أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

المرأة والحريات العامة والشخصية في غزة

ريما كتانة نزال - فلسطين السيد "بان كيمون" الأمين العام للامم المتحدة، عشية الذكرى العاشرة للقرار1325 قمتم بتكرار الدعوة الى تطبيقه، وهو القرار الداعي الى زيادة تمثيل المرأة في جميع مستويات صنع القرار، في المؤسسات والآليات الوطنية والاقليمية والدولية، لمنع الصراعات وادارتها وحلها. لقد اعتبرتم في تصريحاتكم بمناسبة الذكرى العاشرة لصدور القرار، بأن "النساء لا زلن مبعدات عن عملية السلام"؛ وطالبتم "بتحويل الوعود بشأن المرأة في النزاعات الى حقيقة واقعة". ان محتوى خطابكم في الذكرى العاشرة للقرار؛ يعبر عن عملية تقييم واستخلاص لنتائج العمل به على مدار السنوات العشر التي تلت صدوره، ونعتبر ما فهمناه من خلال مفرداتكم نهاية ايلول الماضي أن أهداف القرار ذات العلاقة بمشاركة المرأة وتحقيق السلام لا زالت تراوح في مكانها في لحظة صدور القرار في عام 2000، الأمر الذي نقر به معكم؛ ونعتبره استخلاص وتقييم دقيق وصحيح من وجهة نظر المرأة الفلسطينية. لكن الفلسطينيات كن يتمنين لو انكم توسعتم قليلا وقمتم بشرح السياق الذي استخلصتم من خلاله النتائج والاحكام، وقمتم بوضع النقاط على الحروف، وعلى رأسها الاسباب التي دفعتكم الى اعتبار ان النساء وفي قلبهم الفلسطينيات مستبعدات عن عمليات السلام، ولو كنتم قد اوضحتم ما يحول دون انخراط المرأة الفلسطينية في جهود تحقيق السلام.. علما بأنني استطيع أن أنفي الاعتبارات التمييزية التقليدية في الاستبعاد، لأن المرأة والرجل في فلسطين متساويان في عملية الإقصاء عن المشاركة في الحلول وصنع السلام، وذلك بسبب استفراد دولة الاحتلال وتحكمها في تقرير الحل وموعده وموضوعاته ومداه، رغبة منها في التنكر لتحقيقه، والأدق في أنها تعمل نهارا جهارا على تخريب واعاقة أي جهود تبذل للتوصل اليه ..  السيد الامين العام لهيئة الأمم المتحدة: ان علاقتنا بقرارات الشرعية الدولية كعلاقات الحب من طرف واحد، حيث بنى الشعب الفلسطيني استراتيجيته بالاستناد على قرارات الشرعية الدولية، وتبنى كافة القرارات الصادرة عن الهيئة الدولية ذات الصلة بقضيته، لتصبح كأحد المحددات والمعالم الرئيسية لبرنامجه السياسي، بل يكاد شعبنا الفلسطيني يحفظ عن ظهر قلب عدد وأرقام القرارات الصادرة مع نصوصها، في الوقت الذي تتخلى فيه الهيئة الدولية عنه وتكشف ظهره للحديد والنار. اعذرني ايها الأمين العام على محاكمة دور هيئتكم الأممية وتقييمها من خلال مدى ترجمتها للقرارات الخاصة بقضيتي الوطنية، ومن خلال قدرتها على الالتزام بجوهر ميثاقها الذي ينص على انقاذ الاجيال من ويلات الحروب، ومن أجل حفظ السلم والامن الدولي. بينما على أرض الواقع نجدها عاجزة عن الاخلاص لميثاقها، وبأنها لا تملك الارادة المستقلة لتحقيق السلام؛ ولا تملك القوة لتطبيق قراراتها. واعذرني ايها الأمين العام في الحكم على الهيئة الدولية بالتجويف والاستلاب، وبأن قراراتها مصادرة من قبل نظامها المعتمد والمتمثل بنظام "الفيتو"، حيث يسبب حق النقض لبعض الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة الى اجهاض العدالة والارادة الدولية، وشل دورها في حفظ الامن والسلام.  لقد بلغ عدد المرات التي استخدمت فيها امريكا حق "الفيتو" أكثر من ثمانين مرة منذ تأسيس هيئة الامم المتحدة، علما بان ما يزيد على نصفهم أُشهر في وجه قرارات خاصة بالقضية الفلسطينية. واعذرنا كذلك ايها الامين العام، ان حكمنا عليكم بالعجز عن حماية حتى موظفيكم ومؤسساتكم، فالولايات المتحدة استخدمت "الفيتو" لتعطيل صدور قرار ينتقد اسرائيل لقتلها عددا من موظفي الامم المتحدة، واستخدمته لإجهاض قرار يدين قصف مدارس تابعة للامم المتحدة في غزة، واستخدمته لإفشال قرار يدين دولة الاحتلال على تدميرها مخزن تابع لبرنامج الغذاء العالمي في الضفة الغربية. ان المرأة الفلسطينية تبنت القرار 1325 واعتبرته يتقاطع مع أهداف برنامجها القريبة والبعيدة، على الرغم من ان الهيئة الدولية لا تتبنى قضاياها ومعاناتها، وفي ظل عجزالقرار عن الأمانة والاخلاص لنصوصه التي تنادي بتوفير الحماية للمرأة التي تعيش ظروف الصراع.  وفي نهاية رسالتنا لكم في الذكرى العاشرة للقرار، ترى المرأة الفلسطينية بأن الأحرى بكم ايها الأمين العام، أن تقوموا باتخاذ التدابير والاجراءات اللازمة لتفعيل قراركم قبل مطالبة الدول بتطبيقه. وأن تعملوا على وضع نظام محاسبة ومراقبة بشأن تطبيقه. وقبل كل شيء؛ فقد آن الأوان للقيام بخطوة اصلاحية لكافة الانظمة واللوائح الخاصة بالمنظمة الدولية بهدف منع استمرار تجويفها وعجزها، لتنطق باسم دورها التاريخي الذي انشأت من اجله، عوضا عن النطق بلغة القوة والاستحواذ. ريما كتانة نزال - فلسطين هذا العام؛ تم انتقاء عنوان " هياكل العنف: تحديد التقاطعات بين العسكرة والعنف ضد المرأة"، كموضوع لحملة "16 يوما لمناهضة العنف ضد المرأة" ، والتي تبدأ في الخامس والعشرين من شهر تشرين الثاني من كل عام وتنتهي في العاشر من كانون الأول. وتهدف الحملة الى تسليط الأضواء على مظاهر العنف الواقعة على النساء حول العالم، في الفترة الواقعة بين اليوم الدولي لمناهضة العنف ضد المرأة واليوم الدولي لحقوق الانسان. ويتضح من اختيار التواريخ الربط الرمزي ما بين حقوق المرأة والعمل على مساواتها وحفظ كرامتها وبين منظومة حقوق الانسان، واعتبار المس بحقوق المرأة وممارسة العنف ضدها خروجا وانتهاكا لقواعد حقوق الانسان. يأتي اختيار عنوان الحملة لهذا العام ليركز النظر على أحد أهم أسباب العنف في أماكن عديدة في العالم، حيث يؤدي العنف العسكري بسبب الاحتلالات والحروب والصراعات المسلحة الى تسعير أشكال العنف الداخلي في المجتمعات التي تعيش في مرمى نيرانه، ويستعر العنف الاجتماعي ضد النساء في تلك البلاد ويتضاعف كنتيجة طبيعية لانتشار العنف العام الناجم عن للعنف العسكري، والذي ينعكس ويفرَغ بالمرأة كأحد متنفساته باعتبارها واحدة من الفئات الأضعف في المجتمع. من البديهي أن تركيز البحث والضوء على واقع العنف ضد المرأة في بلدان الصراع المسلح، لا يصادر الحق في تسليط الضوء على جذور العنف الاجتماعي الداخلي ولا يموه على دوافعه، بل لخدمة هدف تظهير العنف المركب الواقع على المرأة في بلدان الصراع المسلح، ومنها العنف المركب الذي تعيش تحت وطأته المرأة الفلسطينية التي تتعرض لاحتمال أن تزهق حياتها مرتين.  يعتبر مشهد العنف في فلسطين كأحد المشاهد التي لا تنتهي بسبب خصوصية الوضع الفلسطيني بوقوعه تحت الاحتلال منذ أكثر من ستين عاما. ويمارس الاحتلال جميع أشكال العنف بشكل مباشر او غير مباشر على المرأة بهدف احكام قبضته على الشعب وأرضه. وقد تسبب الاحتلال في قتل آلاف النساء واعتقالهن واعاقتهن بشكل فردي وجماعي في داخل الوطن وفي خارجه في المراحل المختلفة، حيث يمارس الاحتلال قمعه وتنكيله ضد الشعب الفلسطيني في جميع مناطق تواجده وفقا لاحتياجات ومتطلبات خططه الاحتلالية والامنية، وينقل جيشه وحروبه حسب المخاطر المحيطة بمشروعه الاحتلالي الاحلالي، لذلك فالخطر والعنف الرئيسي الذي يحيط بالمرأة ودورها وحريتها يتمثل بعنف الاحتلال، والذي يجند البعد الاجتماعي التقليدي ويستفيد منه من اجل قمع المرأة وابقائها تحت السيطرة. حيث لا يمكن عزل الاجراءات الأمنية التي يبتدعها الاحتلال والمتمثلة بعسكرة الطرق والحواجز لاعاقة التنقل للعمل والتعليم عن استهداف الاحتلال تجهيل المجتمع بشكل عام، وتجهيل نصفه من الفتيات الشابات بشكل خاص بهدف هلاك المجتمع على الصعيد الفكري والسياسي والاقتصادي. فالمجتمع الجاهل يسهل قمعه والسيطرة عليه ويعاق تنميته واستقلاله.  وفي الوجه الآخر لعملة العنف، لا يمكن اعتبار الاحتلال هو المنتج الرئيس للعنف وإغفال الجوانب الاخرى ومصادر العنف الاخرى التي تعمل ضد المرأة. فالواقع الاجتماعي الذي تحركه منظومة من السلطات العشائرية والعقائدية الى جانب سلة من الموروثات والعادات والتقاليد، تؤثر على المرأة بشكل معقد وعنيف. ما الجديد في زوايا العنف بعد عشرات السنين من تعاقب تفريغ محتوى الساعة الرملية.. ما هي نقطة الضعف المسببة في اعادة انتاج دورة العنف الذي تبدو مؤشراته في تصاعد .. ما الحلقة المفقودة في مسلسل العنف.. بديهي بأن المعالجات التي تقوم بها مؤسسات المجتمع المدني على الصعيد الرسمي وغير الرسمي تساهم في حصار الظاهرة لكنها غير قادرة على معالجتها، وذلك بسبب استمرار تمسك الضحايا والمجتمع بأهداب الصمت عن الظاهرة وعلى رأسها العنف المختبئ في المنازل، والذي تشير الاحصاءات على حظوته بنصيب الأسد من حصص العنف ..  يكتسب الصمت في الوعي العربي معنى جماليا وفضيلة، فالسكوت في الحكمة العربية مصنوع من ذهب، بينما صنعت الكلام من فضة. والصمت أجمل في حالة صمت المرأة، حيث يكسبها الكمال والسحر والغموض والاحترام، ويرتبط كلام المرأة في الثقافة التقليدية بالثرثرة، والمرأة المفضلة هي التي لها فم ليأكل لا ليتكلم... لذلك فان احد أهم المعالجات للعنف وخاصة المنزلي الأكثر اتساعا، يتمثل أولا بالاعتراف المجتمعي بوجوده على الرغم من حساسيته نظرا للأدوار المتنوعة التي تؤديها الأسرة وبما يجعل جدار الصمت يطبق طويلا حولها. وفي الوقت ذاته، فان استمرار انكار وجود العنف الأسري يعيق عملية اتخاذ التدابير لمنعه واتقائه؛ ويجعل أفرادها يتعرضون للانتهاكات دون شكوى او اعتراض، ولا يمكن من التعامل مع أطرافه وعلى وجه الخصوص الضحايا والجناة بآليات التوعية والتأهيل والاصلاح وتبيان مخاطر العنف الأسري على تماسك الأسرة واستقرارها.  ان اختيار عنوان حملة "16 يوم لمناهضة العنف ضد المرأة" يتناسب مع واقع وبرنامج المرأة الفلسطينية. فالربط بين هياكل العنف الاحتلالي والاجتماعي يجد أجوبته الفلسطينية من خلال تحليل أثر بيئة القمع السياسي والوطني على بناء الشخصية الفلسطينية، دون الوقوع في فلسفة التبرير وكأنه العامل الوحيد في بناء عوامل العنف، أو تصويره كأحد أشكال ردود الفعل على عنف الاحتلال. ان الربط بين العنف الاجتماعي والاحتلالي يمكن المرأة الفلسطينية ومؤسساتها المختلفة من عرض المشهد بأبعاده الحقيقية، كمجتمع يعيش في دوائر مغلقة من العنف، وبأن القضاء عليه يشترط ان يسبقه اخراج الاحتلال من الأرض كأحد العوامل الأساسية في تغذية وتبرير أشكال أخرى من العنف الداخلي ومنها العنف الاجتماعي.. ريما كتانة نزال - فلسطين كأننا نتابع فيلما من النوع الذي يصنف تحت قائمة "الكوميديا السوداء". توجيه تهمة لامرأة بسبب الضحك بصوت عالٍ على بحر غزة، قرار بتأنيث المدارس يمنع المدرسين الذكور من العمل في مدارس البنات، قرار يمنع النساء من تدخين النرجيلة في مكان عام. فرض اجراءات على طالبات المدارس والمحاميات تقضي بلبس الزي الشرعي، مطالبة التجار بإزالة دمى العرض من المحلات ومنع عرض الملابس غير المحتشمة، استدعاء قيادات نسائية وطنية لمراجعة الاجهزة الأمنية بمرافقة محرم، وقتل فتاة وجرح أختها باطلاق النار على سيارة كانت تقلهما مع خطيبيهما للشك بوجود علاقة غير شرعية!!! ولا اضيف جديدا بالقول ان الانقسام بين شطري الوطن قد ادى الى آثار ونتائج كارثية على شعبنا، حيث حقق لاسرائيل الأهداف التي لم تحلم يوما بتحقيقها، وترك آثارا اقتصادية وسياسية واجتماعية ونفسية على الشعب بشكل عام وعلى المرأة بشكل خاص. فقد وضع الانقسام المرأة كأحد الأهداف التي يتم من خلالها تغيير الهوية الثقافية والتراثية للشعب الفلسطيني في غزة، وذلك بهدف صبغ وخلق مظهر مضلل وانطباع عام عن هوية المجتمع ينَفذ من خلال المرأة، ولإحلال انطباع جديد وهوية بديلة للهوية الفلسطينية الأصيلة المنفتحة؛ ولتغيير دور المرأة الوطني المشارك تاريخيا والذي تطور وتغير لتلبية احتياج الواقع المتغير. ان القمع الممارس ضد المرأة يهدف الى قمع ووقف تطلعاتها التي تنامت في المرحلة السابقة وحققت المكتسبات، فالقائمون على نزع المكاسب ويقفون ضد التغيير الاجتماعي يعرفون بأن تغيير التراث الاجتماعي لا يتحقق بالسرعة التي يتمكن فيها أي انقلاب من تغيير النظام السياسي.  لذلك دأبت أجهزة نظام الأمر الواقع في غزة منذ عام 2007 على التضييق على الناشطات السياسيات والمجتمعيات بمختلف الوسائل، وداومت على استدعاء واحتجاز مستهدف لقيادات نسائية والتحقيق معهن، وكان آخر ما حرر من استهدافات مقصودة ضد رموز نسائية في غزة، ارسال رسائل التهديد بالقتل والحرق للاعلامية "أسماء الغول" في تصعيد مستهجن ضدها، وكأن من يستهدفها يريد اغتيال وحرق شخصيتها بالتشهير والاساءة الى سمعتها.. الخطوات والاجراءات التي تستهدف النساء في غزة متنوعة وتتناقض فيما بينها، حيث يتم التعامل مع المرأة بازدواجية كاملة، فالمرأة من جانب شخصية سياسية معارضة للنظام تؤخذ على محمل الجد ولا بد من محاسبتها وعقابها، وهي من جانب آخر ضلع قاصر عليها اصطحاب محرمها، دون ان نعرف ان كان المستدعي يخشى على نفسه من الضحية، أم يخشى على الضحية من نفسه.. وهم من جانب آخر يفتعلون الإجراءات باسم الدين وحماية الأخلاق والفضيلة، في الوقت الذي يخالف مضمون رسائل التهديد رسالة الدين السمحة وقيم التسامح التي حض عليها .  مع استمرار الانقسام السياسي والجغرافي يتكرس التأثير السلبي على مشاركة المرأة في الحياة العامة في غزة، حيث تتكرس الاختلافات النوعية بين مكونات المجتمع، وتحدق الأخطار بالنسيج الاجتماعي والهوية الوطنية الفلسطينية، والمرأة من يدفع فاتورة تراجع منسوب الحريات العامة والشخصية. لقد استبدل الخطاب الاعلامي الذي يدعو الى مشاركة المرأة في الحياة العامة من أجل زج جميع القطاعات في معركة الحرية ودحر الاحتلال، ليحل مكانه ثقافة تدعو الى الحجر على المرأة كمخلوق قاصر، وتوظف القمع والارهاب الفكري والاجتماعي لإحكام السيطرة على المجتمع، بديلا لتوظيف طاقات المجتمع في معركة الاستقلال.  وتأثرت المرأة سلبا بالانقسام السياسي لاستدراجه انقسامات جديدة اجتماعية وثقافية أثَرت على تراث مشاركة المرأة في العمل السياسي والعام. حيث أدى القمع للتحركات الجماهيرية الى نشر الرعب بين صفوف المرأة الى الحد من مشاركتها في الفعاليات الجماهيرية. وأدت عملية اغلاق المنابر الاعلامية المتعددة واقتصارها على منابر تروج لثقافة واحدة اقصائية "تحجيبية" للعقل والمظهر، والى خلق ثقافة التعصب التي تقصي المرأة عن أدوارها الوطنية والاجتماعية، وبما يساهم في تشييئها كشكل مادي مفصول عن صفتها الانسانية، وينزع عنها الشخصية المستقلة والمسؤولة عن تصرفاتها، اضافة الى خلق ونشر مشاعر انعدام الثقة بين مكونات المجتمع.. ان الشيء بالشيء يذكر، حيث لا بد من التذكير بالجدل الذي نشأ في العامين الأولين للانتفاضة الثانية على خلفية قيام بعض الفتيات بعمليات فدائية. حيث أفتى الاتجاه الأصولي بعدم جواز قيام المرأة بعمليات فدائية خلف الخط الاخضر دون محرم وذلك بسبب السفر والتنقل، أي ان هذا المنظور لا يستطيع النظر الى المرأة خارج الإطار الأنثوي حتى في اللحظة التي تضحي بنفسها وتندرها للوطن.  لا بد من رفع الصوت عاليا ضد كل من يمس بالحريات العامة والشخصية في هذا الوطن الذي لا ينقصه المشاكل، ولا بد من الاقرار بان مشاركة المرأة أمر مفروغ منه تكرس منذ دخولها على مساحات العمل العام من بوابة المشاركة في النضال الوطني ضد الاحتلال. وبأن مقاومة الاحتلال تتطلب توظيف كتلة الطاقة البشرية ومن ضمنها حشد طاقة المرأة في مجرى النضال التحرري على جميع الجبهات الوطنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبأن أحد مستلزمات ومتطالبات توظيف وحشد الطاقات تتمثل في ارساء قواعد الديمقراطية وحقوق الانسان. ان مصلحة المرأة في النضال من اجل نظام ديمقراطي، يفتح المجال أمامها للنضال الوطني لتحرير الوطن، والنضال الاجتماعي من اجل قضية المرأة ومساواتها، نظام يمكَن من مزاولة حقهن كمواطنات لهن حق الانتاج والمشاركة دون التعرض للقهر.. فنحن في نهاية الامر نسعى لبناء وطن نعيش فيه كمواطنين أحرار لا عبيد وهذا لن يتحقق إلا بالاعتراف بالتنوع والاختلاف في المجتمع الفلسطيني بشكل فعلي، ولا ننسى أن ديمقراطية أي مجتمع تقاس بالحريات الممنوحة للمرأة فأي مجتمع تريده حماس في غزة راهنا..؟

ريما كتانة نزال - فلسطين

كأننا نتابع فيلما من النوع الذي يصنف تحت قائمة "الكوميديا السوداء". توجيه تهمة لامرأة بسبب الضحك بصوت عالٍ على بحر غزة، قرار بتأنيث المدارس يمنع المدرسين الذكور من العمل في مدارس البنات، قرار يمنع النساء من تدخين النرجيلة في مكان عام. فرض اجراءات على طالبات المدارس والمحاميات تقضي بلبس الزي الشرعي، مطالبة التجار بإزالة دمى العرض من المحلات ومنع عرض الملابس غير المحتشمة، استدعاء قيادات نسائية وطنية لمراجعة الاجهزة الأمنية بمرافقة محرم، وقتل فتاة وجرح أختها باطلاق النار على سيارة كانت تقلهما مع خطيبيهما للشك بوجود علاقة غير شرعية!!!

ولا اضيف جديدا بالقول ان الانقسام بين شطري الوطن قد ادى الى آثار ونتائج كارثية على شعبنا، حيث حقق لاسرائيل الأهداف التي لم تحلم يوما بتحقيقها، وترك آثارا اقتصادية وسياسية واجتماعية ونفسية على الشعب بشكل عام وعلى المرأة بشكل خاص. فقد وضع الانقسام المرأة كأحد الأهداف التي يتم من خلالها تغيير الهوية الثقافية والتراثية للشعب الفلسطيني في غزة، وذلك بهدف صبغ وخلق مظهر مضلل وانطباع عام عن هوية المجتمع ينَفذ من خلال المرأة، ولإحلال انطباع جديد وهوية بديلة للهوية الفلسطينية الأصيلة المنفتحة؛ ولتغيير دور المرأة الوطني المشارك تاريخيا والذي تطور وتغير لتلبية احتياج الواقع المتغير. ان القمع الممارس ضد المرأة يهدف الى قمع ووقف تطلعاتها التي تنامت في المرحلة السابقة وحققت المكتسبات، فالقائمون على نزع المكاسب ويقفون ضد التغيير الاجتماعي يعرفون بأن تغيير التراث الاجتماعي لا يتحقق بالسرعة التي يتمكن فيها أي انقلاب من تغيير النظام السياسي.

لذلك دأبت أجهزة نظام الأمر الواقع في غزة منذ عام 2007 على التضييق على الناشطات السياسيات والمجتمعيات بمختلف الوسائل، وداومت على استدعاء واحتجاز مستهدف لقيادات نسائية والتحقيق معهن، وكان آخر ما حرر من استهدافات مقصودة ضد رموز نسائية في غزة، ارسال رسائل التهديد بالقتل والحرق للاعلامية "أسماء الغول" في تصعيد مستهجن ضدها، وكأن من يستهدفها يريد اغتيال وحرق شخصيتها بالتشهير والاساءة الى سمعتها..

الخطوات والاجراءات التي تستهدف النساء في غزة متنوعة وتتناقض فيما بينها، حيث يتم التعامل مع المرأة بازدواجية كاملة، فالمرأة من جانب شخصية سياسية معارضة للنظام تؤخذ على محمل الجد ولا بد من محاسبتها وعقابها، وهي من جانب آخر ضلع قاصر عليها اصطحاب محرمها، دون ان نعرف ان كان المستدعي يخشى على نفسه من الضحية، أم يخشى على الضحية من نفسه.. وهم من جانب آخر يفتعلون الإجراءات باسم الدين وحماية الأخلاق والفضيلة، في الوقت الذي يخالف مضمون رسائل التهديد رسالة الدين السمحة وقيم التسامح التي حض عليها .

مع استمرار الانقسام السياسي والجغرافي يتكرس التأثير السلبي على مشاركة المرأة في الحياة العامة في غزة، حيث تتكرس الاختلافات النوعية بين مكونات المجتمع، وتحدق الأخطار بالنسيج الاجتماعي والهوية الوطنية الفلسطينية، والمرأة من يدفع فاتورة تراجع منسوب الحريات العامة والشخصية. لقد استبدل الخطاب الاعلامي الذي يدعو الى مشاركة المرأة في الحياة العامة من أجل زج جميع القطاعات في معركة الحرية ودحر الاحتلال، ليحل مكانه ثقافة تدعو الى الحجر على المرأة كمخلوق قاصر، وتوظف القمع والارهاب الفكري والاجتماعي لإحكام السيطرة على المجتمع، بديلا لتوظيف طاقات المجتمع في معركة الاستقلال.

وتأثرت المرأة سلبا بالانقسام السياسي لاستدراجه انقسامات جديدة اجتماعية وثقافية أثَرت على تراث مشاركة المرأة في العمل السياسي والعام. حيث أدى القمع للتحركات الجماهيرية الى نشر الرعب بين صفوف المرأة الى الحد من مشاركتها في الفعاليات الجماهيرية. وأدت عملية اغلاق المنابر الاعلامية المتعددة واقتصارها على منابر تروج لثقافة واحدة اقصائية "تحجيبية" للعقل والمظهر، والى خلق ثقافة التعصب التي تقصي المرأة عن أدوارها الوطنية والاجتماعية، وبما يساهم في تشييئها كشكل مادي مفصول عن صفتها الانسانية، وينزع عنها الشخصية المستقلة والمسؤولة عن تصرفاتها، اضافة الى خلق ونشر مشاعر انعدام الثقة بين مكونات المجتمع..

ان الشيء بالشيء يذكر، حيث لا بد من التذكير بالجدل الذي نشأ في العامين الأولين للانتفاضة الثانية على خلفية قيام بعض الفتيات بعمليات فدائية. حيث أفتى الاتجاه الأصولي بعدم جواز قيام المرأة بعمليات فدائية خلف الخط الاخضر دون محرم وذلك بسبب السفر والتنقل، أي ان هذا المنظور لا يستطيع النظر الى المرأة خارج الإطار الأنثوي حتى في اللحظة التي تضحي بنفسها وتندرها للوطن.

لا بد من رفع الصوت عاليا ضد كل من يمس بالحريات العامة والشخصية في هذا الوطن الذي لا ينقصه المشاكل، ولا بد من الاقرار بان مشاركة المرأة أمر مفروغ منه تكرس منذ دخولها على مساحات العمل العام من بوابة المشاركة في النضال الوطني ضد الاحتلال. وبأن مقاومة الاحتلال تتطلب توظيف كتلة الطاقة البشرية ومن ضمنها حشد طاقة المرأة في مجرى النضال التحرري على جميع الجبهات الوطنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبأن أحد مستلزمات ومتطالبات توظيف وحشد الطاقات تتمثل في ارساء قواعد الديمقراطية وحقوق الانسان.

ان مصلحة المرأة في النضال من اجل نظام ديمقراطي، يفتح المجال أمامها للنضال الوطني لتحرير الوطن، والنضال الاجتماعي من اجل قضية المرأة ومساواتها، نظام يمكَن من مزاولة حقهن كمواطنات لهن حق الانتاج والمشاركة دون التعرض للقهر.. فنحن في نهاية الامر نسعى لبناء وطن نعيش فيه كمواطنين أحرار لا عبيد وهذا لن يتحقق إلا بالاعتراف بالتنوع والاختلاف في المجتمع الفلسطيني بشكل فعلي، ولا ننسى أن ديمقراطية أي مجتمع تقاس بالحريات الممنوحة للمرأة فأي مجتمع تريده حماس في غزة راهنا..؟

تعليقات