الدكتورة أمال جودة تستقصي قوة الأنا لدى المرأة الفلسطينية
محمد توفيق كريزم - وكالة أخبار المرأة
صدرت دراسة نوعية ومتخصصة للدكتورة أمال عبد القادر جودة، عميد التعليم المستمر وخدمة المجتمع وأستاذ الصحة النفسية في جامعة الأقصى تحت عنوان قوة الأنا لدى المرأة الفلسطينية وهدفت إلى التعرف على تأثير بعض المتغيرات على قوة الأنا لدى المرأة الفلسطينية، وأسفرت نتائج الدراسة عن وجود فروق دالة في قوة الأنا تعزى لاختلاف طبيعة الدور الاجتماعي (طالبة– عاملة- ربة بيت) للمرأة، ومستوى التعليم (جامعي- ثانوي- إعدادي)، والحالة الاجتماعية (آنسة- متزوجة- مطلقة)، كما أسفرت النتائج عن عدم وجود فروق في قوة الأنا تعزى لمتغير مكان السكن (مخيم- مدينة- قرية).
مساهمة فاعلة
ولفتت جودة النظر في دراستها إلى المسيرة الحضارية للإنسان، التي توضح ما للمرأة من مكانة متميزة، فهي منذ فجر التاريخ قد أسهمت بكفاءة واقتدار في نهضة الأمم وتطور المجتمعات، سواء أكانت المرأة ربة بيت أم امرأة عاملة في مجال من مجالات الحياة المختلفة، مؤكدة أن المرأة على الصعيد العالمي عامة، وعلى الصعيد الفلسطيني خاصة أصبحت أكثر مشاركة في سوق العمل، حيث أصبحت المرأة الفلسطينية تشارك في جميع مجالات الحياة في المجتمع الفلسطيني إلى الحد الذي أصبحت فيه قادرة على منافسة الرجل في العديد من المجالات، كالتعليم والصحة والسياسة، ويعزى هذا التغير في أدوار المرأة إلى القيم الاجتماعية الجديدة التي تقدر تعليم المرأة واشتغالها، ذلك أن التعليم أعطى المرأة ثقة بالنفس من ناحية، وأمدها بالقوة والجرأة في التعبير عن آرائها والمطالبة بحقوقها من ناحية أخرى. وبفضله دخلت المرأة في العديد من المهن والنشاطات المختلفة. كما يعزى هذا التغير في أدوار المرأة أيضًا إلى الحاجات الاقتصادية والنفسية التي دفعت المرأة نحو الحياة المهنية، والإسهام في ميادين الإنتاج والخدمات خارج منزلها.
تطوير الشخصية
وأشارت جودة في دراستها أنه لا يمكن التوصل إلى تطوير شامل ودائم للمجتمع في ظل تجاهل الاهتمام بالمرأة وشخصيتها، فالمرأة جزء من كل، ولا يمكن فصلها عن المجتمع الذي تعيش فيه، ومن هنا فإن أية تأثيرات يتعرض لها هذا المجتمع إنما تقع عليها أيضًا. وبالتالي فإن المرأة تجد نفسها مضطرة إلى أن تطور شخصيتها باستمرار، حتى تستطيع مواجهة التغيرات التي تنشأ في المجتمع الذي يكتنفها. وهذا ما جعل المرأة الفلسطينية تتميز بخصوصية مستمدة من خصوصية قضيتها الوطنية التي شكلت حياتها وشخصيتها، وأثرت على مسيرة نضالها في نهاية الأمر، وهنا يصبح مفهوم قوة الأنا أكثر أهمية إذا ما كانت هناك محاولات لدراسته لدى المرأة التي تبوأت مكانة متميزة في المجتمع، وأصبحت تنافس الرجل في جميع المجالات، الدراسية منها والمهنية، وهذا ما استهوى الباحثة حيث وجدت أن هناك حاجةً ماسة إلى إجابة إمبريقية لتساؤل يعتمل في الذهن، وهو تساؤل يرتبط بشخصية المرأة الفلسطينية في عصر العولمة وعصر التحولات، وفي ظل الواقع الفلسطيني المتميز الذي يموج بضغوط شتى على جميع المستويات، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية. كما يرتبط بمدى اختلاف شخصية المرأة في ضوء بعض المتغيرات، من حيث بعض خصائص الشخصية، وبخاصة قوة الأنا.
طاقة إنتاجية
وتكمن أهمية هذا البحث في الموضوع الذي تتعرض له الباحثة، ألا وهو قوة الأنا لدى المرأة الفلسطينية بما يتضمنه من كفاية الأنا بالنسبة لما تؤديه من وظائف في الشخصية. كما يلقي البحث الحالي الضوء على فئة النساء في المجتمع الفلسطيني، تلك الفئة التي تشكل 52% من عدد السكان في هذا المجتمع، وهذا من شأنه أن يلفت أنظار المسئولين في الدولة إلى العناية بالمرأة، حيث إنها تشكل نصف المجتمع، فلا بد من الاستفادة من طاقتها الإنتاجية في كافة مجالات الحياة ولاسيّما أن الدولة الفلسطينية هي دولة فتية محتاجة إلى جهد كل فرد من أبنائها.
ثم إن هذا البحث يلقي الضوء على شخصية المرأة الفلسطينية تلك المرأة التي تتسم بسمات شخصية قد تميزها عن غيرها من نساء العالم، هذه المرأة التي تعيش واقعًا يموج بضغوط شتى في جميع مجالات: الحياة الاجتماعية، والاقتصادية، والأمنية، والسياسية، فهي المرأة التي ضربت مثلاً رائعًا في التضحية والبطولة والصمود؛ حيث إن التعرف على شخصية المرأة يساعد في الاستفادة من طاقاتها وجهودها في المجال الذي يتناسب وشخصيتها، مما يوفر على الدولة الكثير من الوقت والجهد والمال، ويعمل على زيادة الإنتاج من خلال وضع المرأة في المكان الذي يتفق ومقومات شخصيتها.
كما تبدو هذه الأهمية في محاولة الكشف عن تأثير بعض العوامل في شخصية المرأة وخاصة قوة الأنا لديها، وهذه العوامل هي: الدور، والحالة الاجتماعية، ومستوى التعليم، ومكان السكن. وهي أمور تساعد المسئولين في كافة المؤسسات الحكومية والأهلية على القضاء على سلبيات العمل التي تعوق المرأة في تأدية رسالتها، واختيار المرأة التي تناسب هذا العمل أو ذاك وفقًا لحالتها الاجتماعية، ومستواها التعليمي، ومكان سكناها، وبذلك تكون الدولة قد نجحت في الاستفادة من المرأة والتي تمثل نصف المجتمع الفلسطيني في بناء هذا الوطن.
فروق دالة
وكشفت الدراسة أن المرأة العاملة تتسم بقدر اكبر من قوة الأنا مقارنة بغيرها من النساء، بإعتبار أن العمل يحقق للمرأة إشباعًا نفسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا وأن الأمن الاقتصادي يسهم في ارتقاء العلاقات الإنسانية، وبالتالي أصبح للمرأة كيان مستقل، ورأي خاص في مجمل مجالات الحياة، وقدرة على تحقيق الذات بدون الحاجة إلى تبعية الرجل، كذلك فيما يتعلق ببعد كفاية الاستجابة للمثيرات الداخلية،فقد تبيّن وجود فروق دالة بين متوسط درجات أفراد العينة لصالح العاملات،ويمكن تفسير ذلك في ضوء معطيات البيئة الفلسطينية بان المرأة العاملة تتمتع بكفاية الأنا في استجابتها السوية الصادرة عن الهو،أو المطالب الأخلاقية الصادرة عن الأنا العليا، وربما يرجع ذلك إلى أن العمل قد أثر في المرأة من عدة نواح منها أنه أعطاها الشعور بالأمن والثقة بالنفس،وأمدها بالقوة والجرأة في التعبير عن رغباتها وآرائها، حيث أسفرت نتائجها عن أن فقدان الأمن وقوة الأنا متغيران لا يلتقيان، فكلاهما على النقيض من الآخر.
أما بالنسبة لبعد الكفايات الشخصية تبين وجود فروق دالة بين متوسط درجات العاملات ومتوسط درجات كل من الطالبات وغير العاملات،والفروق كانت لصالح العاملات،وهذا يعني أن المرأة العاملة تتمتع بالمزيد من الاستقلالية والتلقائية والمرونة والقدرة على التعامل والتكيف مع الأزمات والمواقف الصعبة في مختلف جوانب الحياة، إذ لم يعد ثمة مجال للشك ولا موضع للخلاف حول دور العمل في تطور الإنسان وارتقائه،فالمشاركة في الإنتاج تفجر الطاقات الكامنة للمرأة، وتعمل على تطورها، والمرأة العاملة تستطيع أن تواجه صراع الدور بشكل إيجابي،تختفي معه مشاعر الذنب أو يختفي معه الإحساس بوجود المشكلات أو الصعوبات في أداء هذه الأدوار، وذلك حينما تكون المرأة متقبلة لذاتها وللآخرين، ولديها قدر من الثقة بنفسها.
وعبرت جودة عن أملها في أن يكون لهذا البحث أهميته في إفادة القائمين على مراكز تنمية المجتمع ورعاية الأمومة والطفولة والمراكز المعنية بالمرأة في التوعية المجتمعية، وبناء شخصية المرأة الفلسطينية بالصورة التي تصبح فيها قادرة على تحمل المسئولية وإثراء لمجتمع بدلاً من أن تكون عالة عليه.