أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

حتى يؤتي حراك المرأة السعودية أكله..!

أمل زاهد - السعودية

يبدو أنه في خضم الفرحة العارمة بالقرار الملكي القاضي بتمكين المرأة من تمثيل مكافيء للرجل في مجلس الشورى والمجالس البلدية، نسيت المرأة أن هناك جبالا عاتية من العوائق والموانع لا تزال تقف في وجهها لتمنعها من ممارسة حقوق مبدئية وبديهية كحق التعليم والعمل – على سبيل المثال – دون موافقة ولي الأمر .. ! ، إلى جانب حقوق كثيرة مستلبة لا زالت تجعل من العادات والقيم المجتمعية البالية الحاكم بأمره في حياة المرأة السعودية ..!

ولعلّ الحكم – المنقوض- بجلد شيماء جستنية جزاءًا وفاقًا على قيادتها للسيارة؛ ومحاكمة نجلاء حريري المقررة الشهر القادم لذات السبب تعيد المرأة السعودية إلى واقعها المرير والمأساوي ، وتقرع الجرس قائلة لها أنه يتعين عليها النحت في الصخر والمشي في طريق طويل مليء بالأشواك لتنال أبسط حقوقها ، كحق التنقل بعربتها على سبيل المثال .. !

وهنا أؤكد تثميني للقرار الملكي – وما يفترض – أن يضمنه من اعتراف بكينونة المرأة وأهليتها الكاملة وأهمية دورها في تنمية الوطن ونهضته . ولكن رغم فرحي وابتهاجي به ، إلا أن مكتسباته – في تقديري - ثقافية محضة لا تنعكس على الواقع الآني للشريحة الأكبر من النساء في المملكة واللاتي يذقن الأمرين في حياتهن اليومية ..!

ورغم قناعتي أن قرارا كهذا سيساهم في كسر طوق نقص الأهلية الذي عانت ولا تزال تعاني منه المرأة السعودية ، إلا أنه لا بد أن يدعم بمجموعة من القرارات التي تساعد على تمكين المرأة وإلا سيظل مبتورا وناقص الفاعلية .. ولن يجبّ ما قبله من القرارات كما افترضت وتمنت الزميلة بدرية البشر في حوارمعها على قناة ” الحرة ” !

ورغم أهمية مكتسبات هذا القرار في تهشيم الصورة النمطية المتكلّسة عن المرأة وفي اختراق الأنساق الثقافية التي تكرّس دونية المرأة وتحقِّرها وتفتئت على مكانتها في الإسلام ، إلا أن ثمرته – الثقافية- لن تؤتي أكلها إلا بالعمل الجاد على تجديد الخطاب الديني الثقافي، والخطاب التعليمي والإعلامي فيما يخص المرأة، والإشتغال على تفكيك البنى الثقافية المكرسة لدونية المرأة على كافة المستويات ..! فلا زالت مشاركة المرأة تثير قضايا من نوعية الصورة المرافقة للحملة الانتخابية ووجوب حجبها أو جواز كشفها، ووضعها في طابق منفصل بعيدا عن زملائها الرجال في مجلس الشورى .. ؛ أي أننا لا نزال ندور في أفلاك قضايا تجاوزها الزمن، وحسمت في كافة بلاد المسلمين ..!

فالمرأة في النسق الثقافي السعودي -ذي الخصوصية الخاصة جدا- لم تخرج عن نطاق ” التشييء” ، والرؤية التي تحشرها في خانة العورة وإثارة الفتن ما ظهر منها وما بطن .. والافتئات على إنسانيتها لحساب أنوثتها حتى وهي تلج قبة الشورى وتقتحم المجالس البلدية .. !

وفيما لا تزال هذه القضايا الجدلية الخاصة بالمرأة وكيفية مشاركتها في الحياة العامة هي المهيمنة والطاغية على المشهد السعودي والأكثر إثارة للجدل والكر والفر .. ، تتوارى قضايا الفساد المالي والإداري والفقر المدقع وغياب المشاركة الشعبية الحقيقية لصالح هذه المعارك التي تساهم في خلق المزيد من التشرذمات والانقسامات..!

وهنا لابد من التأكيد على أن هذا الابتهاج النسوي – المشروع – لا يجب أن يُنسي المرأة أن قضيتها هي قضية الانسان المقموع والمقهور والمهضوم الحقوق رجلا كان أو امرأة ، مما يثير التعجب والاستنكار من ردود الأفعال المتشنجة التي تصل للصراخ النسوي ضد أي صوت يتساءل عن مدى فاعلية المجالس البلدية ، أو يؤكد على أهمية انتخاب اعضاء مجلس الشورى أو يقرر واقع أن دور المجلس لا يزال محبوسا في أطر الإستشارية غير الملزمة ولم يخرج بعد لرحاب الدور التشريعي..!

وهنا لا بد أن ترتفع أصابع الاتهام بالذكورية وملحقاتها من النعوت في وجه أي رجل يجرؤ على إثارة علامات الاستفهام – التي أراها مشروعة جدا – ليصور على أنه الوحش القادم من أدغال “الذكورية “ ليغتال الفرح والابتهاج “النسوي ” بالقرار الملكي ومكتسباته..!

لا شك أن صوت مطالب المرأة بحقوقها المستلبة هو الأعلى نبرة والأكثر حضورا وفاعلية اليوم في مشهدنا السعودي ولا شك أن المرأة السعودية اليوم تحصد ثمار مجهوداتها ومطالباتها الدؤوبة .. ، ولكن عليها أن لا تنزلق إلى مهاوي معارك جانبية تضعف قضيتها وتشرذمها، وتجعلها تنقسم على ذاتها في صورة انقسامها على شريكها الرجل الذي يزال يحلم بالمشاركة الفاعلة في صناعة القرار في الشؤون التي تمس حياته ومصيره .. !

وهنا لا بد من الوعي بأن المرأة لن تجني ثمرة نضالها وكفاحها ما لم تخرج من أطر الفئوية الضيقة إلى آفاق أكثر اتساعا تجعل من قضيتها قضية الانسان المهضوم الحقوق .. بشقيه!!

وحتى لا يجهض الحراك النسوي الذي شهدنا تبرعمه وقطفنا أولى ثماره على الناشطات في مجال حقوق المرأة أن يعين دروس المرحلة وأننا لا نزال بعد في بداية طريق طويل وشائك .. ، فضلا أننا لا نزال بعيدين – رجالا ونساءً – عن المشاركة الشعبية الحقيقية في صناعة القرار!

تعليقات