نوبل.. ومدخل النساء!

 نبيلة حسني محجوب - " وكالة أخبار المرأة "

عندما ترى بابا صغيرا، ومدخلا ضيقا، خلف مبنى إدارة حكومية ضخمة فخمة، أو خلف المساجد مهما كانت مساحتها، فاعلم رحمك الله أنه مدخل للنساء!

أما إذا شاء القدر وتمكنت من المرور من " مدخل النساء" وهو أمر مستحيل لغير النساء، لذلك أشرح لك بعض ما تتميز به أقسام النساء. تتميز بالصغر، والاهمال الذي يصبح معه المكان غير لائقا انسانيا ومع هذا ليس بوسع النساء غير المرور من " مدخل النساء " إلى قسم النساء لانجاز معاملة، أو للصلاة رغم أن التكييف معطل، والبسط متربة والجدر متسخة والمقاعد مهترئة، أو لحضور ندوة لا يشاهدون المتحدث ولا يتداخلون إلا بصعوبة لأن الطرف الآخر يسقط وجودهم وعليهن القيام بمناورات عديدة كي يثبتن حضورهن في وعي الطرف الآخر!

أصعب ما يواجهني خلال سفري من أي مطار من مطاراتنا، هو المرور من مدخل النساء، لأن المدخل بدون باب، لكن عليه ستارة كثيفة لا يمكنك المرور دون ملامستها مهما اجتهدت كي تتفادى ما التصق بها من أوساخ وروائح لكنك لا بد ممسك بها بيديك أو برأسك أو بكتفك كي تمر منها وهذا وضع كارثي بمعنى الكلمة، لأنه لا أحد فكر في إجراء عملية تنظيف دوري لتلك الستائر الأزلية!

غرفة تفتيش النساء عبارة عن مربع صغير ربما 1×1 أو أكثر قليلا، في زاوية منها مكتب صغير عليه أكياس الطعام وصينية الشاهي والقهوة وعلى المقاعد القليلة جلست أو تمددت المسؤولات عن التفتيش ووقفت واحدة لتقوم بالمهمة بينما المسافرات يتدافعن داخل الغرفة حتى تشعر بالاختناق وتحمد الله أن المهمة انتهت وتأتي المهمة الأصعب وهي المرور من " الستارة " حمالة الأسية!

تلك صورة تعرفها جيدا كل المسافرات من مطاراتنا، وهي تعطي صورة غير انسانية لمعاملة النساء، في وطن يفخر مليكه بهن، لذلك أرجو أن يتم ولو مرة في السنة تبادل الأماكن بين الرجال والنساء كي يكتشف الرجال ماذا يعني " مدخل النساء"

دعونا نفكر قليلا، لو أن في اليمن هذا الاختراع العجيب " مدخل النساء" هل كان بإمكان " توكل كرمان " الفوز بنوبل للسلام؟ ربما يقلل بعضهم من وهج الجائزة لأنها مشتركة بين ثلاثة نساء. فليكن، هذه "نوبل" لأول إمراة عربية،استحقتها توكل كرمان بجدارة. هذه الشابة اليمنية استطاعت أن تناضل ببسالة، وتتولى زمام القيادة والمبادرة وهي بحجابها وحشمتها، لم تخدش مشاركتها خصوصيتها الانسانية الأنثوية، ربما لذلك سجلت المرأة اليمنية حضورا سياسيا واجتماعيا وثقافيا لا فتا منذ سمح لها بالمشاركة دون أن يوضع أمامها " مدخل النساء"

مدخل النساء، كأنه قسم للعزل؛ عزل النساء عن الحراك الفكري والسياسي والخبرات الحياتية التي لا يمكن اكتسابها دون اتصال مباشر مع كافة الأطراف، خصوصا والرجل له السبق في كافة المجالات، كيف يمكن اكتساب الخبرات والنساء في العزل؟!

لم تمض فرحتنا في توهجها بقرار خادم الحرمين الشريفين، بفتح أبواب المشاركة للمرأة في مجلس الشورى والمجالس البلدية وكافة مجالات العمل، إلا وتصريحات الفصل والعزل تسحق فرحتنا تحت حوافرها. هل سيتم عزل المرأة خلف ستار سميك تتراكم عليه الأوساخ، أو استحداث أبواب صغيرة خلف المباني لتمر منها النساء عضوات مجلس الشورى وعضوات المجالس البلدية؟ أعلم أنه لن يكون بهذا الوضع في مبنى مهيب كمبنى الشورى، لكنه رمزيا يضفي نفس الحالة.

كيف تتمكن عضوات المجلس البلدي من القيام بمهامهن وهن معزولات في قسم جانبي أو أعلى؟ هو أولا وأخيرا، ليس أكثر من " مدخل نساء" يحجب فاعليتهن وحماسهن ويظل انجازهن مهما "علا" لا يؤخذ به إلا بصفته الأنثوية لا الانسانية!

ربما هناك من يقول أني كمن " جهز الحطب قبل ما خطب " ليس صحيحا، لأن " مدخل النساء" ليس بوصفه المكاني، ولكن بوصفه الرمزي، كأداة عزل وتقييد وتقليل من شأن المشاركة الفعالة للنساء.

ربما هناك من يقول أن مشكلات النساء السعوديات أكبر من اختزالها في " مدخل للنساء" كلام صحيح جدددددا " لكن " معظم النار من مستصغر الشرر" لأن " مدخل النساء" هو العقبة التي تعيق المرأة من مباشرة أمورها، ومن تحقيق تقدم في مختلف المشاركات مع شريكها الرجل وبهذا سيظل حلم العالمية بمافيها نوبل " حلم إبليس في الجنة" لا تحدثني عن النساء اللاتي حققن تميزا على المستوى الدولي لأنهن تحررن مبكرا من " مدخل النساء" درسن وعملن في أجواء من الحرية المسؤولة والانفتاح الواعي وبما تمتعن به من ذكاء وتميز، فحققن ما حققن دوليا وأصبحن محل فخر وتقدير حق لهن.

إذا حققت المرأة في عهد خادم الحرمين كل هذه الانجازات، حتى الوصول إلى مقاعد الشورى والمجالس البلدية، فالأحرى عدم التخوف من غلق هذه المداخل الصغيرة التي لا تليق بالنساء وهن على مشارف الوصول إلى قمة المشاركة الشورية والبلدية والتي تذكرنا بقسم الحريم أو " الحرملك" في العصر العثماني، الذي يعزل نساء السلطان وجواريه عن بقية أقسام القصر.

عندما أشاهد النساء في اليمن اندهش من هذا الحضور الطاغي وأتساءل أين " مدخل النساء" المرأة اليمنية تتولى المناصب القيادية وتشارك في الأحزاب السياسية، تقود المسيرات وتناضل ولم تتأثر أمومتها أو تفقد أنوثتها أو حشمتها، وأذكر المراة اليمنية لأنهن الأقرب إلى ثقافتنا، ولأني عرفت منهن كثيرات ناشطات سياسيات، ومسئولات حكوميات وأكاديميات وداعيات

مثقفات ومسيّسات لم يفرطن في أزيائهن المحتشمة، كما ظهرت توكل كرمان في كل التقارير التي رافقت خبر فوزها بجائزة نوبل للسلام وهي شابة تبلغ من العمر 32 عاما

ولا أظن المرأة السعودية أقل منهن اعتزازا بحشمتهن.

وأخيرا أتمنى ألا تظل أحلام النساء في وطني رهينة " مدخل النساء" - لتنطلق محلقة تطاول نوبل وغيرها بكل ثقة واقتدار فقط أزيلوا " مدخل النساء"
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-