا في البلدية ولا في الانتخابات البلدية. ولهذا كنا نشعر أن كل تشجيع من قادة المنطقة لسعينا نحو تلك الحقوق حافزاً لا تستقيم حركتنا بدونه.

وحدثت التطورات المتتالية ، في الكويت وعدد من دول مجلس التعاون .. أتساءل أحيانا : لماذا لا نجعل من هذه المحطات أعيادا وطنية ، أو نسائية على الأقل . ثم استدرك : لأنها أتت وتأتي في سياق تطور “طبيعي له بعد تاريخي وثقافي” ولأن القادة الحكماء كانوا نصيرا لها ولأن حركتنا ” النسائية ” لم تكن في يوم من الأيام خارج تعاليم ديننا وقيمنا الأصيلة . على العكس : وقد ثبت لاحقا أن مقاومة هذه الحقوق تبدو غير متسقة مع هذه الأصالة . حجتها ثقافة وعادات اجتماعية قابلة للتغير والتطور . كثيرون قاوموا سمو الشيخ جابر الأحمد الصباح إلى أن يتحقق ” حلمه ” بمساواة المرأة الكويتية قبل أشهر معدودة من رحيله . بقوا يقاومون ” دستوريا ” ست سنوات وعندما دخلت المرأة الكويتية مجلس الوزراء والمجلس البلدي ثم مجلس الأمة ، صار الجميع ( نعم الجميع بدون استثناء) يخطبون ود المرأة ، وصوتها ورأيها ومساهمتها الفاعلة في التشريع والرقابة وفي تسريع خطى التنمية . الثقافة الاجتماعية بدأت تتغير . أصبحنا أكثر اتساقا مع الثوابت والقيم الأصيلة .

لقد قرأت وسمعت الكثير في الأيام الأخيرة عن قرارات خادم الحرمين الشريفين بحق المرأة السعودية بعضوية مجلس الشورى والمشاركة ترشيحا واقتراعا في انتخابات المجالس البلدية . بالتأكيد ، إن من حق الجميع انتظار المزيد من انصاف المرأة السعودية . وبالتأكيد سيحصل يوما ما ولعله قريب . ففي ضوء تجربة الكويت وغيرها من دول التعاون ، أكاد أقول بكل ثقة إن المرأة السعودية خرجت بعد هذين القرارين من القمقم . وأن يأتي هذا “الانطلاق ” من حقوقها السياسية بالتساوي مع الرجل قبل حقوق أخرى منشودة ، فإنها بذلك اختصرت مراحل كثيرة لا يمكن أن تمنع الفرحة بها مطالب أخرى منشودة وربما أكثر الحاحا وتغير في الحياة حياتها اليومية مثل حق القيادة والوكالة عن نفسها وغيره. فعندما يقر مثل هذ السقف العالي، وتتوفر قيادة تتطلع إلى الإصلاح التدريجي وتستشرف السبل الكفيلة بالتطوير “السلمي” يكون المستقبل مشرقا وأكثر هدوءا وفعالية من الصخب .

يجب أن لا يخفى على أحد أن هذين القرارين التاريخيين ، وهما يندرجان في إطار مسيرة شاملة من الاصلاحات ، يضعان الجميع والمرأة السعودية خاصة أمام تحديات جمة. مثلا ، سوف يؤدي رفع السقف إلى قفزة في إظهار وتوظيف مقدرات علمية ومهنية ، وإلى حركة وعي (نسائي عام) بقضايا الوطن والأمة ، وإلى طفرة طموح على مستوى الشأن العام . وفي غضون ذلك قد تطفو على السطح بعض الظواهر السلبية .. لكن حذار أن يقلل ذلك من أيماننا بقدرة المرأة السعودية – كمواطنة وانسان وأفكار وقدرات قيادية وليس كموضوع أو أداة – على إعطاء دفع لمسيرة المملكة مستقبلا .

أما خليجيا ، فان الدور الجديد للأخت السعودية يجعلنا نتطلع إلى مساهمة بالغة الأهمية في مستقبل أوضاع المرأة الخليجية.. ليس فقط لأن ” السعوديات ” يمثلن أكثرية نساء الخليج عددا ، بل لأن ذلك سيفتح لنا أبوابا واسعة من التفاعل بدون حواجز وسيضفي قيمة مضاعفة على “التجربة” النسائية الجديدة في الخليج وسيجعل تبادل خبراتنا وأفكارنا أكثر مردودا وقيمة .

نحن – نساء الخليج – نشكل أكثر من نصف عموم مواطنيه. ومشاركتنا السياسية ليست بالنسبة لمعظمنا – خلافا لكثير من الرجال – هدفا بذاته . إنها حق جواز مرور لتكون مساهمتنا أفعل وأمضى في تنمية وتقدم أوطاننا ومنطقتنا وأمتنا. وحتى تكون بهذا السياق يجب أن لا نحرم من حقوق( وواجبات)أساسية . يجب أن لا نكون عبئا لا في هذا ولا في ذلك . كما لا يجوز أن نُستثنى من نِعم وخيرات الخليج . كذلك فإن مساواتنا بهذه النعم والخيرات هو استثمار شفاف للمستقبل. يجب أن نكون جزءا كاملا – قد لا نقول النصف – من التنمية البشرية والنهضة الخليجية .

في الختام ، تحية خالصة مني شخصيا ومن اللجنة التنظيمية ل ” ملتقى المرأة الخليجية الاقتصادي” إلى خادم الحرمين الشريفين على قراراته وتوجيهاته وإلى حكومة المملكة ومسؤوليها . والتهنئة للمرأة السعودية خاصة وإلى شعب المملكة العربية سعودية قاطبة ، رجالا ،نساء ، مع الأمل بتحقيق المزيد من المكتسبات المرجوة في المستقبل القريب . وأنا على ثقة بأن إعمال العقل والحكمة والعدالة والرجوع إلى ثوابتنا الأصيلة قادرون معاً على منع الإخلال بقيمنا الإسلامية ومواكبة تحديات العصر والتأثير في متغيراته.
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-