من علم الثوار والفنانين والشهداء الولاء الوطني؟

الدكتورة سعاد السبع - اليمن  كلنا ينشد التغيير الإيجابي؛ وكل مواطن يرى أن التغيير الإيجابي هو الذي يحقق مصلحته هو، أو يحل مشكلته هو، حتى أنك عندما تسأل المواطنين العاديين الداعمين للتغيير السياسي عن سبب انضمامهم للمطالبة بإسقاط النظام يردون عليك بحكاية مشكلة حدثت لكل واحد منهم شخصيا مع أفراد أو جهات محسوبة على النظام، وكل الإجابات لا تخرج عن مشكلات سببها الفاسدون الذين لا يمكن حصرهم في حزب واحد، ومنع حلها الفساد الذي ضيق الخناق على الناس، فما كان منهم إلا الهروب إلى التغيير حتى وإن كان هذا التغيير هو استبدال الموت بالحياة..  وبقرب قدوم شهر رمضان المبارك نجدها فرصة ثمينة لإحداث التغيير الإيجابي في واقعنا وإخراج الوطن من أزمته الخانقة؛ ففي رمضان تتغير كيمياء جسم الإنسان بفعل الصيام، وتعاد برمجة خلاياه، فتتغير صحة الإنسان إلى الأفضل، ويتخلص الجسم من جميع السموم التي يتناولها الإنسان، ويرتاح الجسم لساعات من سموم القات والتدخين والشمة وغيرها من المكيفات التي أصبح تناولها ظاهرة شائعة في كل الأوقات منذ ظهور الأزمة، حتى أننا أصبحنا نشاهد القات في أفواه بعض المواطنين منذ شروق الشمس، فلم يعد للقات وقت مخصص كما كان في اليمن، ولم يعد يتطلب تجهيز الأماكن الخاصة والمشروبات المتنوعة والجلسات الجماعية، بل لقد صارت الأفواه منتفخة بالقات في كل الأمكنة وفي كل الأوقات، وربما ذلك يحدث هذه الأيام بسبب ما يعانيه الناس من هول الصدمات الأمنية والاقتصادية التي قتلت لدى الناس حتى القدرة على التفكير بموضوعية في ما يجب أن يكون، حتى أصبح الكثير منهم يهرب إلى هذه المكيفات عله يجد لحظات هادئة تمكنه من الاستمرار في مواجهة ضغوط الأزمة وآثارها على حياته، وتسلحه بأعصاب مخدرة تستوعب آثار الأزمة في سلوك الناس وأعصابهم، فقد صار معظم الناس غير قادرين على التعامل بهدوء مع أحداث الحياة اليومية، وينفجرون في وجه بعضهم لأتفه الأسباب..حتى أنه -لسوء طالعنا –صرنا نؤمن أن القات قد لعب دورا إيجابيا في تخفيف حدة (النزق ) الذي يسيطر على الناس وبخاصة المسلحين منهم، وأظن أنه لولا القات لقتل الرجال المسلحون كل من يحدثهم في الطريق حتى وإن كان هذا الحديث من دردشات الطرقات العامة أو الباصات..  رمضان فرصة ربانية لإحداث التغيير الإيجابي في جميع سلوكاتنا نحو أنفسنا ونحو الآخر؛ فماذا لو جعلنا من شهر رمضان شهر رفع ظلمنا عن بعضنا في محيطنا الذي نعيش فيه مهما كان حجمه صغيرا؟ نستطيع أن نحقق كثيرا من أهداف التغيير الإيجابي إذا ما بدأنا من جديد، لينسى المسيء أنه أساء، فيقلع عن الشر ويبدأ حياة نظيفة من جديد ، في رمضان يغفر الله الذنوب جميعها إذا تاب الإنسان وقرر أن يبدأ حياة جديدة بعيدة عن الشر و الذنوب الكبيرة، لا نحتاج لإحداث التغيير إلا لقوة إرادة البداية، البداية سهلة جدا إذا كانت نياتنا أن نحدث تغييرا إيجابيا في حياتنا تنعكس آثاره على كل ما يحيط بنا، أولى خطوات ذلك التغيير أن نحصر كل تصرفاتنا اليومية مع الآخر تحت شعار( الدين المعاملة) ثم بعد أن نحصر هذه الممارسات نتخيل وقعها علينا إذا تمت ممارستها من الآخر معنا.. أي نضع أنفسنا موضع الآخر ، ونفكر ماذا سنفعل لو أن هذه التصرفات قد صدرت من الآخر تجاهنا؟، ثم نتخيل موقفنا منها، هل إذا تصرف أحد معنا بنفس تصرفنا معه سيكون مقبولا لدينا؟ هل هذا التصرف سيسبب لنا إزعاجا إذا تمت ممارسته معنا من قبل الآخر؟ هل هذا التصرف سيمنع عنا خدمة نحن بحاجة إليها؟ هل هذا التصرف سيرغمنا على فعل شيء لا نقبله؟ هل هذا التصرف سيجبرنا على إخفاء حق كان يجب أن يظهر خوفا من النتائج؟! هل هذا التصرف سيجعلنا نحقد على الآخر؟ أم أن هذا السلوك سيقرب الآخر منا؟ ويسعدنا جميعا؟ لو أن كل واحد منا جلس مع نفسه قليلا ليدرس جميع تصرفاته تجاه الآخر ( الأب –الأم- الزوج- الزوجة- الابن- البنت- الجار- الصديق- الزميل- الرئيس- المرؤوس- الأجير- صاحب العمل- التلميذ- المعلم- القائد- الجندي) كل من تتطلب الحياة التواصل والتعامل معه، لو فعلنا ذلك لمدة ثلاثين يوما _أيام شهر رمضان- فلا شك سنحدث ثورة تغيير سلمية فريدة من نوعها، سوف نطبع نفوسنا على مراجعة كل سلوكاتنا تجاه الآخر، سوف نفكر قبل أي خطوة نقدم عليها لندرس نتائجها، سوف نجد الآخر نفسه قد تحول من عدو لئيم إلى صديق حميم مهما كان تاريخه السابق، سنجد أن نوازع الخير المدفونة لدى كثير منا بفعل الأنانية والتسلط والاستئثار والخوف أحيانا تتلاشى بلا حروب ولا دماء ولا تحديات ولا شتائم ولا منازعات، سنجد أن الخائفين من التغيير متحالفين معه لأنهم سيعرفون أنه تغيير يحفظ النفس والمال والعرض ، تغيير يمني الصيغة والهوية والهدف ، ليس فيه بصمة لأحد غير بصمات أهل الحكمة في بلاد الحكمة، تغيير لا يؤله أحدا غير الله، ولا يجتث أحدا من عباد الله بل يقرب بين أبناء الوطن الواحد مهما كانت انتماءاتهم، تغيير لا يهتم بفئة على حساب فئة أخرى، تغيير يجمع الناس بكل أطيافهم السياسية حول هدف واحد هو صناعة الحياة، لقد اشتقنا إلى الحياة فعلا.. فماذا لو أننا جميعا نتخذ هذا القرار؟؟!! ، ونجمع عليه في هذا الشهر الكريم؟! أمنياتنا جميعا أن نجعل من رمضان شهر انتصار ثورة التغيير الإيجابي في واقعنا، تغيير يجعل اليمنيين جميعا مصدرا للخير وهادين إليه، لا عبرة في الشر ومحرضين عليه ، وليكن دعاؤنا اليومي من أجل التغيير في هذا الشهر الكريم قوله تعالى:(رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) ( 5 - الممتحنة)  الدكتورة سعاد السبع - اليمن  التعليم والتنمية مفهومان متلازمان؛ لا وجود لأحدهما منفصلا عن الآخر، فلا تنمية بدون تعليم ولا تعليم بلا تنمية، أينما حل التعليم وتطور تكون التنمية ، وحينما يغيب التعليم أو يتوقف تقف التنمية وتتعثر، وتقف عجلة التغيير الإيجابي، وتتدهور أحوال الناس وأخلاقهم، ولأن التعليم واقف، فسيظل عقل الإنسان راكدا، أو سيتجه الإنسان إلى حشو عقله بالخرافات والأفكار الهدامة والمنحرفة حتى يشبع حاجته للتعليم، وكيفما كان نوع ذلك التعليم الذي يتم في المدارس فإنه مهم ومطلوب لأنه مرئي ومنضبط ومحكوم بمعايير التربية والتعليم، وكلنا يؤمن بالقاعدة العقلية التي تقول :(أن تعرف خير لك من ألا تعرف)، حتى وإن كانت المعرفة غير سارة فعلى الأقل تأخذ احتياطك لمواجهة نتائجها..  من المحزن حقا في بلادنا أن أولى الخدمات التي توقفت بسبب الأزمة الراهنة وما زالت متوقفة هي خدمة التعليم، فقد حرم جميع الطلاب من الدراسة تقريبا عاما دراسيا كاملا، و الله وحده يعلم، وبعده وزارة التربية والتعليم كيف تمت الاختبارات النهائية هذا العام بدون تعليم وبخاصة الشهادات العامة ؟ والذي يثير الحنق والحزن والاستغراب هو أن تغلق مؤسسات التعليم باسم الشعب، كما هو مكتوب على بعضها، وأن يرفع الشباب هتافات تسيء إلى ثورتهم بالدرجة الأولى كذلك الشعار الذي يتم ترديده في بعض المظاهرات(( لا دراسة ولا تدريس حتى يسقط الرئيس)) هل هذا كلام يصدر عن عقلاء؟!!إنها مهزلة أن يدعو شباب التغيير الشعب إلى التوقف عن التعليم، مع أنهم ينشدون التغيير وقيام الدولة المدنية الحديثة ..كيف لهذه الدولة أن تكون حديثة والمنادون بها قد سدوا منافذ التعليم عن أبناء الوطن؟!! إن هذا الخطأ هو من أكبر الأخطاء التي ارتكبها شباب ثورة التغيير، والعتب الكبير هو على قادتهم الذين لم يحسبوا حساب الشعارات التي تسيء إليهم أكثر مما تخدم ثورتهم..  إن إيقاف التعليم خطأ ديني وسياسي وتأريخي وإنساني يتحمله كل من ساهم في ارتكاب هذا الخطأ سواء بالإضراب عن العمل في مؤسسات التعليم، أو التحريض على إقفال المدارس أو الدعوة إلى عدم الذهاب إلى المدارس أو سد منافذ المؤسسات التعليمية كجامعة صنعاء، لأن التعليم مثل الصحة إذا توقف توقفت الحياة، ونحن لم نسمع عن وقف التعليم في أي دولة تنشد التغيير حتى في غزة ، فبالرغم من شراسة هجوم الصهاينة ، عليها واستمرار الحصار الظالم على أهلها، فلم نسمع عن أن التلاميذ لا يذهبون إلى مدارسهم ولا يتعلمون ، لأن المجتمع يدرك أنه إذا وقف التعليم ولم يتعلم الأبناء فلن يتحرروا أبدا..وهكذا نحن لن نستطيع أن نحدث التغيير ولا بناء الدولة المدنية ولا بناء القدرات المطلوبة للتنمية ما لم ندافع عن استمرارية التعليم تحت أي ظرف، وما لم نحافظ على بقاء مؤسسات التعليم عاملة حتى وإن طالت الأزمة ، فالتعليم لا ينبغي أن يكون ضحية صراعاتنا، التعليم هو النافذة الوحيدة لرؤية الحقيقة وتدريب العقول على التمييز بين الحق والباطل..  ماذا يمكن أن يفعل الآباء والأمهات وهم غير قادرين على السيطرة على الأطفال في الشوارع بلا مدارس؟ !! وكيف نحمي المراهقين من الانحراف وكل أوقاتهم مشغولة بالتسكع في الشوارع أو في مقاهي النت؟ !! أو في تناول المكيفات كالقات وغيره...كنا نصرخ من فراغ الأبناء بعد وقت المدرسة واليوم كل نهار الأبناء وليلهم لعب في لعب ، وفي غالب الأحيان يكون هذا اللعب ضد سلامتهم وضد أخلاقهم وضد تقاليد المجتمع..  إقفال المدارس والجامعات ينذر بكارثة اجتماعية وأخلاقية كبيرة ستعاني منها كل الأسر اليمنية، حتى الذين يرون أن التعليم سوف يعود بعد الأزمة لن يسلموا من هذه الكارثة مهما ظنوا أن أولادهم منشغلون بالاعتصامات، فإنهم لا شك سيفاجأون بنتائج الابتعاد عن التعليم في سلوكهم مستقبلا ، حيث بدأ الطلاب والطالبات يستمتعون بعدم وجود مسئوليات دراسية ، واتجهوا لقضاء أوقاتهم مع شلل الأصدقاء، ومع وسائل الترفيه التي تضر أكثر مما تنفع كالقنوات الفضائية ومواقع الإنترنت، وغيرها..حتى أنك عندما تسأل أحدهم عن الدراسة يقول مستمتعا( الحياة بدون دراسة أمتع) لا يعلمون أن مستقبلهم سيكون تعيسا بدون تعليم، ولا يفقهون أن الحياة تنتظر منهم جلدا وصبرا وقدرة على تحمل المسئوليات، وأن تحمل مسئولية التعليم والذهاب للمدرسة والانتظام في مسئوليات الدراسة هو جزء من تربيتهم على تحمل أعباء المستقبل....  وقبل أن تحل كارثة جديدة علينا جميعا تتمثل في إحجام الأبناء عن الذهاب إلى المدارس مستقبلا مهما عمل الآباء والأمهات، أوجه رسالتين؛ رسالتي الأولى إلى كل من يتصل بالعملية التعليمية؛ أرجوكم كفى تجهيلا لأبنائنا، وكفاكم تشجيعا للأبناء على الاستمتاع بالفراغ التعليمي، وكفاكم جناية على ثورة الشباب الصادقين، نحن مع الشباب في الصمود من أجل التغيير، لكننا نريد التغيير الإيجابي الذي يدافع عن التعليم، ولا يمنعه، أما التغيير إلى الأسوأ فهذا ما لن يقبله الشعب قاطبة لأنه يضر كل أجيال المستقبل ، وفي مقدمتهم شباب التغيير....  ورسالتي الثانية إلى كل شباب التغيير ، إذا كنتم تريدون النجاح لثورتكم فحافظوا على استمرارية خدمتين أساسيتين هما التعليم والصحة، وتأكدوا أن نجاحكم في حماية هاتين الخدمتين وعدم المساس بهما سيمثل رافدا شعبيا لثورتكم وستحققون أهداف التغيير الإيجابي، وابتعدوا عن الشعارات التي تدعو إلى إيقاف مظاهر الحياة من أجل التغيير لأن هذه الشعارات هي التي عرقلت مسيرتكم، واجعلوا الأخلاق معيارا لكل شعار تطلقونه، هكذا يريدكم الشعب ، حتى يلتف حولكم، ويقف مع مطالبكم ...  الدكتورة سعاد السبع - اليمن  كثر الحديث حول الولاء الوطني، وكل واحد يدلي بدلوه في وضع المقترحات لتنمية الولاء الوطني ؛ فمن قائل إن إعادة الولاء الوطني ستتحقق برفع العلم في كل مكان، ومن قائل بتغيير المناهج الدراسية ، ومن قائل بتفعيل الأنشطة الوطنية في المدارس ، ومن قائل بالاهتمام بالمعلم وانتقاء الإدارة المدرسية، وكل هذه العوامل مجتمعة مهمة ليس للولاء الوطني فحسب بل للعملية التعليمية كاملة؛ و يعد غياب عنصر منها خللا في العملية التعليمية برمتها، لا يقتصر على إضعاف الولاء الوطني لدى المتعلمين، بل إن غياب أحد هذه العناصر يؤثر في منظومة القيم الإنسانية لدى المتعلمين؛ بما في ذلك القيم الدينية والتربوية والوطنية والاجتماعية وغيرها.  حينما أفكر في أساليب تنمية الولاء الوطني أقع في حيرة بين سلوكنا اليوم تجاه الوطن وبين ما قدمه آباؤنا وأجدادنا من أجل الوطن في وقت لم يكن فيه مدارس تعلم الولاء الوطني، بل كان الإنسان يتشرب الولاء الوطني منذ ولادته، بغض النظر عن الحاكم والنظام السياسي: وإلا فمن الذي علم ثوار سبتمبر حب الوطن وتقديم حياتهم ثمنا لتخليصه من الحكم الكهنوتي؟ ومن الذي علم ثوار أكتوبر الانتماء للوطن لدرجة أنهم تصدوا بأجسادهم لأعتى قوة في الأرض وأرغموها على الرحيل من الجنوب؟ ومن علم الفضول والمقالح والبردوني وكل الشعراء الوطنيين أن يذوبوا شعرا في تراب الوطن ؟! من علم الفنانين الوطنيين الكبار من مطربين ورسامين أن يصدحوا بأعذب الألحان من أجل الوطن؟ ويرسموا بأناملهم أروع اللوحات الناطقة بانتمائهم العميق للوطن؟ من علم الشهداء أن يتلقوا الرصاص بصدورهم الندية فداء للوطن؟ هل كان هؤلاء يحملون الأعلام الوطنية على ظهورهم؟ هل تعلموا في المناهج التي نراها اليوم؟ هل دخلوا مدارس حديثة وتلقوا تعليما بأحدث وسائل تكنولوجيا التعليم؟ هل أرغمهم معلموهم على ترديد عبارة : (الله ،الوطن ، الثورة، الوحدة) كل يوم في فناء المدرسة. لم يحدث شيء مما سبق مع الوطنيين الكبار؛ لكن الوطن هو الذي كان يجري في عروقهم مجرى الدم، لذلك صنعوا تاريخ الوطن، وصنعهم الوطن لأنهم تعلموا الانتماء والولاء الوطني الحقيقي، وتشربوه في حضن الأسرة الدافئ بالحب والأمان والثقة، تعلموا في مجتمع تقليدي تحكمه القيم النبيلة، فكانت تربيتهم موحدة لأن أفراد المجتمع كانوا يجمعون على أسلوب تربوي واحد في البيت والمسجد والحقل والحي، فكان الأبناء يتشربون القيم المتكاملة في كل مكان ينزلون فيه ومن كل كبير يلاقونه، يجدون القدوة في سلوك الكبار وفي كل موقف يتعرضون له، فنتج عن ذلك أنهم ولدوا كبارا منذ طفولتهم، وبنوا كياناتهم بثبات قيمي جعلهم يتفاعلون مع كل الحياة بحب، ومسئولية، فهم في تصالح مع كل ما في بيئتهم؛ يرعون أغنامهم على أنغام حب الوطن، ويفلحون أراضيهم على نفحات عشق الأرض، وبالتالي حينما عبروا عن حبهم للوطن كان تعبيرهم فوق كل الخيال فرفعوا الوطن وارتفعوا به إلى يومنا هذا..  مفارقات عجيبة نعيشها هذه الأيام بسبب أزمة القيم التي تتحكم في حياتنا، وقد صارت مظاهر الأزمة ماثلة فيما نشاهده من مظاهر السلوك التي ليست لها علاقة بالقيم الروحية، بدءً من القيم التي تحكم العلاقات الأسرية ثم الاجتماعية في الحي و المدرسة ثم علاقتنا بالوطن وبالعروبة والإسلام والإنسانية. لا نريد أن يتجه اهتمامنا إلى المظهرية في الولاء الوطني قبل أن نهز سلم القيم لنخلصه من الشوائب التي علقت به بسبب تضارب الرسائل التربوية المحلية، وغزو وسائل العولمة والفضاء المفتوح، لا بد أن نعيد لسلم القيم الخاصة بنا (نحن اليمنيين) الثبات الوجداني الذي كان عليه في السابق، نريد أن تكون كل المظاهر الوطنية انعكاسا لقيم وجدانية وسلوكية تتشربها الأجيال وتعبر عنها بدافع الحب وليس بدافع الخوف أو التقليد.  والخطوة الأولى تبدأ من تربية الولاء لبيت والأسرة الصغيرة؛ لم يعد الولاء للبيت موجودا لدى أفراد الأسرة، حياة البيت صارت حياة آلية ليست فيها روح المشاركة، الجميع منصرف إلى وسائل العولمة (التلفون – التلفاز- النت- الصحف) حتى الأكل لم يعد يجمع الأسرة على حوار شيق يغرس الانتماء للبيت، فأعضاء الأسرة مجتمعون في مكان واحد بأجسادهم لكن أرواحهم في كل واد تهيم بلا التقاء، فتجدهم –حتى ساعة الأكل- واحد يأكل وهو يشاهد التلفاز وآخر يأكل ويتحدث بالتلفون أو يقرأ إعلانا على صحيفة أو يلعب بالتلفون وآخر يتذكر آخر ما رآه على النت منشغلا به.  كلهم في مكان واحد لكنهم أجساد ميتة بلا روح، قوالب مفرغة من التواصل الإنساني، والجميع خارج نطاق نفسه وخارج نطاق شريكه، كل واحد منهم له همومه وتطلعاته ومشكلاته ، لذلك كبرت الأنا المادية عند الجميع، ولم يعد في القلوب متسعا لحب الآخر والانتماء إليه إلا بقدر مصلحته الذاتية المادية. الغربة التي يعيشها الأزواج والزوجات والأبناء والبنات في بيوتهم هي السبب الأول لعدم الانتماء لأي شيء في هذه الحياة حتى الانتماء للذات لم يعد روحيا بل صار ماديا خاليا من قيم الجمال الروحي، فكيف نطالب الأجيال بأن يكون لديهم ولاء وطني وهم لا ينتمون حتى لأنفسهم أو لأسرهم؟ !!  المشكلة كبيرة جدا ، وتؤكد للجميع أن تربية القيم في خطر، أزمة القيم جعلت الجيل الصاعد يتلفت يمينا ويسارا وغربا وشرقا في حيرة من أمره يبحث عن قدوة له فلا يجدها في بيته ولا في حيه ولا في مدرسته، ويجدها في وسائل العولمة خارج الإطار الذي يفترض أن ينتمي إليه فيختار من التلفاز أو النت أو التلفون قدوته ( مغنيا-لاعبا-تاجرا- وأحيانا مجرما محترفا) ممن أثار إعجابه وسد فجوة القدوة لديه في ظل الغربة القهرية التي يعيشها في بيت آلي لا تسمع فيه همسا لأية مشاعر إلا أصوات وسائل العولمة، وشجارات أفراد الأسرة على كل شيء ليست له علاقة بانتمائهم الحميمي إلى بيت واحد...الانتماء للبيت يبدأ برفض الانشغال بأي شيء يبعدنا عن بعضنا أثناء تواجدنا معا في البيت.

 الدكتورة سعاد السبع - اليمن 

كثر الحديث حول الولاء الوطني، وكل واحد يدلي بدلوه في وضع المقترحات لتنمية الولاء الوطني ؛ فمن قائل إن إعادة الولاء الوطني ستتحقق برفع العلم في كل مكان، ومن قائل بتغيير المناهج الدراسية ، ومن قائل بتفعيل الأنشطة الوطنية في المدارس ، ومن قائل بالاهتمام بالمعلم وانتقاء الإدارة المدرسية، وكل هذه العوامل مجتمعة مهمة ليس للولاء الوطني فحسب بل للعملية التعليمية كاملة؛ و يعد غياب عنصر منها خللا في العملية التعليمية برمتها، لا يقتصر على إضعاف الولاء الوطني لدى المتعلمين، بل إن غياب أحد هذه العناصر يؤثر في منظومة القيم الإنسانية لدى المتعلمين؛ بما في ذلك القيم الدينية والتربوية والوطنية والاجتماعية وغيرها.

حينما أفكر في أساليب تنمية الولاء الوطني أقع في حيرة بين سلوكنا اليوم تجاه الوطن وبين ما قدمه آباؤنا وأجدادنا من أجل الوطن في وقت لم يكن فيه مدارس تعلم الولاء الوطني، بل كان الإنسان يتشرب الولاء الوطني منذ ولادته، بغض النظر عن الحاكم والنظام السياسي: وإلا فمن الذي علم ثوار سبتمبر حب الوطن وتقديم حياتهم ثمنا لتخليصه من الحكم الكهنوتي؟ ومن الذي علم ثوار أكتوبر الانتماء للوطن لدرجة أنهم تصدوا بأجسادهم لأعتى قوة في الأرض وأرغموها على الرحيل من الجنوب؟ ومن علم الفضول والمقالح والبردوني وكل الشعراء الوطنيين أن يذوبوا شعرا في تراب الوطن ؟! من علم الفنانين الوطنيين الكبار من مطربين ورسامين أن يصدحوا بأعذب الألحان من أجل الوطن؟ ويرسموا بأناملهم أروع اللوحات الناطقة بانتمائهم العميق للوطن؟ من علم الشهداء أن يتلقوا الرصاص بصدورهم الندية فداء للوطن؟ هل كان هؤلاء يحملون الأعلام الوطنية على ظهورهم؟ هل تعلموا في المناهج التي نراها اليوم؟ هل دخلوا مدارس حديثة وتلقوا تعليما بأحدث وسائل تكنولوجيا التعليم؟ هل أرغمهم معلموهم على ترديد عبارة : (الله ،الوطن ، الثورة، الوحدة) كل يوم في فناء المدرسة.

لم يحدث شيء مما سبق مع الوطنيين الكبار؛ لكن الوطن هو الذي كان يجري في عروقهم مجرى الدم، لذلك صنعوا تاريخ الوطن، وصنعهم الوطن لأنهم تعلموا الانتماء والولاء الوطني الحقيقي، وتشربوه في حضن الأسرة الدافئ بالحب والأمان والثقة، تعلموا في مجتمع تقليدي تحكمه القيم النبيلة، فكانت تربيتهم موحدة لأن أفراد المجتمع كانوا يجمعون على أسلوب تربوي واحد في البيت والمسجد والحقل والحي، فكان الأبناء يتشربون القيم المتكاملة في كل مكان ينزلون فيه ومن كل كبير يلاقونه، يجدون القدوة في سلوك الكبار وفي كل موقف يتعرضون له، فنتج عن ذلك أنهم ولدوا كبارا منذ طفولتهم، وبنوا كياناتهم بثبات قيمي جعلهم يتفاعلون مع كل الحياة بحب، ومسئولية، فهم في تصالح مع كل ما في بيئتهم؛ يرعون أغنامهم على أنغام حب الوطن، ويفلحون أراضيهم على نفحات عشق الأرض، وبالتالي حينما عبروا عن حبهم للوطن كان تعبيرهم فوق كل الخيال فرفعوا الوطن وارتفعوا به إلى يومنا هذا..

مفارقات عجيبة نعيشها هذه الأيام بسبب أزمة القيم التي تتحكم في حياتنا، وقد صارت مظاهر الأزمة ماثلة فيما نشاهده من مظاهر السلوك التي ليست لها علاقة بالقيم الروحية، بدءً من القيم التي تحكم العلاقات الأسرية ثم الاجتماعية في الحي و المدرسة ثم علاقتنا بالوطن وبالعروبة والإسلام والإنسانية.

لا نريد أن يتجه اهتمامنا إلى المظهرية في الولاء الوطني قبل أن نهز سلم القيم لنخلصه من الشوائب التي علقت به بسبب تضارب الرسائل التربوية المحلية، وغزو وسائل العولمة والفضاء المفتوح، لا بد أن نعيد لسلم القيم الخاصة بنا (نحن اليمنيين) الثبات الوجداني الذي كان عليه في السابق، نريد أن تكون كل المظاهر الوطنية انعكاسا لقيم وجدانية وسلوكية تتشربها الأجيال وتعبر عنها بدافع الحب وليس بدافع الخوف أو التقليد.

والخطوة الأولى تبدأ من تربية الولاء لبيت والأسرة الصغيرة؛ لم يعد الولاء للبيت موجودا لدى أفراد الأسرة، حياة البيت صارت حياة آلية ليست فيها روح المشاركة، الجميع منصرف إلى وسائل العولمة (التلفون – التلفاز- النت- الصحف) حتى الأكل لم يعد يجمع الأسرة على حوار شيق يغرس الانتماء للبيت، فأعضاء الأسرة مجتمعون في مكان واحد بأجسادهم لكن أرواحهم في كل واد تهيم بلا التقاء، فتجدهم –حتى ساعة الأكل- واحد يأكل وهو يشاهد التلفاز وآخر يأكل ويتحدث بالتلفون أو يقرأ إعلانا على صحيفة أو يلعب بالتلفون وآخر يتذكر آخر ما رآه على النت منشغلا به.

كلهم في مكان واحد لكنهم أجساد ميتة بلا روح، قوالب مفرغة من التواصل الإنساني، والجميع خارج نطاق نفسه وخارج نطاق شريكه، كل واحد منهم له همومه وتطلعاته ومشكلاته ، لذلك كبرت الأنا المادية عند الجميع، ولم يعد في القلوب متسعا لحب الآخر والانتماء إليه إلا بقدر مصلحته الذاتية المادية.

الغربة التي يعيشها الأزواج والزوجات والأبناء والبنات في بيوتهم هي السبب الأول لعدم الانتماء لأي شيء في هذه الحياة حتى الانتماء للذات لم يعد روحيا بل صار ماديا خاليا من قيم الجمال الروحي، فكيف نطالب الأجيال بأن يكون لديهم ولاء وطني وهم لا ينتمون حتى لأنفسهم أو لأسرهم؟ !!

المشكلة كبيرة جدا ، وتؤكد للجميع أن تربية القيم في خطر، أزمة القيم جعلت الجيل الصاعد يتلفت يمينا ويسارا وغربا وشرقا في حيرة من أمره يبحث عن قدوة له فلا يجدها في بيته ولا في حيه ولا في مدرسته، ويجدها في وسائل العولمة خارج الإطار الذي يفترض أن ينتمي إليه فيختار من التلفاز أو النت أو التلفون قدوته ( مغنيا-لاعبا-تاجرا- وأحيانا مجرما محترفا) ممن أثار إعجابه وسد فجوة القدوة لديه في ظل الغربة القهرية التي يعيشها في بيت آلي لا تسمع فيه همسا لأية مشاعر إلا أصوات وسائل العولمة، وشجارات أفراد الأسرة على كل شيء ليست له علاقة بانتمائهم الحميمي إلى بيت واحد...الانتماء للبيت يبدأ برفض الانشغال بأي شيء يبعدنا عن بعضنا أثناء تواجدنا معا في البيت.
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-